رفع الطيران الروسي من وتيرة استهداف بلدات في الشمال الغربي من سورية في خطوة تصعيدية متوقعة قبيل أيام من قمة منتظرة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، يُرجح أن ينضم إليها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. ومن الواضح أن الجانب الروسي يضغط باتجاه تطبيق اتفاق أبرم العام الفائت مع الجانب التركي حول محافظة ادلب.
وقال الناشط محمد المصطفى، في حديث مع “العربي الجديد”، إن طائرات حربية روسية أغارت أمس الخميس بالصواريخ الفراغية على محيط مدينة إدلب وأطراف بلدة معرة مصرين وقرية كفرجالس في ريف إدلب الشمالي، ومحيط بلدة بينين شمالي مدينة معرة النعمان في الريف الجنوبي، بالتزامن مع قصفٍ مدفعي لقوات النظام من مواقعها القريبة. ولم تهدأ الآلة العسكرية طيلة أكثر من شهر، حيث لا يكاد يمر يوم من دون غارات جوية على أرياف إدلب توقع قتلى ومصابين بين المدنيين.
من جهتها، اتهمت وزارة الدفاع الروسية فصائل المعارضة في إدلب بخرق وقف إطلاق النار 26 مرة خلال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين. وقال نائب مدير مركز التنسيق الروسي في حميميم، اللواء البحري فاديم كوليت، في بيان إنه “تم رصد 26 اعتداء من المناطق التي تنتشر فيها التنظيمات المسلحة هي: 11 اعتداء في إدلب و11 في اللاذقية و1 في حماة و3 في حلب”.
ويأتي هذا التصعيد الروسي قبيل أيام من قمة سوتشي ويتوقع أن يتصدر ملف الشمال الغربي من سورية قائمة المناقشات فيها. ويتزامن موعد القمة، في 29 سبتمبر/أيلول الحالي، مع الذكرى السادسة للتدخل الروسي في سورية في 30 سبتمبر 2015، والذي رجح كفة النظام في الصراع ولكن على أجساد آلاف السوريين في كل المناطق.
وفي السياق، نقلت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام الخميس عما سمّتها “مصادر مراقبة للوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب” قولها “إن الحاجة غدت ماسة من قبل روسيا لإعادة النظر باتفاقات التسوية الخاصة بخفض التصعيد مع الجانب التركي، ولاسيما اتفاقي موسكو وسوتشي”. ورجحت “الوطن” أن تخرج قمة سوتشي بمسودة تفاهمات جديدة تنص على وضع جدول زمني قريب لتنفيذ اتفاقي “موسكو” (2020)، و”سوتشي” (2018)، والإسراع في وضع الطريق الدولي “أم 4″، الذي يربط الساحل السوري بمدينة حلب في الخدمة. وكان الرئيسان التركي والروسي وقعا في مارس/آذار 2020 “اتفاق موسكو” عقب تصعيد عسكري واسع النطاق في محافظة إدلب تدخل فيه الجيش التركي بقوة بعد مقتل نحو 30 جندياً في ريف إدلب بقصف من قوات النظام. ولم ينفذ من بنود الاتفاق إلا وقف إطلاق النار الذي صمد على الرغم من كل الخروقات من قبل قوات النظام والجانب الروسي على مدى نحو عام ونصف العام. وكان الاتفاق قد نصّ على إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب-اللاذقية “أم 4″، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يتم الاتفاق على معايير محددة لعمل الممر الأمني بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. كذلك نصّ الاتفاق في ملحقه على الالتزام بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها الإقليمية، والتصميم على مكافحة كل أشكال الإرهاب، والقضاء على جميع الجماعات الإرهابية في سورية على النحو الذي حدده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع الاتفاق على أن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة. وفشل الطرفان التركي والروسي في فتح الطريق “أم 4” واستعادة الحركة عليه بسبب تعقيدات ميدانية، وهو ما سيؤدي الى انهيار اتفاق موسكو في حال لم تخرج القمة المرتقبة بتفاهمات جديدة تجنّب نحو 4 ملايين مدني في محافظة إدلب ويلات عمليات عسكرية واسعة النطاق. ويبدو أن الجانب الروسي يضغط باتجاهات مختلفة على الجانب التركي حول الوضع في محافظة إدلب. وإضافة الى استعادة الحركة على “أم 4″، تريد موسكو فتح المعابر الداخلية بين مناطق النظام والمعارضة السورية، في خطوة تهدف الى إنعاش اقتصاد النظام الذي يقف على حافة الانهيار.
