أسفرت، حتى الآن، حصيلة آخر مجازر وجرائم المحتل الروسي، التي ارتكبت صباح الأثنين الماضي، 26_ أكتوبر/ تشرين أول، في جبل الدويلة قرب قرية كفر تخاريم، عن استشهاد 78 شخصا على الأقل وجرح 90 على الأقل، تقول التقارير الطبية والمعلومات أن حالة بعضهم حرجة حتى الآن، والعديد منهم بترت أطرافهم، مايجعلهم في حالة إعاقة وعجز دائمين، إضافة لعدد من المفقودين، تحت الأنقاض.
تندرج هذه الجريمة في سياق سلسلة لم تتوقف من جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها المحتل الروسي منذ تدخله العسكري المباشر في سورية منذ نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، دعما للطاغية الكوني بشار الأسد وعصابته الحاكمة، بعد أن عجز هو وحلفاؤه الفرس وميليشاتهم الطائفية عن تحقيق إنتصار حاسم على الشعب السوري الثائر، وقواه الحية، وهي جريمة مضافة إلى جرائم قصف متعمد لأهداف مدنية كالمشافي والمراكز الطبية، والأفران، والأسواق الشعبية، ومدارس الأطفال، وتدمير المساكن على ساكنيها، من المدنيين الأبرياء العزل.
كما إن هذه الجريمة، تأتي في ظل التصعيد المستمر في محافظة إدلب وريفها، التي لايزال حسم وضعها بسبب الخلافات بين أطراف مسار آستانا الروسي– الايراني- التركي، التي تشهد منذ عدة سنوات دورات من التصعيد تارة، والهدوء الحذر والمؤقت تارة أخرى، وقد جرت العادة أن يتخلل هدنها الهشة إعتداءات محدودة، وخروقات مستمرة، يذهب ضحيتها دوما الأبرياء ممن هجروا من مختلف المناطق السورية إلى ادلب التي ضاقت أرضها الواسعة باستيعاب حوالي ثلاثة ملايين نسمة إضافة لسكانها الأصليين.
كل ذلك تحت دعاوي محاربة (الارهاب) وجماعاته، التي بقيت حتى الآن آمنة لم يصبها شيء من آلة القتل الروسية، لحاجة الروس، وأطراف أخرى عديدة، لبقائها، أو استمرار وجودها، لتكون شماعة، أو مشجبا للروس وحربهم المفتوحة على شعبنا المطالب بالحرية والعدالة والأمان والسلام والاستقرار.
المجزرة الجديدة تحمل معاني ورسائل عديدة، لا علاقة مباشرة للسوريين بها، فهي تطال طرفا يعد حليفا قويا للجانب التركي، وعلى مقربة شديدة من الحدود التركية، وهي تطال، أيضا، طرفا معتدلا (فيلق الشام) غير مدرج على قوائم الارهاب الدولية، وينضوي في إطار (الجيش الوطني للتحرير) الذي أسسته تركيا، ويشارك في مسار آستانا ذي الصيت السيء والنتائج الصفرية، مايشير باجماع المراقبين والمحللين إلى غايات أبعد من حدود المحافظة والمكان المستهدف، لتصل إلى عدد من الصراعات الدائرة في المنطقة وعمق الخلاف الروسي_ التركي إزاءهما، سواء في الصراع الليبي أو الدائر حديثا في منطقة القوقاز بين جمهوريتي آذربيجان وأرمينيا.
فالحلفاء هنا أعداء هناك، والشركاء هنا خصوم هناك، كل منهما في جبهة وإتجاه، ويدفع السوريون جراء ذلك أكلاف مضاعفة من حيوات ومستقبل أبنائهم ووطنهم.
الرسالة الروسية القوية، للجانب التركي، تتزامن مع مسعى الكرملين الحثيث لعقد مؤتمر دولي يومي 11 – 12 نوفمبر / تشرين الثاني، هدفه المعلن العمل لإعادة اللاجئين السوريين، وبينما تحركت موسكو لضمان مشاركة العديد من الدول العربية والاوروبية في المؤتمر الذي سينعقد في دمشق، فإنها تجاهلت دعوة حليفتها في آستانا، تركيا، أو على الأقل التشاور معها، وهي التي تؤوي أكثر من ثلاثة ملايين سوري، يقيمون على أراضيها، وتتحمل عبئا ثقيلا على أمنها وإقتصادها، وهو العدد الأكبر في دول الجوار والشتات التي حط السوريون بها رحالهم السوريين بعد فرارهم من جحيم الأسد.
إن مايكشف جانبا آخر من الرسالة الروسية، في عدوانيتها وإرهابها، باستهداف دورة عسكرية تدريبية ل(فيلق الرحمن)، هو الاستياء الواضح لموسكو من وجود مقاتلين سوريين، لأسباب عديدة، في الصراعات المحتدمة في ليبيا وأذربيحان، ومضيها حتى النهاية في المواجهة المفتوحة مع “أعدائها”.
على كل حال يكشف كل ذلك ليس إستباحة أرض سورية، والصراع عليها، بل واستخدام شعبها وأهلها في بازارات الدول والمصالح الإقليمية والعالمية، بعيدا عن أي اعتبار قيمي أو إنساني.
لقد آن الأوان لأن يتخذ السوريون، وفي مقدمتهم من يدعون تمثيلهم، لاتخاذ موقف واضح وحاسم وجريء برفض كافة الاحتلالات على أرضهم، والكف عن إستخدامهم، أو إتخاذهم وقودا لحروب لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد، ولا مصلحة لهم فيها اطلاقا.