المشهد قاتم جداً للفلسطينيين، إنما ثمة أمور يمكنهم القيام بها لتحسين أوضاعهم.
انصبّ اهتمام العالم خلال الشهر المنصرم، بصورة شبه حصرية، على جائحة كوفيد-19 التي تنتشر في مختلف بقاع الأرض. لكن في خضم هذه الأزمة، استمر النشاط السياسي بوتيرة محمومة في إسرائيل التي أجرت، في غضون أسابيع قليلة، جولة أخرى من انتخابات الكنيست، وواجهت أزمة دستورية بشأن صلاحيات رئيس الكنيست، ومضت قدماً نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية مع الإبقاء على بنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء.
وفيما كان هذا كلّه يحدث، كان النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني يؤجّل جذرياً. فعلى غرار الحكومة الإسرائيلية، انشغلت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والإدارة التي تقودها حماس في غزة باحتواء انتشار الفيروس في مناطقهما. لكن في نهاية المطاف، ستتم السيطرة على الجائحة وتعود الحياة إلى مسار طبيعي جديد ما، وهذا يشمل في الشرق الأوسط النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي لاينتهي. ماذا يمكننا أن نتوقّع من الحكومة الإسرائيلية الجديدة عندما تُحوّل انتباهها إلى الفلسطينيين؟ وما الخيارات المتبقّية للفلسطينيين؟
كانت حكومة الوحدة الإسرائيلية الجديدة بمثابة مفاجأة إلى حد ما، على ضوء التعهّدات التي صدرت تكراراً عن بيني غانتس، زعيم تحالف أزرق أبيض، بأنه لن ينضم مطلقاً إلى حكومة يرأسها نتنياهو الذي يواجه محاكمة بتهم الفساد. وإزاء عجز غانتس عن تشكيل حكومة بمفرده، نحى جانباً التعهّد الذي كان قد أطلقه للناخبين، ووافق على حكومةٍ يتناوب فيها مع نتنياهو على موقع الرئاسة، على أن يتولّى نتنياهو رئاسة الحكومة أولاً، ثم نظرياً يحل غانتس مكانه بعد 18 شهراً. وقد أفضى ذلك إلى انقسام في حزب غانتس. وأظهر نتنياهو بوضوح مهاراته السياسية المتفوّقة مقارنةً مع المبتدئ غانتس، ما يثير شكوكاً جدّية بشأن ما إذا كان اتفاق حكومة الوحدة قادراً على الصمود، وما إذا كان التناوب على رئاستها سيحدث فعلاً.
ليس بقاء نتنياهو في منصبه لولاية جديدة أمراً جيداً للفلسطينيين، حتى لو استمرت هذه الولاية عاماً ونصف العام فقط. وفي حين أن تشكيل حكومة يمينية متطرّفة كان ليُعتبَر أسوأ بالنسبة إليهم، لا تنطوي حكومة الوحدة على تحسّن كبير، نظراً إلى أن آراء غانتس حول الشؤون الفلسطينية لا تختلف كثيراً عن آراء نتنياهو. وفي المسألة الأساسية المتعلقة بضم أراضٍ في الضفة الغربية، ولاسيما في غور الأردن، أبدى غانتس دعمه لهذا الضم، منبِّهاً إلى وجوب أن يتم ذلك “بالتنسيق مع المجتمع الدولي”. وسوف يسعى نتنياهو إلى إرساء توازن بين المطالب المتطرّفة الصادرة عن اليمين وبين المقاربة الأكثر تبايناً إلى حد ما التي ينتهجها غانتس.
إذا تمكّن رئيس الوزراء من المضي قدماً بعملية الضم، قد تكون النتيجة أسوأ مايمكن أن يحدث للفلسطينيين. إذ ستُسحَب أجزاء أساسية في الضفة الغربية عن طاولة المفاوضات، فيما ينشغل باقي العالم بمعالجة تداعيات جائحة كوفيد 19.
تعكس النظرة القاتمة حيال آفاق الفلسطينيين ضعف موقفهم إزاء الإسرائيليين وافتقارهم إلى استراتيجية فعّالة للتعامل مع الانجراف الإسرائيلي المستمر نحو اليمين ومع خطة السلام التي وضعها الرئيس دونالد ترامب للإسرائيليين والفلسطينيين. صحيح أن الفلسطينيين كانوا دائماً الفريق الأضعف في نزاعهم مع إسرائيل، لكن لم يسبق أن كانت علاقة القوة معاكسة لهم إلى هذه الدرجة. في الماضي، ساهمت الدول العربية والمجتمع الدولي في تدعيم موقف الفلسطينيين، وأرست توازناً معيّناً في العملية التفاوضية، لكن يبدو أن العالم فقدَ اهتمامه بهذه المسألة، خصوصاً في المرحلة الراهنة في ظل انتشار الجائحة العالمية وماينجم عنها من اضطرابات اقتصادية.
