في اللحظة التي تعيشُ فيها الأمة خارج دائرة الفعل، وربما خارج التاريخ، أُغادرُ أرصفة المواجع إلى حقيبةِ الذاكرة لعلي أجدُ فيها بعضاً من حروف الوعي التي تُزهرُ بالأمل وتورقُ بالرجاء، أقلّبُ أوراقَها، فتقعُ عيني على عناوين منها : شمسُ الحرية وهزيمة الاستعمار، فروسيةُ الشهامة ونهجُ المقاومة، نكهة المروءة و طعم الكرامة، رائحةُ الخبز البلدي وعرقُ العمال، مجانيةُ التعليم والتقدم العلمي، الحرية السياسية والحرية الاجتماعية، الكفاية والعدل، العروبة والإسلام، شموخ الحلم الوحدوي وقناديلُ الفرح ترمقُ حقولَ السنابل الذهبية تحت أضواء الفجر، حدائقَ زهورٍ بحجم الوطن الوحدوي (الجمهورية العربية المتحدة) (22\2\1958م )
تستضيف حشوداً من النحل لما فيه شفاءٌ للناس…!!
ولكنّها فرحة لم تتم …!! ففي تلك الليلة المعبأة بدنانِ الغدر سرعان ما رجعتْ حليمة إلى عادتها القديمة، فاشترك الأخوةُ الأعداءُ في ذبحِ الحلم الوحدوي من الوريد إلى الوريد، في (28\9\1961م) دون الالتفاتِ إلى صرخات المستغيثين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل الأيام…!!
أتلمسُ بكفي المثخنة بعذاباتِ الأيام تجاعيدَ الأوضاع الراهنة، فأشعرُ بأوجاع الحنين إلى زمنٍ كان فيه الرائدُ الذي لا يكذِبُ أهله: يحرّرُ، يبني، يناضلُ، يقرّرُ، يضعُ الحلول، يوحّدُ، يلمُّ الشملَ، يصنعُ مع شعبه الحياة، استيقظَ قلبُهُ المتعبُ على نزيف الدمِّ العربيِّ، سَعِدَ لحظة، حمد الله، وغاب …!! (28\9\1970م)
في يوم الوحدة، يختفي الوهمُ، ويتوارى المستحيلُ، وتذهبُ أضغاثُ الأحلام أدراج الرياح، ينتصبُ الواقعُ بطهارةِ الوسيلةِ التي تتناسب مع شرف الغاية لأقرأ في يومياتها: سعادةُ العمال، أحلامُ الفلاحين، وأمنياتُ المثقفين.
وفي قصاصتها الورقية: ألوانُ العناقيد، حكاياتُ الثورة، سواعدُ الكادحين، أحلامُ الفقراء، وهمساتُ المحبين.
ورغم ما أُرغمنا عليه.. تبقى الوحدةُ العربيةُ بيتَ القصيد، وهدفَ الأهداف ومنهاجَ عملٍ يُعيدُ إلى الحقول أشجارها، وإلى الهواء نقاءَهُ، وإلى الماءِ عذوبتهُ، وإلى الكلام رائحته، وإلى الوقت لونَهُ، وإلى العرب تاريخهم وعزتهم، وإلى الحياة العربية طعمَ الحرية والكرامة والقوة.
(رحمك الله يا أبا تمام.. ستبقى كلماتك محفورة في ذاكرتنا)