عندما مرَّتْ التظاهرةُ أمامَ مقهى السقا في حمص، ركضَ تلميذٌ إلى طاولةٍ؛ طلبًا لكأسِ ماء، فقدمَها له رجلٌ بشاربين أسودين، وسألَه: – لمَ تتظاهرون اليومَ يا ولدي، فحدَّثه الفتى؛ متعثرًا لاهثاَ، بما حدثَ، فقال: – برحمةِ أخي سعيد سيدفعُ هذا المتصرفُ وأسيادُه الثمن. في تلكَ اللحظةِ كانَ عاملُ المقهى يدورُ بسطلِ النارِ بينَ الطاولاتِ، فسمعَ عبارةَ الرجلِ، فاقتربَ منه هامسًا: – أنا في خدمتِكَ يا خيرو الشهلة؛ فنظرَ في وجهه وخاطبَه: – لكنكَ تترددُ إلى بوليسِهم السري أنت مخبر للفرنسيين؟ فاغرورقَتْ عينا (أبو نارة) بالدمعِ. – اسمح لي يا سيدي أن أتوبَ على يديكَ، وأغسلَ روحي، وأتخلصَ من أقذاري، لقدْ هجرني النومُ منذُ معركةِ خربةِ غازي واستشهادِ أخيكَ، فأنينُ من وشيتُ بهم يصمُّ أذنيَّ ويطاردُني، ونظراتُ الاحتقارِ تنهشُ جسدي، وقدْ سكنتْ في عيونِ أطفالي، وتصرخُ أمُّهم في وجهي: – إن رائحةَ الخيانةِ تفوحُ منك. بشرفي وبهذا الشاربِ لن أخذلَك. – ماذا تستطيعُ أن تفعل؟ – متى جئتَ إلى هذا المقهى، ستجدُ الطريقَ إلى نجاتِكَ، فأنا أرى المتصرفَ يمرُّ يوميًا أمامَ المقهى؛ عائدًا إلى البيتِ الذي يقيمُ فيه. بعدَ ظهرِ اليومِ الثاني، تقدمتْ سيارةُ المتصرفِ تتهادى كعادتِها من السرايا إلى ساحةِ الشهداء، يواكبُها بعضُ الجنود، وما كادتْ تصلُ إلى مقهى السقا؛ حتى انقضَّ باشقِ ملثمٌ، وأطلقَ طلقتين في رأسِ المتصرفِ أمامَ ذهولِ مرافقيه، فهبَّ روادُ المقهى، وأعاقوا بأجسادهِم وبالكراسي والطاولاتِ الجنودَ الفرنسيين، وكانَ أبو نارة في صدرِ المقهى، قد أزاحَ الخزانةَ الخشبيةَ عن بابٍ يفضي إلى خانٍ خلفَها، ثم أعادَها بعدَ مرورِ الفتى الملثم. دوَّى في سورية خبرُ اغتيالِ المتصرفِ في حمصَ، فأججَ ثوارُها مواجهاتِهم لجنودِ المحتلِ.