عزيزة جلود هي زوجة الضابط السوري إبراهيم اليوسف الذي كان مدربًا لطلاب ضباط في أواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث جمعهم في احدى الأماكن في الكلية العسكرية، فرز من بينهم طلاب الضباط غير العلويين وكان عددهم حوالي ٤٠، وترك العلويين في القاعة، وكان عددهم حوالي ٢٨٠ طالب ضابط، حاصرهم بمجموعة مسلحة كان قد جهّزها من تنظيم الطليعة المقاتلة، وبدأوا بإطلاق النار عليهم، وسقطوا جميعا بين قتيل وجريح. انسحب ابراهيم اليوسف والعناصر التي حضرت وأطلقت النار. كان ذلك فصلا من الصراع بين النظام والطليعة المقاتلة والاخوان المسلمين قبل ذلك وبعده.
الكتاب يخوض في الموضوع بالتفاصيل، حيث ستقول عزيزة جلود معلوماتها، وتتابع ما حصل مع زوجها إبراهيم اليوسف، والصراع مع النظام، ومقتلهُ وملاحقة كل من يمت للطليعة المقاتلة بصلة، وكذلك الاخوان المسلمين، الذين سيلاحقون حتى تم تصفية وجودهم في سورية، بين قتيل ومعتقل وهارب داخل البلاد وخارجها، و صدر بحقهم قانون سنّه النظام، الحكم بالإعدام على كل منتسب للإخوان المسلمين.
تعتمد عزيزة جلود في كتابها على تجميع كل ماكتبته عن هذا الموضوع، بعضه لمناسبة كتابة الكتاب بصيغته النهائية الحالية، والبعض هو عبارة عمّا نشرته عبر وسائط التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن بدأت الثورة السورية على إيقاع الربيع العربي، في أواسط آذار ٢٠١١م، حيث تجاوزت عزيزة الخوف على نفسها وأولادها، الذين ذاقوا الأمرين من النظام، فهي اعتقلت وسجنت لمدة تزيد عن الأحد عشر عاما، واولادها عاشوا، في عذاب التخفي والملاحقة معها قبل اعتقالها، وعذاب فقدانها بغيابها في السجن، وكونهم أبناء إبراهيم اليوسف لفترة طويلة.
تبدأ عزيزة كتابها بالحديث عن نفسها وزوجها ابراهيم اليوسف، فهو ابن بلدة تادف قرب حلب لكنه انتقل منذ طفولته لمدينة الرقّة السورية وعاش فيها مع عائلته. وأنه عندما بدأ حياته العملية و بسبب تواضع إمكانيات والده عن تأمين مستلزمات متابعة دراسته بعد البكالوريا. تطوع في الجيش كطريق أقصر لتأمين فرصة حياة مستقرة ومستمرة، وكانت خدمته العسكرية في حلب. أما عزيزة فهي ابنة عائلة تقطن حلب ومن بيئة دينية ملتزمة، وكانت أغلب العائلات تزوج بناتها باكرا مادون سن العشرين، حسب عرف اجتماعي سائد بأن مصير المرأة الزواج، والعلم والتعليم للمرأة أقل أهمية، كانت عزيزة تود أن تكمل دراستها، وجاء ابراهيم اليوسف لخطبتها، عبر وسطاء يعرفوه ويعرفون عائلتها، ورفض والدها لأنه لا يرتاح لكون إبراهيم ضابط في الجيش، وهي نفسها لم تكن ترغب في هذا الزواج، ولكن قدرها اقترن بإبراهيم وكرت الايام وعاد وطلبها مجددا، وكان نصيبها الزواج منه. كان رجلا متنورا ومثقفا، وكانت صغيرة، شجعها على التثقف والقراءة، فقد كان في بيتهم مكتبة متنوعة دينية وغيرها، وكانت تقرأ ويناقشها إبراهيم في كل الموضوعات ويتبادل معها الرأي والمشورة.
