اولا. ان المتتبع لمسار جبهة النصرة. بغض النظر عن تغيير أسمائها حسب المرحلة. سيجد أنها تنطلق من استراتيجية محددة وثابتة وتتحرك وفقها. بغض النظر عن التقية احيانا او الادعاء او التمظهر أو التخفي وراء ادعاء نصرة الشعب السوري. ومحاربتها للنظام المستبد المجرم… مع العلم ان كثير مما تدعيه حاصل فعلا. فهي تقاتل ولها جولات وإنجازات.؟!!.. ولكن كلها عاجزة عن تغطية استراتيجية النصرة التي علينا معرفتها. واتخاذ الموقف المناسب منها فكرا وسلوكا. من موقع مصلحة الشعب السوري وثورته…
ثانيا. تأخرت جبهة النصرة قليلا حتى تعلن انتسابها للقاعدة. وحصل ذلك عندما حصل الخلاف بين فرعي القاعدة أولها في العراق الذي انشق عن القاعدة. وشكل خلافته (الدولة الإسلامية) بقيادة البغدادي. والتي أصبحت تعرف بداعش. الخلاف الذي وصل لوسائل الإعلام. وكشف وفضح الكثير… وفرع القاعدة في سوريا ( جبهة النصرة). الذي اعلن انتسابه للقاعدة والتحاقه بها… ومباركة الظواهري للنصرة وتبنيها واعتمادها في بلاد الشام…
ثالثا. القاعدة التي تنتسب لها النصرة. ليست مجهولة عمرها عقود. ولها ممارسات عالمية. بدء من ولادتها و نشاطها في أفغانستان. وانتشارها في العالم كله. وعملياتها الارهابية وخاصة في أمريكا و مهاجمة برجي التجارة العالمي. التي ادت لاحتلال افغانستان واحتلال العراق. وادت الى انتشار القاعدة في العالم كله. ونشأت جبهة دولية تحت مسمى محاربة إرهاب القاعدة. في كل مكان وزمان ولا تزال الحرب مفتوحة دوليا للان وفي كل مكان…
رابعا. القاعدة تنطلق من موقف عقائدي يرى ضرورة العمل لإعادة بناء الخلافة الإسلامية. وبناء دولة الشريعة الإسلامية. بصفتها تكليف إلهي ملزم على كل المسلمين. وترى أن ما يمنع ذلك كل دول العالم وخاصة أمريكا وحلفائها الدوليين. لذلك تعتبر أن معركتها مع أميركا والغرب والانظمة الحاكمة في الدول الاسلاميه.معركة وجود أو عدم. وقررت أن عملياتها الإرهابية هي الوسيلة المتاحة. واعتمدت على الامتداد في المجتمعات الإسلامية لتنفيذ أجندتها عبر تجنيد الشباب. واستجابة الشباب إلى دعواها. وخاصة في بلاد الأزمات التي ترى بوعي سطحي. الدور الامريكي والغربي عموما في كل مآسي العالم الإسلامي. لذلك كانت الصومال وافغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وبعض الدول الافريقية. مجالا حيويا لنموها وامتدادها…
خامسا. عندما حضرت القاعدة (النصرة) الى سوريا. جاءت مستفيدة من ثورة الشعب السوري. الذي خرج يطالب بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وبناء الدولة الديمقراطية. في مواجهة النظام الاستبدادي السوري. هذا النظام الذي واجه الشعب السوري ومطالبه بالقوة والعنف والقتل والتشريد والتدمير. وتحولت الثورة السلمية إلى العنف المسلح. هنا كان المجال مناسبا لوجود النصرة وامتدادها. مستغلة الفراغ في القوة العسكرية المواجهة للنظام. ومستفيدة من دعم مباشر وغير مباشر من قوى دولية واقليمية تريد من مسرح الصراع في سوريا ان يصل لما وصل اليه…
