ورثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جيشاً أميركياً يمر بمنعطف خطير، إذ تشير تقارير عسكرية في شأن المناورات التي يجريها البنتاغون إلى شكوك حول قدرة الجيش الأميركي على ردع هجوم صيني وهزيمته في المستقبل. ما أثار دعوات متزايدة في واشنطن إلى ضرورة اتخاذ وزارة الدفاع الأميركية خطوات أكبر وأكثر جرأة للحفاظ على التفوق العسكري والتكنولوجي للولايات المتحدة على منافسيها من القوى العظمى، عبر تحديث أساليب قتال الجيش وخطط التدريب والعمليات وتطوير استراتيجيته وأسلحته الإلكترونية. بينما علت أصوات محذرة من أن غياب هذا التغيير، سيجعل الجيش الأميركي يخاطر بتفوقه الحالي في غضون عقد واحد من الزمن، مع تداعيات عميقة ومقلقة على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها بل على العالم.
عودة المنافسة
على مدى عقد، اعتبر مسؤولو الدفاع الأميركيون أن عودة المنافسة بين القوى العظمى هي التحدي الأكبر للأمن القومي للولايات المتحدة. وفي عام 2012، أثناء إدارة باراك أوباما، أعلنت وزارة الدفاع، أن القوات الأميركية لن تكون بالحجم الذي يسمح بتنفيذ عمليات مستقرة واسعة النطاق وطويلة الأمد مثل تلك الموجودة في أفغانستان والعراق. ما اعتبر ابتعاداً حاداً عن الاستراتيجية التي تبنتها وزارة الدفاع الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وفي عام 2016، سلط وزير الدفاع أشتون كارتر الضوء على عودة المنافسة بين القوى العظمى قبل عامين من بلورة هذا التحول في استراتيجية الدفاع الوطني لإدارة دونالد ترمب عام 2018، عبر التأكيد على أن المنافسة الاستراتيجية بين الدول وليس مكافحة الإرهاب، هي الآن الشغل الشاغل للأمن القومي للولايات المتحدة، مع التركيز على الصين باعتبارها تهديداً مُلحاً.
مع ذلك، فإن اعتراف الإدارات الأميركية المتعاقبة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بهذا التحدي، لم يغير سوى القليل داخل الجيش الأميركي من أجل الاستعداد لمواجهته. فعلى الرغم من أن التغيير المطلوب إحداثه على المستوى الاستراتيجي يناقش على أعلى المستويات حالياً، إلا أن الطريقة التي يعمل بها البنتاغون لا تزال تقليدية ولا تتجاوز إطار العمل المعتاد. وهو أمر غير كاف لمواجهة التهديدات المتزايدة التي تشكلها الصين الصاعدة وروسيا التي تعيد مراجعة وتطوير نفسها عسكرياً.
ويتجلى هذا الانفصال بين القيادة العسكرية والواقع في كل شيء تقريباً، بدءاً من المحاولات المستمرة لإعادة تشكيل مفاهيم العمليات العسكرية، أي كيف سيقاتل الجيش في المستقبل، إلى التدريب واكتساب التكنولوجيا واختيار القيادات والكوادر الموهوبة، فضلاً عن وضع القوات الأميركية في الخارج. وعلى الرغم من بعض الخطوات المهمة التي اتخذت للتطوير والتحديث الدفاعي، إلا أن الجمود البيروقراطي حال دون تبني تحديث القدرات العسكرية بالسرعة المطلوبة وعلى نطاق واسع كما كان مفترضاً.
ولتجنب فشل الجيش الأميركي في ردع أي اعتداء صيني في المستقبل، سيتطلب الأمر إحداث إصلاحات جوهرية في الكيفية التي يعمل بها البنتاغون، وإن كان تغيير الثقافة التنظيمية التي تعمل بها مؤسسات ضخمة مثل البنتاغون أصعب بكثير من إخضاع استراتيجية الدفاع للمراجعة، لأنها تستلزم رؤية واضحة ومقنعة، وتتطلب أيضاً إعادة تنظيم وضبط إجراءات الحوافز والمساءلة بشكل أكبر. ومن دون نجاح هذه الإصلاحات ستفشل الاستراتيجية حتماً.