في المقابل، تستعد تركيا لجميع الاحتمالات. وفي السياق، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية أول من أمس الأربعاء، أن تركيا أرسلت مزيداً من قواتها إلى شمال غربي سورية. ونقلت “بلومبيرغ” عن مسؤولين تركيَّين اثنين لم يكشفا عن اسميهما، قولهما إنّ “آلاف الجنود الإضافيين سيساعدون في ردع أي محاولة تقدم للقوات البرية التابعة للنظام السوري في إدلب، والسيطرة على الطرق المؤدية إلى الحدود التركية”.
ويعتقد الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن قمة سوتشي “هي للحفاظ على الوضع كما هو في الشمال الغربي من سورية”. وبرأيه فإن “روسيا تدرك أنها لا تستطيع تغيير الوضع القائم بسهولة، فهي تحتاج لعملية عسكرية ضخمة ليست جاهزة لها”. كما لفت إلى أن تركيا لا ترغب بالتصعيد مع روسيا، لذلك سيبقى الوضع على ما هو عليه كأفضل الخيارات الممكنة. وأشار إلى أن النظام وروسيا “يريدان السيطرة على كل الشمال الغربي من سورية”، لكن نتائج أي عملية عسكرية ليست محسومة لصالحهما. ووفقاً لزيادة فإن “الأطراف الأربعة روسيا، والولايات المتحدة، وتركيا وإيران قبلت بالوضع الراهن في سورية لأنها تدرك أن تغييره يستجلب معارك كبرى ليست جاهزة لها في الوقت الراهن”، وفق زيادة.
بموازاة ذلك، ذكرت مصادر محلية في مدينة إدلب لـ”العربي الجديد” أنّ الترقب يسود عموم المحافظة، مشيرة إلى وجود تخوف من انهيار التفاهمات التركية الروسية والعودة إلى المربّع الأول حيث القصف الروسي المتوحش والذي لا يطاول سوى المدنيين وممتلكاتهم.
وفي السياق، بيّن محمد الحلاج، وهو مدير فريق “منسقو الاستجابة” والذي يضم ناشطين في الحقل الإنساني في شمال سورية، أن “فشل الجانبين التركي والروسي في القمة المنتظرة في سوتشي سيكون له نتائج كارثية على الشمال الغربي من سورية”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أن أي عمليات عسكرية ستؤدي إلى موجة نزوح كبرى من مدينة أريحا ومنطقة جبل الزاوية في ريف إدلب ومن سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي إلى مخيمات النزوح على الحدود السورية التركية. ورجح نزوح نحو 400 ألف مدني من المناطق المذكورة، مشيراً إلى أن الوضع في المخيمات “كارثي بكل المقاييس الآن”، متحدثاً عن تفشي فيروس كورونا فيها. وأوضح أنه “تُسجّل كل يوم أكثر من 200 حالة في المخيمات”، لافتاً إلى أنه أصيب 7800 شخص بالفيروس منذ بدء انتشاره في الشمال السوري. وأشار الحلاج إلى أن عودة الروس والنظام للعمليات العسكرية “تعني حركة نزوح شبيهة بتلك التي حدثت في الربع الأول من العام الفائت مع تقدم قوات النظام في أرياف إدلب وحلب وحماة”. وحذر من أن انهيار التفاهمات الحاكمة للوضع في إدلب ستكون له تبعات كارثية على ملايين المدنيين.
المصدر: العربي الجديد