سادسا. نعترف هنا أن أداء النصرة على المستوى العسكري كان متميزا. وأنها كانت تهرب من الجواب عن مستقبل نشاطها ووجودها في سوريا. خاصة في البدايات. فقد كانت تلح على مقولة إسقاط النظام اولا… لكنها بدأت تكشف استراتيجيتها في سوريا. خاصة بعد خلافها مع قاعدة العراق التي أصبحت داعش. واعلان انها فرع القاعدة في سوريا. والعمل على توصيف ما يحصل في سوريا بخلفية طائفية. وأنه صراع أهل السنة في مواجهة السلطة العلوية وامتدادها الشيعي المدعوم من حزب الله وايران والمرتزقة العراقيين والافغان. الخ. وبدؤوا يصفوا معاركهم بأنها معارك اهل الإسلام الحق (السنة) في مواجهة الرافضة والنصيرية (العلويون والشيعة) بصفتهم خارجين عن الاسلام الصحيح. وهم محاربين للإسلام ومحاربتهم واجبة…
نعترف مرة اخرى ان اداء النظام وحلفاؤه الطائفي اعطى لهذه الدعوى من النصرة قوة الحضور والمصداقية وساعدت على تشويه حقيقة الصراع في سوريا. في ذهن الكثير من الشباب السوري الذي التحق في صفوفها… اضافة لانها كانت تقدم للمنتسبين لها ما لا تستطيعه اغلب مجموعات الجيش الحر لأسباب كثيرة.. وهذا حديث آخر…
سابعا. كنا حذرين ومنذ البداية من الانجرار وراء الأداء الميداني للنصرة. أو اختفائها وراء أولوية إسقاط النظام. أو ضراوة الصراع على الأرض. للتورط بتبنيها من قبل ثوارنا في الجيش الحر. الذي اضطروا في كثير من مراحل الصراع مع النظام أن ينسقون معها ميدانيا ضد النظام ومواقعه. وكان لذلك التنسيق والعمل المشترك نتائج ميدانية ايجابية مثل تحرير إدلب وريفها.. كمثال… لكن ذلك لم يغطي المواقف الدولية التي أعادت تسمية القاعدة وداعش والنصرة. بصفتهم إرهابيين ومطلوب رأسهم. وكنا نحذر دوما ان النصرة امام منعطف خطير إما أن تعلن انسلاخها من القاعدة والتحاقهم بالثورة السورية وأجندتها الوطنية الديمقراطية. او انها ستستهدف. وقد تستهدف فصائل الجيش الحر بسببها. ولو كتغطيه كاذبة لضرب الثورة السورية. وهذا ما فعلته روسيا في حلب تحت دعوى أنها تحارب النصرة الارهابية. في حلب وأدت اخيرا لسقوط حلب…
ثامنا. لم تغير النصرة من استراتيجيتها كفرع للقاعدة ومنفذة أجندتها في سوريا في أي وقت. فحتى عندما غيرت اسمها من النصرة لفتح الشام. أكدت أنها انسلخت تنظيميا. ولم تنسلخ عقائديا عن القاعدة. وانها مازالت تعمل لبناء دولة الإسلام في سوريا بعد أن تسقط النظام. وأنها غير مستعدة لأن تكون جزء من اي ترتيبات تحصل في مناشط الثورة سياسيا وعسكريا. فهي غير راضية عن الهيئات السياسية الممثلة للثورة السورية. من المجلس الوطني حتى الهيئة العليا. ولا عن المسار السياسي من جنيف 1 الى جنيف 4. مرورا بالاستانه 1و2. الخ.. وكذلك بالنسبة للجيش الحر الذي تراه اداة بيد الدول الداعمة الموك والموم… حتى تخلّت القوى الدولية والإقليمية عنهم. ولا تتوقف عن تشويهه والتشهير به. ولو انها تضطر للعمل الميداني معه في كثير من المواقع… وهي بدل أن تقترب من أجندة الثورة السورية. تعمل وفق أجندة إعلامية ودعاية سياسية عقائدية. وعمليات عسكرية تصب في خانة تشويه الثورة سياسيا وعسكريا…
تاسعا. أن الظهور الإعلامي للجولاني زعيم النصرة وما قاله فيه. وما أسس قبل تشكيل جديد هيئة تحرير الشام. ليس إلا طور جديد اعتمدته النصرة في المرحلة الجديدة..