أربع سنوات حاسمة
وحسبما يرى خبراء دفاع ومنهم ميشيل فلورنوي وكيلة وزارة الدفاع الأميركية السابقة، يجب على الجيش الأميركي إعادة وضع تصوراته حول كيف يقاتل، كما عليه إنفاق مزيد من الأموال بطريقة ذكية لتطوير قدراته التكنولوجية والعملياتية، وإعطاء الأولوية للاستثمارات التي تضمن استمرار تفوقه العسكري، لأن الوقت لم يعد يعمل لمصلحة الولايات المتحدة في هذه المنافسة. بالتالي، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر مما هي عليه الآن.
ولهذا السبب ستحدد تصرفات وزارة الدفاع أو تقاعسها خلال السنوات الأربع الحاسمة المقبلة، إذا ما كانت الولايات المتحدة قادرة على الدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها ضد تهديدات القوى العظمى على مدى العقود الأربعة المقبلة.
حروب المستقبل
لم تترك الحروب التي تدور رحاها منذ نحو 20 عاماً وحتى الوقت الحاضر سوى القليل من قدرة الجيش الأميركي على الاستعداد لحروب المستقبل، ففي السنوات التي أعقبت 11 سبتمبر 2001، كانت أولويات القوات المسلحة الأميركية موجهة نحو عمليات مكافحة الإرهاب ضد القاعدة والجماعات التابعة لها في جميع أنحاء العالم، وخصوصاً في أفغانستان وباكستان. واستمر ذلك بعد غزو العراق عام 2003، إذ استهلكت العمليات العسكرية هناك مزيداً من طاقة القوات الأميركية ووزارة الدفاع.
لكن، بحلول 2012، وبدافع قوي يتعلق بسلوك الصين وقدراتها العسكرية الجديدة، بدأت مجموعة من خبراء الدفاع في دق ناقوس الخطر بأن هناك تحديات أكبر تلوح في الأفق، وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية جديدة لمواجهتها بعدما تبين أن الجيش الصيني بدأ يستخدم تقنيات الحرب الأميركية، بل وزاد عليها تطوير مجموعة أساليب حديثة لتقويض نقاط القوة العسكرية الأميركية واستغلال نقاط الضعف فيها، بما في ذلك تقنيات وقدرات منع العدو من الوصول إلى ساحة المعركة المعروفة في العلوم العسكرية باسم (إيه 2/ إيه دي) التي تتمثل في قدرات جديدة من الأسلحة الإلكترونية والسيبرانية والدفاعات الجوية وترسانة من الصواريخ الدقيقة مثل الأسلحة المضادة للسفن، وفي الحالة الصينية فإنها تستهدف تعطيل شبكات القيادة والسيطرة الأميركية وتدميرها وإضعاف القوة البحرية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ.
ونتيجة لذلك، لم يعد في إمكان القوات المسلحة الأميركية افتراض أنها ما زالت تستطيع التصرف بحرية في نزاع كانت في الماضي تتمتع بميزة التفوق المبكر على الصين في المجالات الجوية والبحرية والفضائية والحروب السيبرانية، ولهذا ستحتاج القوات الأميركية في أي صراع مستقبلي، إلى بذل كل جهد ممكن من أجل التفوق في هذه المجالات، مع مواصلة العمل للحفاظ على التفوق في مواجهة الجهود الصينية المستمرة لتعطيل شبكات إدارة المعارك الأميركية وتقويضها.
تحول ضروري
يتمثل أحد التحولات الضرورية في مكان نشر القوات العسكرية الأميركية، حيث يتجه التركيز إلى خفض عدد القوات المنتشرة في مناطق في الشرق الأوسط مثل أفغانستان والعراق التي تشكل ثلث القوات الأميركية المنتشرة خارج الولايات المتحدة، ونقل جزء منها إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ وذلك ضمن سياسة المراجعة الجارية لوضع القوة الأميركية العالمية، التي بدأت في وقت سابق من هذا العام بتوجيه من الرئيس بايدن، وأعطت أولوية أكبر لردع الصين.
ولكن، لتحقيق النجاح في هذه الاستراتيجية، يرى خبراء في مجال الدفاع ضرورة أن يقترن هذا التحول بأكثر من تغيير على الساحة العالمية، إذ يتطلب إعادة تنظيم واسعة للمفاهيم والثقافة وبرامج الخدمة العسكرية والميزانيات. ويعتبرون أنه من دون ذلك سيكون هناك تآكل تدريجي للتفوق العسكري الأميركي في مواجهة المنافسة من القوى العظمى الأخرى، بالتالي لن تكون الولايات المتحدة واثقة من قدرتها على ردع العدوان الصيني أو حماية مصالحها ومصالح حلفائها في آسيا. وإذا ما اندلع صراع، فإن الولايات المتحدة ستدفع ثمناً أعلى بكثير من الدم والأموال.
