محمد جمال طحان كاتب وصحفي من حلب؛ يقدم شهادته عبر هذا النص الروائي عن الثورة السورية، وبشكل أساسي عن تجربة الاعتقال عند النظام السوري في معتقلاته على كثرتها، مدونا وثيقة مرجعية في موضوع الاعتقال، وأساليب التعذيب والهدر الإنساني، والمنعكسات النفسية، والمعاناة الذاتية واستباحة الإنسان ورخصه عند النظام القمعي الاستبدادي السوري، وشهادة على الثورة من موقع المشارك والمراقب والمحلل، من بداية الثورة حتى عام 2017م.
.تبدأ الرواية عندما يعثر شهم على أوراق مركونة على طريقه في عينتاب التركية، وهو صاحب دار نشر، وعند الاطلاع عليها، سيجدها مدونة ل جزء من تجربة اعتقال جمال طحان الذي خطف من أمام بيته في حلب، لتبدأ رحلة المعاناة والتعذيب والاستجواب و أساليب النظام وبطشه وهدر كرامة المعتقل وجسده وإنسانيته، وبكل الأساليب والتي تنتهي أحيانا بقتل المعتقل تحت التعذيب أو مشوها جسديا أو نفسيا، وقد يخرج؛ فإن خرج معاقا، والاعتقال والتعذيب معروف في سوريا وبلاد الاستبداد العربي، وهناك من دون شهادات عن الاعتقال والتعذيب منذ سبعينات القرن الماضي للان.
يحدثنا جمال طحان عن تجربة بالتفاصيل المعاشة في المعتقل معه وحوله في كل ما تسمعه أذنه أو تراه عينه. جمال الحامل لشهادة الدكتوراه بالفلسفة، الذي يعمل في صحيفة تشرين الحكومية السورية، ويدرّس في معهد أجنبي لطلاب الدراسات العليا، والمشارك في اغلب النشاطات الثقافية في حلب. والذي أعاد تحقيق مؤلفات عبد الرحمن الكواكبي، بما تحمله من رمزية الصراع مع الاستبداد؛ الذي تحدث عنه الكواكبي منذ أكثر من قرن. أسّس جمال مع غيره من السياسيين والناشطين تنسيقية الثورة السورية في حلب، ككل المدن السورية، منذ بدايات الربيع السوري في آذار 2011 م، وذلك لإدارة التظاهر والمحافظة على سلامته وسلميته وحمايته واختيار أوقاته وامكنته المناسبة، سيعتقل بعض شباب التنسيقية ويتم ذكر اسمه كناشط ومسؤول في تنسيقية حلب، لذلك يتم اعتقاله. في اعتقاله سنطلع على أساليب التعذيب جميعها، والاهم ان التعذيب هنا ليس له حدود، وقد يؤدي للموت، أو الإصابة المؤدية إلى عاهة نفسية أو جسدية، في المعتقل يتعايش مع استباحة الإنسان وهدر انسانيته، في المعتقل يدرك أن ما يحصل ليس فقط التحقيق للوصول إلى المعلومات؛ هو فوق ذلك قتل لروح التمرد، وسحق لبذرة الحرية التي وهبها الله للبشر حين مولدهم، في المعتقل سيدرك حجم الحقد الطائفي للسلطة وأدواتها؛ فكل المحققين وقادتهم وعناصرهم المنفلتين على المعتقلين ككلاب مسعورة من لون طائفي واحد (علويين للأسف). سيدرك جمال انه امام موقف صعب ؛ ان بعض الناشطين المعتقلين قبله قد اعترفوا عليه وعليهم، كان همه ان لا يقدم اعترافات جديدة تضر بآخرين وتؤدي لاعتقالهم، وان يبهت الاعترافات السابقة، و ان يضعها ضمن فكرة حث السلطة على الاصلاح ، وان يمنع المتظاهرين عن التورط بالعنف المسلح ، الذي بدأ ردا على عنف النظام، اعتمد على صلابته ، وعلى قدرته على البحث عن مخارج أثناء التحقيق، وفي كثير من المواقف دفع رفاقه للتراجع عن اعترافاتهم أو تخفيف تأثيرها عليهم، استثمر جمال بذكاء تاريخه الشخصي ، وانجازاته العلمية وكونه يعمل في صحيفة تشرين، وشبكة علاقاته التي ينتمي أغلبها إلى دائرة السلطة، سيصمد بداية ، يتمترس أمام ما قدمه من معلومات، سيحاولون أن يخيفوه عبر سماعه لتعذيب الآخرين، أو رؤيتهم وهم يتعذبون، لكن ذلك يجعله يؤمن أن قضيته صحيحة، وأن الثورة على هذا النظام القمعي المستبد المجرم تأخرت كثيرا، واعتمد على المطالبة الدائمة لهم للحصول على أدويته؛ فهو مصاب بسرطان البروستات وكان قد اجرى عملية قبل الاعتقال بأيام، ويحتاج لعلاج ومتابعة ، وكذلك كتابة خطابات كثيرة للمحققين، يشرح فيها موقفه ويطالب بالإفراج عنه، كان آخرها لرئيس الجمهورية ، حرص جمال أن يصل خبر اعتقاله لأهله ومن ثم الى وسائل الاعلام والى المتظاهرين، وأدى هذا إلى محاولة النظام أن يطوّق الحالة وأن يستثمرها، فقد حاول المحققين ان يدفعوه لاعتراف ما، يدينه فلم يستطيعوا، حاولوا ان يجعلوه يخرج على التلفزيون ويستخدم خروجه لصالح النظام فرفض، جاء احد المشايخ كممثل عن الرئيس ودائرته ليقنعهم بتقديم اعترافات ولم يحصل، لقد وُعدوا بالإفراج لكن لم يعرف متى وكيف واين؟. سينقل جمال في رحلة الإفراج عنه في كثير من المعتقلات في حلب ودمشق، ويتعايش مع اشكال جديدة من التعذيب لكثيرين مع المعتقلين، ويسمع ويرى ما يجعله أكثر يقينا بعدالة خروجه وخروج الناس في سوريا ضد النظام وإسقاطه وإسقاط الاستبداد والقمع والطائفية وكل أشكال الاستغلال والتمييز. يخرج جمال من المعتقل في دمشق، ونقل بالطائرة الى حلب ، ويصل لأهله بعد اعتقال دام لأشهر، وسرعان ما يعود منخرطا في نشاط الثورة السورية، وستحصل اعتقالات جديدة للمرتبطين به، فيقرر أن يغادر سوريا؛ لان اعتقاله ثانية يعني نهايته هذه المرة ، ويخرج إلى الرياض في العربية السعودية، وسرعان ما انخرط في النشاط السياسي والثقافي والاغاثي لصالح الثورة السورية، ثم سيغادر من هناك الى الامارات العربية دبي ثم الشارقة، حيث ينخرط في مؤسساتها الثقافية، ثم ينتقل الى تركيا عنتاب ويستقر فيها متابعا شأن الثورة وأحد الناشطين فيها.
الشهادة لا تأخذ الطابع السردي المباشر، فقد اعتمد جمال تقنية المحطات، حيث تطوع شهم الذي وجد أول جزء من المذكرات، أن ينتقل من مكان لآخر ليصل لجمال وبقية مذكرات اعتقاله، هذه الآلية انارت جوانب الثورة السورية الأخرى، حيث تعرفنا على شخصيات أخرى منتمية للثورة ولها أدوارها، سراب الناشط في الثورة الذي سيكون جزء من العمل المسلح للجيش الحر، والذي سيختفي في ظروف غامضة، تؤكد إشكالية العمل المسلح وتوجيهه، وتدخل القوى الإقليمية والدولية فيه لمصالحها ، وكذلك لجين الناشطة والتي لها علاقة حب بسراب، وغيرهم كثير، سنتعرف على واقع الثورة، وكيف تم تصفية التظاهر والمتظاهرين تقريبا في سوريا كلها؛ عبر العنف المسلح للنظام الذي قتل مئات الآلاف، ودمر المدن، وهجر الملايين، و سندرك أن الانتقال للعمل المسلح للجيش الحر كان ضرورة لا مهرب منها، يرصد جمال واقع العمل المسلح، ودخول القوى الدولية والإقليمية على خطّه، ونمو المجموعات التي صنفت إرهابية كداعش والنصرة، وكذلك نمو مجموعات مسلحة اعتمدت النهب والسرقة وبعضها يرتبط بالنظام، ولا ننسى العصابات الطائفية التي استعان بها النظام من حزب الله اللبناني، إلى مليشيات عراقية وأفغانية والحرس الثوري الإيراني، سيدرك جمال ان سوريا لم تعد دولة ذات سيادة؛ بل موقع صراع دولي وإقليمي على الأرض السورية وبالدم السوري باغلبه. ومع ذلك لن يفقد بوصلته الاساسية: حق الشعب السوري أن يسقط الاستبداد وأن يحاسب المستبدين القتلة المجرمين، وأن يبني دولته الوطنية الديمقراطية، دولة العدالة والكرامة والقانون والحياة الأفضل. سيستمر جمال بالقيام بدوره عبر النشاط الثقافي والسياسي مع كثير من الناشطين منتصرين لثورة الشعب السوري؛ حتى تنتصر.
تنتهي الرواية عندما يلتقي جمال بشهم ويكمل جمال سرد قصته الشخصية مندمجة مع قصة الثورة السورية. أخيرًا إن أي كتابه عن الرواية الشهادة لا تغني عن الاطلاع عليها، أهميتها بتفاصيلها، وأنها شهادة تضاف لكثير من الشهادات قبلها وبعدها، تخلد الثورة السورية وما مر بشعبها وناشطيها من عذابات وما قدموه من تضحيات. شهادة للأجيال القادمة، للعالم وللتاريخ.