ما يزال الوضع السوري يلفه الغموض في غياب التسوية السياسية استنادا إلى القرارات الأممية وأبرزها القرار 2254، الذي يفترض أن يضع حدا للصراع المستمر خاصة مع تمسك مختلف الأطراف المتحاربة بمنطق السلاح وعدم التوافق حول الجلوس لإيجاد أرضية مشتركة لحلول تفاوضية تنهي المأساة المستمرة منذ عشر سنوات.
ويرى أحمد مظهر سعدو، المعارض السوري والصحافي، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان أن من المفترض من قوى المعارضة أن تعمل جديًا على بناء العقد الاجتماعي السوري الوطني، بعيدا عن منطق الاقصاء والتهميش واللعب على الاثنيات حتى يتسنى بناء الدولة الحديثة الديمقراطية التي يطمح إليها السوريون وتضمن الحقوق والحريات والتعددية.
س-تستمر إيران في التمدّد على حساب السيادة السورية، كيف يمكن اليوم التصدّي لأطماعها الواضحة في سورية؟
ج- لا شك في أن الأطماع الإيرانية في سورية كبيرة، وهي التي لطالما حلمت بالوصول إلى دمشق والهيمنة على الأوضاع السورية تحقيقًا لمشروع الخميني ذي النزعة الرامية إلى إعادة قيام الإمبراطورية الفارسية التي تركب اليوم على الدين بلبوس التشيع الصفوي السياسي، وهي بالأساس أبعد ما تكون عن القيم الدينية المثلى بقضها وقضيضها.
-وحين تدّعي أنها تخوض الصراع مع “إسرائيل” فإنها تحاول أن تقف (شكليًا) في صفٍ شعبي كبير في المنطقة يريد عودة القدس المحتلة، لكن واقع السياسة الإيرانية أنها براغماتية نفعية وغير مبدئية، ولا تشكل الجولان ولا فلسطين بالنسبة لها، إلا جسرًا للعبور نحو الغايات المصلحية الأخرى، ولا ننسى في هذا السياق فضيحة “إيران غيت” سابقًا أيام الحرب الإيرانية العراقية/ حرب الثماني سنوات.
س-أثارت مشاركة وفد يمثل وزارة داخلية النظام السوري، مؤخرًا، في الدورة الـ89 لاجتماع الجمعية العمومية للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) ضجة وأظهرت مخاوف حقيقية لدى المعارضة في الخارج -من تعاون بين الأسد وهذه المنظمة- في تلفيق التهم أو إصدار “إخطارات حمراء” لتسليمهم إلى النظام(تهم جنائية).. هل تقدر منظمة الانتربول على القيام بذلك قانونيًا وإنسانيًا؟
ج- لا أعتقد أن الشرطة الجنائية الدولية بوارد الاعتماد على طلبات من نظام وهو الذي قتل من شعبه ما يزيد عن مليون شخص وهجَّر قسريًا أكثر من 14 مليون بين نازح ولاجئ، ونحن جميعًا ندرك أن النظام السوري مازال هو المعترف بوجوده رسميًا على الأقل، لكن أن تلبي طلباته بعض الدول، أو يمكن أن يشكل ذلك خوفًا على بعض شخصيات المعارضة، فأنا لا أرى ذلك، على الأقل في المنظور القريب، بينما ما برح سوط قانون قيصر مسلطًا على النظام السوري وكل المتعاونين معه.
س-وضع إنساني في أسوأ مستوياته بمختلف المناطق السورية.. كيف يمكن إيصال المساعدات إلى مستحقيها قبل أن تستولى عليها الشبيحة والمرتزقة وتباع في السوق السوداء؟
ج- بالطبع تابعنا استمرار اللعب على هذا الوتر من قبل الروس، ومن ثم فإن التمديد لمعبر واحد في الشمال نحو تركيا قد جاء عبر التفاهم الأمريكي الروسي، بينما مازالت روسيا تصر على أن تكون المساعدات عبر معابر النظام السوري فقط، وأعتقد أن كل الدول الإقليمية وغير الاقليمية، لن تقبل بأن تبقى المساعدات الإنسانية تمر عبر منافذ النظام وشبيحته، حيث يُدرك الجميع واقع العسف والتغول الكبير الذي تمارسه أدوات النظام وشبيحته، خاصة عندما تكون المساعدات ذاهبة إلى الشمال السوري، حيث يرى النظام السوري أن من يسكن في الشمال هم جزء من المعارضة، وأكثر من ذلك يصنفهم بالإرهابيين.. لذلك لايمكن الاعتماد على معابر النظام مطلقا.