مشكلات تحفيز الابتكار
أحرز البنتاغون بعض التقدم في تحفيز الابتكار، إذ تمكن عدد من المنظمات الجديدة داخل وزارة الدفاع من استكشاف ودراسة المشهد التكنولوجي، وتحديد الحلول الواعدة للمشكلات ذات الأولوية، والإسراع في إنتاج نماذج أولية لقدرات تكنولوجية جديدة، من خلال الدخول في شراكة بين وحدة الابتكار في البنتاغون مع شركات التكنولوجيا التجارية في وادي السيلكون وأماكن أخرى. وهو ما فعلته القوات الجوية الأميركية وقيادة العمليات الخاصة في تسريع تبني التقنيات التجارية المستحدثة في المهمات والعمليات العسكرية.
مع ذلك، فإن القليل من هذه الجهود كان قادراً على تجاوز الفجوة بين تطوير نموذج أولي ناجح، والقدرة على إنتاج نظام وتطبيقه على نطاق واسع.
وفي السنوات القليلة الماضية، بدأت هيئة الأركان العسكرية الأميركية المشتركة تطوير وتجربة مفاهيم جديدة للعمليات العسكرية التي تستهدف التعامل مع القوى العظمى المنافسة. وتتضمن هذه الجهود أساليب مستحدثة للتفوق في الحصول على المعلومات، وتنسيق الضربات بعيدة المدى، وتوفير الدعم اللوجستي لقوات منتشرة جغرافياً في أراض متنازع عليها في ساحة المعركة. مع ذلك، تبدو هذه الخطوات في مراحل أولية. ما يستلزم من وزارة الدفاع ابتكار مفاهيم وقدرات جديدة بسرعة وعلى نطاق واسع، من أجل ردع القوى العظمى المنافسة.
أهمية الردع
وعندما ينظر المسؤولون أو الاستراتيجيون الصينيون إلى الجيش الأميركي حالياً، فإنهم يرون أنظمتة الرئيسة معرضة للهجوم مثل أنظمة اكتشاف التهديدات، ووسائل التواصل والنقل البحري، واستهداف قوات العدو، كما ستكون القوات الأميركية في وضع غير موات كماً ونوعاً في مواجهة توسع القوات العسكرية الصينية في شرق آسيا والاستثمار الصيني في القدرات المصممة لمنع الجيش الأميركي من الاقتراب من شواطئ الصين. وإذا اعتقدت بكين أن في إمكانها إفشال رد عسكري أميركي فعال، فقد تميل إلى استخدام القوة ضد تايوان أو الاستيلاء على أراض أخرى متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وهو ما ينذر بأزمة يمكن أن تتصاعد بسرعة إلى صراع عسكري بين قوتين مسلحتين نووياً. ولهذا، يرى الاستراتيجيون الأميركيون أنه من الضروري التأكد من أن العمل العسكري الصيني سيكون غير ناجح ومكلف، وأن القادة الصينيين مقتنعون بهذه الحقيقة.
مقاومة التغيير
من المعروف أن إحداث تغيير في المنظمات البيروقراطية الكبيرة أمر صعب، ولكن في البنتاغون قد يبدو الأمر أشبه بالمستحيل، بسبب استمرار الثقافة البيروقراطية السائدة التي تحاول تجنب المخاطر وتخشى من ارتكاب الأخطاء، وتتمسك بالطرق التقليدية الحالية في إدارة أعمالها، بينما يواجه كبار المسؤولين في البنتاغون مجموعة متنوعة من التحديات المُلحة، من الإشراف على عمليات مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى التعامل مع الاعتداءات الجنسية في القوات المسلحة، والجماعات اليمينية المتطرفة التي تجند أفراد الجيش.
علاوة على ذلك، تتغير مناصب ومواقع كبار قادة وزارة الدفاع بشكل عام كل سنتين إلى ثلاث سنوات. ما يجعل من الصعب عليهم دفع قوة عاملة تضم أكثر من 730 ألف مدني و1.3 مليون رجل وامرأة في الخدمة العسكرية لتبني سلوكيات جديدة ومحاسبتهم على النتائج. وفي كثير من الأحيان، تركت وزارة الدفاع الباب الخلفي مفتوحاً على مصراعيه للذين يريدون معارضة الإصلاح.
