تغيب الأمة فتحضر القمة

رأي الملتقى

في لحظات الغياب، غياب الشعوب، وارتكاس النظام الرسمي العربي عن الفعل والـتأثير، وانشغاله بمصالح وجوده البراغماتية، ومن ثم غياب الثقل العالمي لتموضعه، وانعدام المشروع العربي الكلي، في مواجهة المشاريع العدوانية الأخرى، من فارسية امبراطورية، أومشروع صهيوني مدعوم أميركيًا، واحتلالات عديدة، لعل أكثرها وضوحًا وعدائية في الظرف الآني هم المشروع الصهيوني والإيراني وكذلك الروسي.

استفحال التغييب القصدي لإرادات الشعوب العربية المقهورة، وعسف النظم القمعية في ممارسة انفلاتها الهمجي في مواجهة هذه الشعوب، بينما يعبث الآخر/ العدو للأمة بمقدراتها وحيواتها، ويطال بعدوانه اليومي كل الجغرافيا التي تدعي حمايتها، فهذه النظم مازالت منشغلة كل الإنشغال بتثبيت كياناتها المصلحية، والطائفية السلطوية حينًا آخر، والمندرجة ضمن أتون مشاريع الآخرين، حيث تفقد السيادة الوطنية، ومفهوم السيادة كل معنى بوجود نظم لاهم لها إلا الحفاظ على مكتسباتها، عبر الفساد والإفساد كسياسة ممنهجة متبعة لديها منذ عقود.

ضمن هذا الواقع المر الذي تعيشه شعوبنا العربية وفي مقدمتها الشعب السوري المُتخلَّى عنه، تنشغل كل النظم ومعظم الشعوب، ووسائل إعلامها بقمة القمم التي حصلت في جنيف، بين رأس الإدارة الأميركية الجديدة جو بايدن، والطاغية المحتل الروسي فلاديمير بوتين، ويبدو أن لكلٍ اهتماماته وتمنياته من هذه القمة، التي انتهت كما بدأت، دون الإمساك الجدي بأي من تلك المحاور المفترضة وصولًا إلى تفاهمات وحلول.

عوَّل الكثير من أهل السياسة والإعلام العرب (بما فيه الكفاية) على منتجات عملانية للقمة تلقي بظلالها على حيثيات قادمة للواقع العربي، ومنه الواقع السوري الذي بات في حالة فوات حقيقي، لكن جاءت نتائج القمة واهتماماتها مبتعدة بشكل كامل عن كل مشاكل العرب والسوريين، ولم تلق بالًا للمسألة السورية، التي كانت في آخر اهتماماتها، علاوة على أن القمة بالأساس لم تكن لتصل إلى حلول لمشاكل كبرى سبقت بأهميتها قضايا العرب، والتي يتطلع إليها غير موقع عالمي ينظر إلى قمة الكبار على أنها يمكن أن تضع حلولًا لإشكالاته.

وقد غابت عن القمة العديد من المسائل التي تهم الشعوب في الوطن العربي أو العالم، في جو لا يوحي بالتفاؤل كثيرًا أو بانفراجات قادمة، عبر صراع بات وشيكًا فيها العودة الممكنة إلى الحرب الباردة، التي أَفلت مع أُفول نجم الاتحاد السوفياتي السابق.

المشكلة فينا نحن العرب والسوريين خاصة، أننا نقعد بلا حراك، وننتظر من الآخرين حلولًا لمشاكلنا، نتواكل ولا نتوكل، نتفرج ولا نفعل، نتقاتل ونتعارك ونتشظى ونتفتت ولا ننجز مشاريعنا التوحيدية، ولا برامج عملنا المطلوبة، ننتظر وأفواهنا مفتوحة للسماء، أن يأتي الفرج من قمة ليست قمتنا، ونتائج ليس  نتائجنا، وانشغالات ليست في مضمار مصالحنا، لكن كيف يمكن للقمة أن تنتج ماهو مفيد لنا، بينما التشظي والتفتت سيد الموقف، على المستوى الرسمي العربي، وكذلك على مستوى الشعوب، وكيف يمكن أن ننتظر خيرًا من قمة، ونحن في حالة غياب كلي عن الفعل والتأثر، لا في المشهد الوطني فحسب، ولا الإقليمي ولا العالمي أو الدولي، وكيف يمكن أن نأمل خيرًا من قمة ليست لأمتنا، وبنود لا وجود لقضايانا فيها، والأهم من ذلك أنها تحدث (أي هذه القمة) لآخرين محتلين لأرضنا، ونحن مابرحنا نمارس (وبشكل يومي) كل موبقات الفعل اللاتوحيدي، والانفلاش في كل ماجمعتنا عليه وإليه ثورات شعوبنا العربية، التي انطلقت بموجات الربيع العربي الثلاث المتتابعة.

وهل يرجى خيرًا من قمة في جنيف أو سواها، في وقت مازال العرب يعيشون في حالة عجز وتعاجز عن الإمساك بأساسيات أي مشروع عربي يمكن أن يضع العرب بين الأمم، ويواجه أهم خطرين عدوانيين في منطقتنا هما المشروع الفارسي الطائفي بأحلامه الامبراطورية، وقد وصل احتلالًا إلى أربع عواصم عربية، هي دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت، والمشروع الصهيوني المستفرد بأمتنا وبدعم أميركي روسي واضح، ودعم إيراني من وراء حجاب.

لو فكر العرب قليلًا لعرفوا أنه لم يعد يرجى أي أمل من الخارج الأميركي أو سواه، كما لم يكن يرجى ذلك قبلًا، إذ إن لكل دولة مصالحها، ومشاريعها، وعلى العرب والسوريين الثائرين منهم أن يؤسسوا لمشاريعهم الحقيقية التي بها وحدها، وبتلاحمهم مع بعضهم فقط، يمكن أن يحترمهم الآخر المعولم والقوي، والذي لا ينظر إلى الضعفاء إلا بعين الشفقة والمصلحة والاستثمار، حيث لا إنسانيات في العالم، ولا حضورًا حقيقيًا (أي حضور) للقانون الدولي الإنسلاني، إلا في الإعلام الفضائي، والوثائق الأممية. ولا قدرة لنا كعرب وسوريين على الوصول إلى غاياتنا وأحلامنا في الحرية والتحرر إلا بالتوحد كقوى وطنية ديمقراطية، والتوحد كعالم عربي في أجواء العولمة التي أخذت معها كل شيء، ولا قيمة بين ظهرانيها للضعفاء والمتناحرين وغير الموحدين.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى