شكّل حضور ممثلين عن الدول الراعية لمسار أستانة للحل السوري إلى جنيف السويسرية، بالتزامن مع انعقاد الجولة الخامسة من أعمال اللجنة الدستورية، محطة للتحضير للجولة الـ15 من المسار، بعد إعلان وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني محمد جواد ظريف منتصف الأسبوع الماضي، عقدها الشهر المقبل. ويأتي الإعلان عن جولة أستانة، في خضم استمرار الفشل الذي يصاحب المسار الدستوري، حسب ما أسفرت عنه الجولات الخمس من هذا المسار، لا سيما الجولة الأخيرة التي وصفها المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن بأنها مخيبة للآمال.
وخلال اجتماع عقدته الدول الضامنة لصيغة مسار أستانة في جنيف قبل أيام، للتشاور مع بيدرسن، جرى الحديث عن نقاط عدة، من بينها الالتزام بسيادة سورية واستقلالها، ومناقشة مسار اللجنة الدستورية، بالتأكيد أن هذا المسار يلزمه المزيد من المرونة. لكنهم في المقابل، شددوا على أنه لا يجب إلزام المسار بجدول زمني أو بتدخّل مفروض من الخارج، مؤكدين مواصلة المشاورات حول هذه المواضيع في الجولة المقبلة من مسار أستانة، التي تم تحديدها خلال الاجتماع في 16 و17 فبراير/ شباط المقبل. وكان مسار أستانة قد بدأ كمسار عسكري ـ ميداني، تطرق طرفاه، النظام والمعارضة وضامنوهم، خلاله لمشكلات السيطرة الميدانية ونتج عنه مناطق خفض تصعيد أربع. غير أن روسيا عمدت في ما بعد لتسوية وضع ثلاث منها بالتفاف على مخرجات المسار، وبقي منها “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها). لكن المسار تبدل مع طرح ملفات سياسية وإنسانية في الجولات المتتالية، ومنها ملف المعتقلين وسبل الحل السياسي، لا سيما من وجهة النظر الروسية.
وكانت روسيا قد سعت لإنشاء هذا المسار في بداية عام 2017، لفرض رؤيتها لصيغة الحل، وشاركت فيه كل من إيران وتركيا، لا سيما بعد تدخل الأخيرة عسكرياً شمالي البلاد من خلال عدد من العمليات العسكرية. وقبلها كانت روسيا قد أوغلت في استخدام الحل العسكري إلى جانب النظام مع وجود عسكري لإيران ومليشياتها في سورية. ما جعل الكلمة الأقوى في هذا المسار لحليفي النظام، إيران وروسيا، فيما خسرت المعارضة مساحات كبيرة من السيطرة نتيجة التفاهمات الغامضة بين الضامنين، وعدم قدرة تركيا على مواجهة الروس والإيرانيين خلال الاجتماعات.
وقال مصدر من وفد المعارضة إلى مباحثات أستانة، لـ”العربي الجديد”، إن “أجندة الجولة المقبلة من أستانة لم تطرح حتى الآن، ونحتاج أسبوعاً حتى تصلنا رسمياً”. وأكد أن الجولة “ستبحث بشكل رئيسي ملف اللجنة الدستورية التي تعرقلت أعمالها في جنيف”، مشيراً إلى أنه “لا بد من حلحلتها في الجولة المقبلة من مسار أستانة”. وأشار كذلك إلى أن ملفات أخرى ستكون مطروحة على الطاولة، من دون أن يفصح عن عناوينها.
من جهته، أكد المتحدث باسم وفد المعارضة المفاوض في أستانة أيمن العاسمي، أن “الخلاف داخل اللجنة الدستورية سيكون الحاضر الأكبر خلال الجولة المقبلة”، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “هناك عقدة معينة يجب حلها”. ولفت إلى أن “إيران وروسيا تريدان اللعب على عامل الوقت، وطهران تحديداً تسعى لاستغلال هذا العامل لبسط سيطرتها على أكبر مساحة من البلاد، ومن ثم قد تشارك في حل معين، لكن بعد أن تكون قد وسّعت نفوذها بشكل واسع لا يمكن التعامل معه، علماً أنها أكبر المعطلين لمسارات الحل السياسي المتعددة حول القضية السورية”.