كيف يحدث التغيير؟
وللتغلب على هذا الجمود، ينصح خبراء استراتيجيون في مجلة “فورين أفييرز”، القيادة الجديدة للبنتاغون بأن تفعل أكثر من مجرد جعل المنافسة بين القوى العظمى، أولوية قصوى في استراتيجية الدفاع الوطني الأولى لإدارة بايدن، التي من المرجح أن يتم إصدارها في وقت لاحق من هذا العام أو أوائل العام المقبل.
ويجب أن تكون الخطوة الأولى هي تطوير مفاهيم جديدة للعمليات العسكرية لردع عدوان القوى العظمى ودحرها في بيئات أكثر تنازعاً وفتكاً، وهي مهمة لا تقل أهمية عن مهمة تزويد القوات الأميركية بقدرات جديدة، إذ يشير التاريخ إلى أن المفاهيم الجديدة يمكن أن تكون أقوى من التقنيات الجديدة وحدها. فعلى سبيل المثال، استخدمت بريطانيا الدبابات للمرة الأولى خلال الحرب العالمية الأولى، إلا أنها لم تكن ذات تأثير كبير ولم تغير مجرى الحرب، ولكنها كانت فعالة في الحرب العالمية الثانية، عندما استخدمها الألمان بمفهوم الحرب الخاطفة، عبر استخدام الدبابات مع أفراد المشاة الميكانيكية والدعم الجوي القريب فاخترقوا خطوط الحلفاء.
إصلاح طريقة القتال
وسيتطلب الإصلاح الأساسي لطريقة قتال القوات الأميركية تحولاً شاملاً في العقلية، فقد اعتادت القوات المسلحة الأميركية أن تكون لها اليد العليا في أي مواجهة عسكرية تقليدية، وتتوقع أن تكون قادرة على تحقيق التفوق بسرعة، سواء كان ذلك في الجو أو البر أو البحر. مع ذلك، من غير المرجح في المستقبل القريب، أن تكون هذه هي الحال عندما تواجه الولايات المتحدة قوة عظمى أخرى، فقد أنفقت كل من بكين وموسكو في الأسلحة السيبرانية والإلكترونية المصممة لتعطيل قدرة القوات الأميركية على الانتشار والتنقل والتواصل والضرب، إضافة إلى إنشاء طبقات متعددة من الدفاعات لإسقاط الطائرات وإغراق السفن الأميركية قبل أن تدخل في نطاق أهداف الطائرات والسفن الأميركية.
وفي ظل هذه القدرات الجديدة، يتطلب الأمر من المخططين والقادة الأميركيين التفكير في كيفية تعطيل مزايا الخصم، بما في ذلك احتمال أن تكون القوات الأميركية أقل عدداً من العدو وتتعرض لهجوم مستمر في أي صراع، وبدلاً من الثقة في قدرتها على تدمير دفاعات العدو مقدماً ثم العمل على الإفلات من الرد، يجب أن تتوقع القوات الأميركية البقاء تحت الهجوم طوال عملياتها.
تخطيط الحرب الأميركية
وفي حين سيطرت على تخطيط الحرب الأميركية لفترات طويلة فكرة أن الجانب الذي يتسبب في خسائر أكبر في الأفراد والعتاد للخصم سيسود وتكون له الغلبة، انتهت مفاهيم الحرب الأميركية التي تعتمد حروب الاستنزاف، وبدلاً من ذلك ينبغي التحول في التخطيط إلى مناهج أكثر إبداعاً لردع الخصم، من خلال تعطيل قدرته على رؤية القوات الأميركية واستهدافها، عبر استخدام الهجمات السيبرانية والحرب الإلكترونية، مثل التشويش على الإشارات وإطلاق أسراب من طائرات الدرون للتشويش على أنظمة المراقبة والاستهداف الخاصة بالخصم.
وفي حين تعمل جميع الخدمات العسكرية وهيئة الأركان المشتركة على تطوير طرق جديدة للقتال، إلا أن هذه المفاهيم لا تزال في الغالب في مرحلة أولية، بينما يجب على وزارة الدفاع والقادة العسكريين تخصيص قدر أكبر من الموارد المالية والفكرية لتسريع تطوير واختبار مفاهيم جديدة للردع وكيفية إدارة العمليات العسكرية.