فبعد سقوط حلب بعدما ظهر أن الملف السوري سلم بنسبة كبيرة للروس. وبعدما دخل الأتراك بصفتهم الفاعلين في الملف من جهة مصلحة الثورة السورية. وخاصة ان هناك قرارات دولية أهمها 2254 وقبلها بيان جنيف 1. الذي يعني ان هناك مسار سياسي يتابع كان آخرها جنيف 4. وان فصائل الجيش الحر ليسوا خارج هذا السياق فهم جزء من الهيئة العليا وهم عماد مؤتمر الاستانة 1و2 الخ. وأصبح لزاما على النصرة أن تعلن موقفها من كل ذلك… لذلك عملت على اللعب على ضرورة توحيد قوى الثورة السورية لمحاربة النظام. كفعل استباقي احراجي. واتهمت المسار السياسي . ثم خوّنته وخوّنت من يعمل مع حلفاء الثورة من الدول. واعتبرت جميع الثوار يخدمون أجندتهم. وان الهدف اخيرا تثبيت النظام (النصيري) وحلفاءه (الشيعة). وان الضحية هم السوريون (السنة). وعملت بعض التحركات العسكرية المتواضعة لتؤكد أن نهجها المقاتل ما زال مستمرا. وخاصة عمليتي فرعي الأمن في حمص… والتي نرحب بهما كعمل عسكري. ونرفض استخدامها من قبل النصرة بأنهم هم المقاتلين دفاعا عن السوريين. والاخرين من جيش حر و هيئة عليا المفرطين كما ادّعت النصرة… كل ذلك كمقدمة للتجهيز لحرب صراع على من يملك الشرعية للتعبير عن الثورة والشعب السوري. ومسيطرة على الميدان الذي يحتكم له في كل مسار قادم…
عاشرا. إن الأخطر في موضوع تكتيك النصرة هذا. هو انجرار بعض الفصائل المحسوبة على الجيش الحر. مثل الزنكي وبعض المنشقين عن أحرار الشام. وقبلوا بأن يشكلوا جبهة سميت جبهة تحرير الشام. تتغطى بها النصرة. وتكون قوة تتحرك عسكريا ضد الجيش الحر. وهي بدأت فعلا ذلك. ولولا تدخل أحرار الشام حصل الأسوأ. ولحصل صراع عسكري. المستفيد منه النظام وأعداء الشعب السوري. وأن أي هيمنة وتوسع للنصرة بثوبها الجديد. يعني أن دائرة الاستهداف الدولي. وليس الروسي والنظام وحلفاؤه فقط. تتوسع على ماتبقى من مناطق محررة. اهمها ادلب وريفها وريف حماه وبعض ريف حلب… وخاصة ان هناك تأكيد دولي دائم على استهداف مجلس الأمن لداعش والنصرة ضمن الحرب على الإرهاب. وهذا ما أكده دي ميستورا عام ٢٠١٧م في جنيف
.اخيرا. نحن في الثورة السورية بأمس الحاجة في هذه المرحلة أن نكون على حذر. فالموقف الدولي يترنح بين دعم مطلق من روسيا وإيران للنظام. وبين صمت أمريكي يخفي عدم وضوح ما الذي تريده بالضبط. وبين ضعف ميداني لقوى الجيش الحر. يحتاج لتوحيد قواه العسكرية وأجندته السياسية. وأن يتم توضيح الامور بدقه لكل من تورط ووضع يده بيد النصرة. وان يتم التفكير الجدي بكيفية عزلها وتفكيكها ان امكن. وعدم تقديم الذريعة لها حتى تصادر بعض قوى الجيش الحر وتعلن الحرب على الثوار بدعوى انهم خانوا وانها الوصية على الثورة والاسلام والمسلمين…
.على احرار الشام ان يحددوا موقفهم. وعلى فصائل الجيش الحر ان يكبروا وأن يكونوا بحجم الشعب السوري ومطالبه المشروعة. وعلى الممثلين السياسيين ان يكونوا بقدر المهمة التاريخية..
.نحن أمام منعطف يكتب به مصير الثورة السورية…
.لنكون عند حسن ظن شعبنا بنا
والآن وبعد مضي سنوات على هذا النص مازالت النصرة باسم هيئة تحرير الشام مسيطرة على اغلب المحرر من سوريا، مغطية ذلك بتحالفات مع بعض القوى العسكرية المحسوبة على الثورة السورية. انها هي شبه الدولة المسيطرة على الأرض وتزداد ضبابية مواقفها. تعتمد على بعض العمليات العسكرية الخفيفة كفعل ورد فعل مع النظام. فقط لأجل التذكير بأنهم مازالوا الحاكمين على الارض والمنتظرين توافقات إقليمية ودولية يتموضعون فيها.
كذلك السيطرة على الجزء السوري المحاذي لتركيا الذي يعود نظريا لسيطرة الجيش الوطني الحر بتشكيلاته. بتنسيق كامل مع الأتراك الحاكمين الحقيقيين على الأرض. غصن الزيتون الخ و المرتبطين موضوعيا وواقعيا بمسارات التفاوض في أستانا وغيرها التي استمرت من قبل روسيا وإيران وتركيا. والتي التحق بها النظام أخيرا. حيث تحولت روسيا وإيران القوى المتحكمة على الأرض في الجزء التابع للنظام في سوريا.
نعم رفعت كل القوى الدولية والاقليمية يدها عن دعم الثورة السورية باستثناء تركيا وأمريكا التي دعمت ال ب ي د الانفصالية الكردية في مناطق شرق الفرات حيث النفط وبعض الفصائل الاخرى وكأنها تريد القول انها مازالت موجودة على الأرض ومصالحها قائمة وأن لها يد في تقرير صورة مستقبل سوريا…
عودة للنصرة وهيئة تحرير الشام، هي جزء من هذه الصورة وتنتظر قرارات دولية واقليمية قادمة ولو بعد حين تعيد ترتيب الأوضاع في سوريا والمنطقة كلها….