ولفت العاسمي إلى أن مسار أستانة “لم يحقق كل شيء، لكنه حقق بعض الإنجازات في بعض المواضيع لا سيما إيقاف تقدم النظام في بعض المناطق”، مبدياً توقعه أن “تدفع الجولة المقبلة من أستانة مسار الدستورية إلى الأمام، وسيجبر النظام على الدخول في مناقشات المواضيع الرئيسية، بعد الضغط عليه خلال اجتماعات أستانة”.
وسابقاً، أفضى مسار أستانة إلى التوصل لاتفاق مناطق خفض التصعيد الأربع، درعا والجنوب، وريف حمص الشمالي، والغوطة الشرقية من دمشق، وإدلب ومحيطها، لكن اتهامات طاولت أطراف المسار، لا سيما المعارضة، بالتساهل مع لجوء روسيا للالتفاف على هذا الاتفاق وبسط سيطرتها على ثلاث مناطق من خلال اتفاقات تسوية جديدة، في كل من درعا والغوطة، وريف حمص الشمالي. في المقابل، دعمت روسيا قوات النظام والمليشيات الموالية لإيران من أجل قضم جزء كبير من منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وما حولها)، قبل توقف المعارك بداية مارس/آذار من العام الماضي. إلا أن العاسمي أشار إلى أن “المناطق الثلاث التي خرجت عن اتفاق المناطق الأربع، تم التوصل إلى التسويات فيها خارج إطار أستانة، من خلال اتفاقات الفصائل مع روسيا وتدخّل جهات دولية في كل منطقة على حدة. وعلى سبيل المثال فإن اتفاق التسوية في درعا جرى في الأردن، وصحيح أن روسيا طرف رئيسي فيه، إلا أن لإسرائيل والأميركيين دوراً في إخراجه”.
وحول الأجندة التي سيذهبون بها إلى الجولة المقبلة كوفد معارضة، أشار العاسمي إلى أنه على الرغم من عدم وصول دعوة رسمية إليهم كوفد معارضة، من الضامنين، إلا أن “مشاركتنا في هذه الجولة بهدف الاطلاع على وجهة نظر حلفاء النظام، وعلى أساس ذلك نقرر إذا كانت هناك أرضية لحلول مقبولة بالنسبة لنا، كما سنقدّم رؤيتنا للكثير من المواضيع والملفات”.
وأشار إلى أن الجولة المقبلة “تعد فرصة لمواجهة الروس في العديد من القضايا، لا سيما خرق الاتفاقات وفي مقدمتها اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب وما حولها. وسيكون لدينا رسالة رئيسية بأن أي خرق سيرسم واقعاً جديداً على الأرض، وهذه رسالة للنظام وروسيا، بأن فصائلنا والجيش التركي الحليف قادرون على المواجهة وحتى التحرك الذي لا يصب في مصلحة النظام وحلفائه”.
أما عن ملف المعتقلين، الذي حضر في جولات عدة من مسار أستانة، فأشار العاسمي إلى أن “هذا الملف لا يمكن تحقيق حلول حقيقية فيه، لا في أستانة ولا غيره من المسارات السياسية، إلا بتدخل من الأمم المتحدة، بينما دور الأمم المتحدة ضعيف في هذا الإطار إلى الآن، وملف المعتقلين لا يزال نقطة ضغط قوية بيد النظام وحليفه الإيراني بشكل رئيسي”.
ومنذ إطلاق هذا المسار بجهود روسية، ومشاركة إيران وتركيا، عمدت موسكو خلاله للعب على عامل الوقت وإبعاد الحل السوري عن أروقة الأمم المتحدة ومسار جنيف التفاوضي بشكل رئيسي، ليتسنى لها فرض رؤيتها بعيداً عن حلفاء المعارضة الغربيين، لا سيما الولايات المتحدة. كذلك لجأت إلى تمييع المسار بالمراوغة على أجنداته ومخرجاته، فزجت بمواضيع وملفات لا تمكن مناقشتها إلا بعد إقرار الحل السوري بشكل نهائي، كعودة اللاجئين وإعادة الإعمار، في حين غطت من خلاله على توسع النظام وإعادة فرض سيطرته عسكرياً، بالإضافة للمماطلة بملف المعتقلين.
المصدر: العربي الجديد