ولكي تتوافر مفاهيم جديدة، يحتاج الابتكار في المفاهيم إلى أربعة مكونات رئيسة، أولها أن يكون هناك تفويض من القيادات للانفصال عن العقيدة الحالية، وثانيها توافر منافسة حقيقية للأفكار، وثالثها إرساء نهج يشارك فيه أكبر عدد ممكن من ألمع الشخصيات ذوي الخبرة، وأخيراً السماح بأن تأتي أفضل الأفكار من المشاركين الأصغر سناً.
الاستثمار في التدريب
يعد الاستثمار في التدريب ضرورياً، فعلى سبيل المثال ينبغي أن يكون هناك دور مختلف لقوات النخبة الخاصة البحرية (سيلز)، وهي صفوة القوات الخاصة الأميركية، التي استخدمت منذ 11 سبتمبر بكثافة في عمليات مكافحة الإرهاب، إذ ينبغي في المستقبل أن تركز بشكل أكبر على العمليات البحرية والسرية، التي ستكون حاسمة لردع الصين في المحيطين الهندي والهادئ، وسيتطلب إجراء هذا التحول استثمارات ليس في تزويد القوة بقدرات جديدة ومتطورة فحسب، وإنما أيضاً في منحهم الوقت والمساحة لإعادة توجيه تدريبهم وتطويرهم.
ويجب أيضاً منح القادة خيارات جديدة لتحديد طرق مستحدثة لاستخدام القدرات الأميركية الحالية في تعزيز الردع ضد الصين وروسيا سواء كان ذلك بوضع ذخائر طويلة المدى مضادة للسفن تابعة للبحرية الأميركية على قاذفات سلاح الجو الأميركي، أو تمكين المقاتلات الأميركية من نشر مئات من طائرات الدرون الصغيرة جداً لإجراء عمليات المراقبة أو لتشتيت وإرباك الدفاعات الجوية للعدو.
خيارات صعبة
وفي ظل التغير الواسع في الأولويات والقيود على ميزانية البنتاغون في أعقاب وباء كورونا، سيتعين على قيادة البنتاغون إعادة التفكير في الكيفية التي تقرر بها ما تشتريه. الأمر الذي سيتطلب خيارات صعبة وإنفاقاً أكثر ذكاءً، إذ تتعرض وزارة الدفاع لانتقادات لأنها تستثمر كثيراُ في أنظمة الأسلحة القديمة المدرجة بالفعل في الميزانية، مثل الطائرات المقاتلة التكتيكية وسفن السطح البحرية الكبيرة على حساب التقنيات الجديدة التي ستحدد إذا ما كانت هذه المنصات قادرة على البقاء والنجاح في مستقبل مختلف أكثر تنازعاً.
لهذا، يطالب كثير من خبراء الاستراتيجية العسكرية بتغيير النهج الأساسي للبنتاغون، باعتماد استراتيجية لتحديد مزيج القدرات التي من شأنها أن تنتج أفضل النتائج بتكلفة ومخاطر مقبولة، ومن شأن ذلك أن يسمح لصانعي القرار بإجراء مفاضلات مستنيرة بين أولويات المشتريات المتنافسة، وبناء على هذه الأولويات، يمكن للبنتاغون إرسال إشارات أوضح إلى شركات التصنيع الخاصة، من أجل تحفيز الاستثمارات في التقنيات الأكثر أهمية التي تحافظ على تفوق الجيش الأميركي، وخصوصاً بعدما تبين أن إنفاق البنتاغون في مجالات الذكاء الاصطناعي والأنظمة ذاتية القيادة ونظم الكومبيوتر المتقدمة، كانت غير متوقعة وغير متساوية. ما أعطى إشارات متعارضة لشركات الصناعة للاستثمار جنباً إلى جنب مع الحكومة في المجالات ذات الأولوية.
ولهذا، ينتظر كثيرون من وزير الدفاع الإعلان عن المناطق التي تعتزم وزارة الدفاع استثمار مليارات الدولارات في التقنيات الناشئة على مدى السنوات الخمس المقبلة في مجالات مثل القيادة والسيطرة وشبكات الاتصالات وأجهزة الكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التي ستمكن القوات الأميركية من مواصلة العمل بفعالية، حتى في مواجهة شن هجمات من العدو باستخدام الذكاء الاصطناعي، لمساعدة القيادات والمقاتلين في اتخاذ قرارات أفضل بشكل أسرع، أو لنشر أساطيل من الأنظمة المستقلة وتطوير حلول لوجيستية وتعزيز القدرات الإلكترونية لحماية الأسلحة القديمة في مواجهة قدرات الصين المتنامية.
المصدر: اندبندنت عربية