يغادرنا الياسمين تباعاً وترحل عن دنيانا أغصان الزيتون وزهر الياسمين يوماً إثر يوم.
فلم تكن مغادرة العزيز محمد خليفة سهلة بالنسبة لنا بعد ميشيل كيلو وحبيب عيسى وتيسير الحج حسين وكلهم مشاعل نور نستضيء بها طريقنا بعثاره الكبير.
واليوم إذ يرحل الغالي أبو خالد/ محمد خليفة وهو العلم الثوري الشامخ أبداً والكاتب الباحث المتمكن والصادق فيما يكتب وهو المندمج بآهات الأمة وآمالها. ومن انتقل من هموم الوطن السوري والجرح النازف في سورية إلى هموم الأمة كل الأمة. إذ لم تهن ولم تلن عزيمته يوماً فكنا نستمد التفاؤل والأمل من جوانية وتلافيف ضميره الوطني والقومي المتوقد دائماً.
لقد شكل رحيل أبو خالد ضربةً كبرى لمسار عروبي ووطني نقي وواع كما شكل غيابه أيضاً الماً ممضاً وجرحاً غائراً لن يندمل بفترة زمنية قريبة.
في رحيل رجالات الياسمين وفي غياب القامات الوطنية يجد المرء نفسه بل تجد فعاليات العمل الوطني أنها أمام جهد مضاعف في محاولة منها لملء الفراغ الكبير الذي تركه هؤلاء الوطنيون والعروبيون حتى النخاع.
وقد استوقفنا بعض أصدقاء الفقيد أبو خالد فقالوا فيه شهادةً للتاريخ وهو يستحق منهم ومنا الكثير الكثير.
الكاتب والباحث المصري العروبي الدكتور عبد الحليم قنديل قال:” اللهم لا اعتراض على قضائك . لكننا مع فراقك لمحزونون يا أبا خالد . عرفت الكاتب الموسوعى المناضل الصديق الأخ المتصوف الحبيب محمد خليفة قبل ثلاثين سنة . شاركنا معا فى عمل فكرى وحيد . ثم باعدت بيننا الأيام وتصاريف الأقدار. وإلى أن عاد التواصل بيننا مع أحلام الثورات المجهضة . وظل ” أبو خالد” وفيا لوعود الريح . وإلى أن صعد شهيدا على جبهة التحدى . فلا سلم يوما بهزيمة . ولا هو عاش إلى أوان النصر . تركنا ننتظر . وإلى أن يعبر التاريخ أقواسه الاعتراضية . ويعود الذى كان يوم التقينا .ويوم تبعث حيا يا رفيق .”
أما الدكتور عاطف صابوني فكتب تحت عنوان : (العظماء لا يرحلون) ” عندما نتحدث عن رحيل الشخصيات الكبيرة والمؤثرة فنحن نتحدث عن أجساد تغادرنا ولكن يبقى اثرها مستمرا وحاضرا لسنوات وربما لعقود…هكذا هو الحال مع شخصيات وطنية كبيرة تركت أثرا كبيرا في نفوس الالاف وربما الملايين ممن تعرفوا إليهم وهنا موضوع التعارف يتجاوز بمراحل كبيرة موضوع اللقاء الفيزيائي الجسدي إلى موضوع التعارف ضمن المجال المعرفي الثقافي _ السياسي الواسع…المدهش هنا ان سوريا ورغم المحاولات الحثيثة التي بذلها الاستبداد الطويل لطمس اية ظاهرة ثقافية او معرفية او سياسية او حتى مجتمعية فقد لمعت العديد من تلك الرموز خلال العقود الثلاثة الماضية من أمثال جمال الأتاسي ورياض الترك وعصام العطار ومحمد علي الصابوني وميشيل كيلو وحبيب عيسى وراحلنا الكبير اليوم محمد خليفة والعشرات وربما المئات من الشخصيات الوطنية والقامات الفكرية والثقافية ممن تركوا أثرا عميقا رغم كل ما عانوه من الاقصاء والتهجير والاعتقال والتعذيب والمحاربة بشتى انواع وأشكال الضغط والترهيب….واليوم عندما نتحدث عن الراحل محمد خليفة فإننا نتحدث عن ذلك الطراز الرفيع من المثقفين الذين انخرطوا وانغمسوا في معاناة شعبهم بل وانطلقوا لربط تلك المعاناة بما تعانيه شعوب المنطقة بأسرها بل وحتى الإنسانية كلها فصراعه مع نظام الاستبداد والفساد في سوريا لم يشغله يوما عن انغماسه في دعم الشعوب المستضعفة في لبنان وفلسطين والعراق والاهواز وليبيا وتونس و في كل مكان تجده حاضرا بجسده وروحه وقلمه وموجودا في كل الساحات…
هذه الأمثلة الحية من لحم ودم من المثقفين والمفكرين الذين لا يتوقف التاريخ بالحديث عنهم لأنهم بالحقيقة لا يغادروننا ابدا بل هم دائما حاضرون”.
أما عضو هيئة التفاوض وعضو اللجنة الدستوري السيد أحمد العسراوي فقال:” ” عادة يقال: شهادة الأهل مجروحة، لكن الواقع يتغلب على التنظير، فالمرحوم بعون الله تعالى أبو خالد محمد أحمد خليفة، كان نموذجاً وطنياً عروبياً وحدوياً ديمقراطياً بكل ما تحمل هذه المواصفات من القيم العالية. وقف بقلمه وعمله وهو من الكتاب المميزين، مع فلسطين كقضية مركزية للأمة العربية وأن تحريرها يستلزم وحدة الأمة من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي. ناضل منذ بداية شبابه من أجل المشروع النهضوي الوحدوي العربي الديمقراطي، لذلك وقف في وجه كل الأنظمة الفاسدة والمستبدة بكل جوارحه وامكانياته.”
أما الأخ الأستاذ أحمد طه فقال : ” ” بالأمس كنا نرثي ميشيل كيلو و حبيب عيسى و تيسير حاج حسين و اليوم نرثي قامة أخرى من قامات العمل الوطني و العروبي فلروحك الرحمه محمد خليفة أبو خالد لقد كنت مثالا يحتذى في مواجهة الاستبداد ومقارعة المستبدين ، جربت المنافي على مدى أربعين عاما متنقلاً من لبنان الى اليونان ثم فرنسا وحط الرحال بك أخيرا في السويد ، ورغم طول سنوات المنفى لم تلن عزيمتك ، ولم تفتر همتك بل كنت على العكس من ذلك تماما كنت تزهر حيثما حط رحالك ، يصفك كل من تعرف عليك او التقى بك ، بأن روح الشباب لديك مازالت في أوجها رغم تقدم سنين العمر، إن كنت قد غادرتنا جسدا لكن روحك التي تنشد الحرية و تأبى الظلم وتبحث دائما عن الخلاص ستبقى تسكن بيننا الى أن يتحقق ذلك الحلم”.
من جهته فقد قال السيد بسام العيسمي ” لقد آلمنا رحيل الكاتب محمد خليفة… الوطني بامتياز والعربي الحر والصادق. برحيله فقدت الساحة السورية ثائر حر من خيرة مفكريها ورجالاتها المخلصين. كما وافتقدته الساحة العربية كمفكر وثوري يحمل لواء مشروع قومي تحرري حضاري مفتوح على الديمقراطية وحقوق الإنسان. ألهمكم الله الصبروالسلوان. ولكم من بعده ولكل محبيه وأحرار سورية والوطن خالص العزاء. وطول البقاء. “