في مؤشّر لافت، عندما سعى الفلسطينيون إلى الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي يُدين خطة ترامب، لم يتمكّنوا حتى من حشد الأصوات التسعة الضرورية لدفع الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض.
كما لم يتمكّن الفلسطينيون أيضاً من تطوير استراتيجية واضحة وفعّالة للتعامل مع هذا الوضع الشديد الصعوبة. فقد لجأوا، رداً على الخطوات الأخيرة التي اتخذتها إدارة ترامب، إلى أساليبهم التقليدية، من خلال السعي إلى الحصول على الدعم من جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، وجهات أخرى في المجتمع الدولي. ولم يحققوا نتائج تُذكَر من هذا المجهود في ما خلا قرار شكلي صادر عن وزراء الخارجية في جامعة الدول العربية.
هدّد الفلسطينيون أيضاً بقطع جميع الروابط مع إسرائيل، بما في ذلك التعاون الأمني. لكنهم لم ينفّذوا تهديدهم، خوفاً من النتائج الحقيقية جداً التي يمكن أن تترتب عن الرد الإسرائيلي الذي قد يشمل التوقّف عن تحويل العائدات، أو شنّ الجيش الإسرائيلي عمليات توغّل أكثر هجومية في المناطق الفلسطينية. لقد أشارت السلطة الفلسطينية إلى أن قيام إسرائيل بضم أراضٍ في الضفة الغربية هو خط أحمر من شأنه أن يدفع بها إلى القطيعة مع إسرائيل. لكن سوف يواجه الفلسطينيون، في هذه الحالة، العقبات نفسها، وثمة شكوكٌ بشأن ما إذا كانوا سيتصرفون فعلاً حتى لو أقدمت إسرائيل على تلك الخطوة. الفلسطينيون عالقون بصورة أساسية في المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، فهم عاجزون عن التراجع، بيد أنهم محرومون أيضاً من أي فرصة واقعية للمضي قدماً.
في مثل هذا الوضع الصعب، ماهي الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين؟ إذا عادوا إلى الوراء – من خلال حل السلطة الفلسطينية و”إعادة المفاتيح” إلى الإسرائيليين – سيزيد ذلك من أعباء الاحتلال على كاهلهم، لابل إنه سيدمّر المنافع المحدودة التي حققوها من الحكم الذاتي. وليس المضي قدماً خياراً واقعياً أيضاً. إذ يتعذّر في هذه المرحلة السير باتجاه تطبيق حل الدولتين، ولن تسمح إسرائيل أبداً بإقامة دولة واحدة حيث يحصل الفلسطينيون على منزلة متساوية مع الإسرائيليين. إذن، لايبقى لهم سوى الوضع القائم.
لن يساهم العبث بالوضع القائم في تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية، إنما ثمة أمور يستطيع الفلسطينيون القيام بها من تلقاء أنفسهم بما يؤدّي إلى تحسين أوضاعهم، أوّلها وضع حد لانقسامهم إلى كيانَين سياسيين منفصلين في الضفة الغربية وغزة. فهذا الانقسام لايخدم مصالح الفلسطينيين، لابل يؤدّي إلى إضعاف مكانتهم تجاه إسرائيل. وفي حين قد يتعذّر معالجة مختلف جوانب الانقسام دفعةً واحدة، قد يكون ممكناً توحيد الجوانب غير الأمنية للحكومة الفلسطينية، وذلك يساهم في تحسين حياة الفلسطينيين العاديين، ولاسيما في غزة.
الخطوة الثانية التي يستطيع الفلسطينيون أن يقوموا بها من تلقاء أنفسهم هي تحسين مجمل نوعية الحوكمة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة على السواء. فمن شأن معالجة سوء الإدارة والفساد أن تقطع شوطاً طويلاً نحو تحسين أوضاع الفلسطينيين وزيادة الدعم الشعبي لمؤسسات الحكومة وقادتها. كما أن هذا المشروع سيجتذب دعم المانحين الدوليين، وقد يؤدّي إلى توفير موارد إضافية.
لايزال مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني قاتماً، لكن من الأجدى بالفلسطينيين أن يركّزوا الآن على مايمكنهم فعله من تلقاء أنفسهم لتحسين حياتهم، وتأجيل المشكلات التي يتعذّر عليهم حلّها إلى وقت لاحق.
المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط