خالفت نتائج التشريعيات بالجزائر كل التوقعات إثر فوز جبهة التحرير الوطني بالمرتبة الأولى، متبوعا بالمترشحين المستقلين، وحركة مجتمع السلم “حمس” أكبر حزب إسلامي، فيما خرجت أحزاب كان ينتظر أن تحدث المفاجأة بخفي حنين ولم تتجاوز حصيلتها مقعدا واحدا على غرار حزب “جيل جديد”.
المفاجأة كانت كبيرة بالنسبة للمشاركين في الانتخابات وحتى المتابعين والمقاطعين لها، سواء من حيث نسبة المشاركة التي لم تتجاوز سقف 23 في المئة، وهي أضعف نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات في الجزائر، أو من حيث تشكيلة الأحزاب السياسية الفائزة، إذ إن الحزب الفائز أي حزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان) بالكاد استطاع أن يخرج من مخلفات الزلزال الذي طاله بعد سقوط منظومة حكم عبد العزيز بوتفليقة التي كان يشكل واجهتها.
وكان رئيس السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات محمد شرفي قد أعلن نتائج الانتخابات النهائية، بعد أربعة أيام من إجرائها، ما خلف الكثير من الجدل سواء بسبب تأخر الإعلان عن النتائج، وأيضا ما كشفته النتائج الأولية بخصوص هوية الفائزين.
وأشارت النتائج الرسمية إلى حصول حزب جبهة التحرير الوطني “الأفلان” على 105 مقاعد من أصل 407، متبوعا بالأحرار بـ78 مقعدا، وهي أول مرة يحصل فيها الأحرار على مقاعد بهذا الحجم وبمرتبة مماثلة في تاريخ الانتخابات الجزائرية، فيما حصلت حركة مجتمع السلم على 64 مقعدا، والتجمع الوطني الديمقراطي “الأرندي 57 مقعدا، وجبهة المستقبل بـ48 مقعدا، و حركة البناء بـ40 مقعدا، وهي الأحزاب والقوائم التي يمكن أن تكون كتلا برلمانية في البرلمان المقبل.
في حين حصلت جبهة الحكم الراشد على 3 مقاعد، وحزب صوت الشعب على نفس العدد، ثم حزب العدالة والتنمية، وحزب الحرية والعدالة، و حزب الفجر الجديد، بمقعدين لكل واحد منهم، وكذلك حزب الجزائر الجديدة، حزب الكرامة، وحزب جيل جديد، بمقعد واحد لكل تشكيلة سياسية، وهي الأحزاب التي كان ينتظر أن تحدث المفاجأة.
وفي قراءته لهذه النتائج يرى أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي الدكتور توفيق بوقعدة، في حديث مع “القدس العربي”، أن هذه النتائج “مرتبطة أولا بنسبة المقاطعة المعتبرة التي شهدتها هذه الانتخابات وبالتالي غياب أصوات الأحزاب الرافضة التي كانت تؤثث المشهد السياسي في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلى جانب كثرة القوائم الانتخابية ما جعل أصوات الناخبين الرافضة لهذه الأحزاب تتوزع عبر القوائم الحرة أو الأحزاب الصغيرة، وكذلك قدرة هذه الأحزاب على التجنيد وإدارة العملية الانتخابية”، بالإضافة إلى انفتاح هذه الأحزاب كالأفلان وحمس والأرندي على “نخب من خارج وعائها الحزبي، خاصة الأفلان الذي فتح باب الترشيح لعدد كبير من الشخصيات التي لم تكن منخرطة داخل الحزب، بهدف خلق وجوه جديدة أولا، وحتى تتماشى مع خطاب التجديد الذي رافعت من أجله خلال الحملة الانتخابية بأن حزب جبهة التحرير يتجدد ولا يتبدد”.
ويعدد، من جهته، أحمد حمداني رئيس القسم السياسي لجريدة “الخبر”، في حديثه مع “القدس العربي”، الأسباب التي يراها وراء عدم توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، وتتعلق حسبه “بحملة المقاطعة من شخصيات ونخب ارتفعت أسهمها طيلة سنتين من المسيرات الشعبية وكان لموقفها دور في تحييد جزء من الكتلة الناخبة”. ومعطى آخر متعلق بكثرة قوائم المستقلين التي “أدت إلى تعويم هذه التشريعيات وتسببت في تشتيت وتفتيت الوعاء الانتخابي وما صاحبها من خصومات داخل قوائم المستقلين، الأمر الذي دفع الكثير منه إلى الانسحاب من الحملة وبالتالي انعكس على عملية الحشد والتعبئة وفقدان كتلة هامة من الوعاء الانتخابي”.
كما وقف حمداني عند الأسباب الاقتصادية في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد والتي زادت من تعقيدها جائحة كورونا وما خلفته من خسائر في مجال الوظائف، وبالتالي لا يرى المواطن في البرلماني “مخرجا له من أزماته اليومية بقدر ما يراه شخصا سيكون منتفعا من مزايا الراتب والمركز الاجتماعي والنفوذ”.
الأحزاب الجديدة والقوائم الحرة .. أخطاء في الحسابات
وفيما يتعلق بالنتائج التي حصلت عليها القوائم المستقلة، يرى أحمد حمداني أن النخب والكفاءات “أفرطت في ثقتها بمحيطها الاجتماعي من جهة، وأساءت تقدير حجمها الحقيقي مقارنة بأحزاب كبيرة ومتجذرة وتملك وسائل التأثير الميداني الفعلي، دون أن ننسى أن القوائم الحرة شكلتها وجوه أقصيت من الترشح في التشكيلات السياسية الكبرى ولا تملك الحاضنة الشعبية.. وأيضا المستقلون مثلتهم نخب تركت وحيدة تصارع اختلال موازين القوى الفعلية أمام الصندوق و يقصد بها الطرق الأخلاقية وغير الأخلاقية”.
ويرجع الدكتور بوقعدة عدم إحداث الأحزاب الجديدة المفاجئة المتوقعة “إلى أن فشلها في استقطاب أصوات الناخبين راجع إلى ضيق الوقت، فلا يمكن لحزب ليس لديه تقاليد في تنظيم الانتخابات أن يضع قوائم تستوفي الشروط التي تغري الناخب الجزائري”، كما أن هذه الأحزاب تراعي وفقه “التوزيع الجغرافي في الدائرة الانتخابية، ولم تراع الاعتبارات العروشية ولا القبلية في وضع قوائمها، وحاولت أن تضع معطى واحدا ووحيدا وهو معطى الكفاءة، في حين الجزائريون بعيدون عن هكذا مقاربات من أجل استقطاب الناخبين”.
أما بخصوص التوقعات حول تشكيل الحكومة المقبلة انطلاقا من الأغلبية التي ستكون برلمانية أو رئاسية، لأن أصحاب الأغلبية هم من يفصلون في هوية من يقود الحكومة، حسب ما تنص عليه المادة 103 من الدستور، والتي تشير إلى أنه في حال كانت الأغلبية تتبع الرئيس، يعين الأخير الوزير الأول ويتبع برنامجه، أما في حال كانت الأغلبية للمعارضة فهي من تشكل الحكومة وتختار رئيس الحكومة. ويتوقع الدكتور بوقعدة “أن التحالف الوحيد الذي يمكن القيام به هو التحالف مع رئيس الجمهورية، أي أغلبية رئاسية، وهذه عادة في العمل السياسي الجزائري، حيث أن السلطة التنفيذية هي من تقود المشهد السياسي. من جهة أخرى فإن هذه الأحزاب لا تعامل بتشكيل التحالفات لتشكل حكومة غير مستعدة لتشكيل حكومة” في مثل هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ويتقاسم رئيس القسم السياسي لجريدة “الخبر” الرأي مع توفيق بوقعدة بخصوص شكل الحكومة المقبلة بالتأكيد على أنه سيكون “هناك مجلسا مشكلا من تحالف رئاسي جديد بزعامة حزب جبهة التحرير الوطني وحزب جبهة المستقبل والتجمع الوطني الديمقراطي بالنظر إلى إشارات تضمنتها خطابات زعماء تلك الأحزاب في أواخر الحملة الانتخابية تعلن دعمها لبرنامج الرئيس عبد المجيد تبون، مع إمكانية ضم مجموعات من المستقلين (القوائم الحرة) التي ستعمل على افتكاك حقائب وزارية”.
المصدر: “القدس العربي”