س-إذا كانت شعوب العالم في مجملها تشكو من خروقات عديدة في مجال حقوق الإنسان، فماهي الصورة التي ترسمها لحقوق الإنسان في بلد كسورية يعيش حالة حرب وتنتشر فيه كل أشكال المظالم والإرهاب؟
ج-لعل هذا النظام وقبل حربه الممنهجة على الشعب السوري، قد عمل على إعادة إنتاج الدولة الأمنية، بل العصابة الأمنية، وهو الذي ألغى السياسة من المجتمع السوري منذ أيام حافظ الأسد، وزج بكل من يعارضه أو لديه شبهة المعارضة في غياهب السجون والمعتقلات، حتى بات للحيطان آذان كما يقول السوريون، وتم تعميم ثقافة الخوف على كل المجتمع السوري، وأضحت حيوات الناس السوريين يملؤها الخوف والرعب، ومن يدخل المعتقل من النادر أن يخرج منه حيًا، ويشهد سِجنَا تدمر والمزة كمعتقلات شهيرة على ذلك. ثم كانت ثورة الشعب السوري عام 2011 فجاءت أدوات القمع والاعتقال الأسدي لتلغي الناس جسدًا وروحًا، ليتجاوز عدد المعتقلين خلال الثورة 900 ألف شخص، لا يدري أي سوري أنهم سيخرجون أحياءً يومًا ما. وكلنا نعرف (المسلخ البشري) في صيدنايا ومعتقلات الأفرع الأمنية الأخرى التي ملأت كل دمشق ومحافظات سورية، حيث لا حقوق إنسان في ظل دولة البعث ومزرعة الأسد، ولا قيمة للمرء أبدًا أمام سطوة الجلاد والسجان الأمني والمخابراتي.
س-يفتك العنف بالنساء السوريات في واقع الحرب والصراع المسلح، تلك الانتهاكات المستمرة لحقوق المرأة في سورية جعلتها غاية في الهشاشة والضعف، وفقدت مختلف أشكال الحماية القانونية والحقوقية.. كيف يمكن حماية المرأة السورية وردّ الاعتبار إليها؟
ج- بكل تأكيد لا يكفي لا 16 يومًا ولا 16 سنة كي نقف مع المرأة السورية التي وقع عليها الضيم ضعفين، ومورس بحقها كل أنواع الاعتقال والتعذيب والاعتداءات الجنسية، ولم يكن هذا النظام من يحترم إنسانية الإنسان ولا النساء، فكانت سياسة هدر المرأة وهدر الإنسان السوري كلية، سياسىة متبعة وممنهجة خلقت المزيد من حالات التفكك الأسري، وساهمت في إنتاج المجتمع المفكك، بسبب أن النظام السوري لا يحترم أي قيمة للمرأة ولا ينظر إليها بأي نظرة عاقلة، بل كانت وعلى طول المدى مهدورة ومنتهكة كما الرجل قبلها، علاوة على العقلية الذكورية المتأخرة بشكل عام.
س- -ماهي شروط التسوية لضمان الحلّ السلس في سورية، بعد فشل فرض القرارات الأممية (خاصة القرار2254) وعدم إيجاد آليات لتنفيذها مع تعنت النظام والمعارضة ؟
ج- المفترض بقوى الثورة والمعارضة وكل أنساق المجتمع السوري أن تعمل جديًا على بناء العقد الاجتماعي السوري الوطني، حيث يساهم الجميع في بنائه وإقامته ليستوعب كل الاثنيات وكل الطوائف، ويدرك الجميع أن هذا العقد هو ما يمكنه حماية المجتمع السوري من التفكك والتشظي الآيل إلى السقوط.
-لكن لو بقينا ننتظر الخارج ونضع كل البيض في سلة الخارج، فإن هذا الأخير لن ينتج إلا ما يفيد مصالحه فقط، وسيكون آخر همه إعادة اللحمة الوطنية السوريين أو بناء الحل السياسي المرتكز على القرارات الأممية ذات الصلة، وقد انتظر الشعب السوري ماينوف عن عشر سنوات خلت دون أن يؤتي الحل الخارجي أي أُكلٍ حقيقي في الولوج ضمن الحل السياسي.
أخيرًا-تحركات تقودها الدبلوماسية الجزائرية لإشراك سورية في القمة المرتقبة.. هل يمكن أن يتم ذلك، وهل يكون ذلك بداية التطبيع الحقيقي لإعادة إنتاج النظام؟
ج- تحاول السياسة الخارجية الجزائرية الاشتغال بشكل حثيث على الدفع قدمًا نحو إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وقد يكون أحد أسباب تأجيل مؤتمر القمة إلى شهر آذار/ مارس المقبل هو الإصرار الجزائري على عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية، في حين هناك مؤشرات على أن الأمريكيين والأوربيين غير موافقين على إعادة تعويم الأسد قبل الولوج في حيز الانتقال السياسي، ولن يكون بإمكان الجزائر الرسمية مع بعض الدول العربية إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، إلا إذا حصل تغيير ما في السياسة الأمريكية والأوروبية تجاه هذه المسألة، وأنا لا أرى أن ذلك سيكون قاب قوسين أو أدنى، ولا يمكن إعطاء هدية بلا مقابل للوجود الروسي في سورية، وهو الذي يصر على أهمية إعادة الإعمار المرفوضة أمريكيًا وأوروبيا.
المصدر: المرصد السوري لحقوق الانسان