أما إبراهيم اليوسف فقد كان منذ نشأته منتميا اسلاميا، أيام دراسته في الرقة في المرحلة الثانوية، حيث سيتعرف في المدرسة على عدنان عقلة، ابن القنيطرة القاطن مع عائلته في الرقة، ستدوم هذه الصداقة مدى الحياة، ويكون عدنان عقلة وإبراهيم اليوسف من أوائل الملتحقين بتنظيم الطليعة المقاتلة الإسلامية، التي نظمت نفسها، استمرارا على أفكار مروان حديد، الذي قُتل في سجون النظام، والذي يدعو لإسقاط “النظام الطائفي العلوي والعلماني” وبناء دولة إسلامية، ولا مشكلة باستعمال القوة لتحقيق ذلك، لأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالقوة واسقاط النظام الطائفي “العلوي”، حسب ما كان يرى ابراهيم وعدنان عقلة وتنظيمهم. لم توضّح عزيزة هل كان التحاق ابراهيم اليوسف بالجيش لهذا الهدف أم ذلك حصل في عقله وسلوكه بعد التحاقه بالجيش؟. كما أن الكاتبة لم تتوسع بالحديث عن تنظيم الطليعة المقاتلة؛ بنيته، تمويله، علاقاته الإقليمية والدولية، والى أي مدى كان مشروعه مستقلا، ولا يخدم أجندات الصراع المتبادل بين النظام الطائفي البعثي في سورية وبين بعث العراق، والدولة الاردنية والسعودية؟. التزم كتاب عزيزة بما عاشته مباشرة مع زوجها، وبعد العملية وفي اعتقالها لهذه الايام. فهي تقدم لنا أقرب لسيرة ذاتية، لا تتحدث الا عمّا عاشته وخبرته مباشرة من زوجها إبراهيم، حفاظا على مصداقيتها.
كان رأي إبراهيم اليوسف والطليعة المقاتلة، هو أن النظام السوري، بسبب طائفيته وعدم حكمه بالإسلام، ولكونه يحارب المسلمين وينكل بهم، كان الحل أن يتم إسقاطه بالقوة، وذلك عبر ضربات عسكرية عبر تقنية حرب العصابات، تطال اجهزته الامنية وضباطه العسكريين، من الطائفة العلوية، حيث سيؤدي ذلك الى صراع بين النظام والطليعة المقاتلة، التي سيلتحق بها حزب الإخوان المسلمين، او كادره الشبابي على الأقل، ومن ثم يشجع ذلك الشعب السوري نفسه، لنصرة “المجاهدين” حسب تعبيراتهم ويتم اسقاط النظام ويتم بناء الدولة الاسلامية التي يرون أنها فريضة ملزمة يجب تحقيقها. هذا ما استطعنا أن نفهمه من سياق عمل الطليعة المقاتلة في سورية، لكن الحسابات كانت مختلفة عن النتائج على الأرض. فما أن بدأ شباب الطليعة عملياتهم العسكرية، حتى استنفرت أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، التي طاردتهم و بطشت بهم. وكان لعملية ابراهيم اليوسف التي هدفت بداية الى احتجاز طلاب الضباط العلويين ومساومة النظام عليهم ليتم الإفراج عن معتقلين اسلاميين، لكن ردة فعل طلاب الضباط ضد احتجازهم جعل إبراهيم اليوسف يأمر بقتلهم كخطة بديلة والانسحاب من المكان كما حصل ، وكذلك محاولة اغتيال حافظ الأسد، التي قام بها شباب اسلاميين؛ و لم تنجح، المبرر للنظام ليصنع مقتلة بحق الشعب السوري كله، من اواسط السبعينات إلى أواسط الثمانينات من القرن الماضي، أي مما قبل عملية مدرسة المدفعية وما بعدها، وصلت أعداد الضحايا الى عشرات الآلاف في حماة وحلب وجسر الشغور واغلب المدن السورية. وهذا لم تذكره عزيزة وغير معذورة بعدم ذكره، رغم إصرارها على أنها لم تتحدث إلا عمّا عاينته شخصيا. إن اهتمامها بوضعها الشخصي يجب أن لا يمنعها من إيضاح النتائج الجماعية لما فعله، إبراهيم اليوسف والطليعة المقاتلة.
كان إبراهيم اليوسف مسكونا بقضيته لدرجة الإيمان المطلق، فهو لم يراجع اعماله بمنطق النقد الذاتي ابدا، يتحرك وهو مؤمن بدور رسالي، وينتظر النصر أو الشهادة، قام بالعملية في الكلية العسكرية مع مجموعة من شباب الطليعة، ولم يُصب او يُعتقل أحد من مجموعته. وتابع مع شباب الطليعة اكمال مهمته، بعمليات ضد الأجهزة الأمنية واغتيال ضباط الجيش؛ خاصة العلويين. وهذا دفع النظام لأن يقوم بحملة اجتثاث لكل الإسلاميين خاصة الإخوان المسلمين في سورية، الذين لم يكونوا على توافق مع نهج الطليعة المقاتلة منذ مروان حديد، فهم يؤمنون بالمنهج الدعوي وينبذون العنف، وحاولوا في كثير من المرات أن يتنصّلوا من أفعال الطليعة المقاتلة، ومن عملية إبراهيم اليوسف و إدانتها، لكن ذلك لم يغيّر من موقف النظام الإستئصالي من التيار الإسلامي في سورية، ومن التيار الوطني الديمقراطي بعد ذلك، وهذا ما لم تتحدث عنه عزيزة.
لم يخبر إبراهيم اليوسف زوجته بنيته عن العملية في مدرسة المدفعية، كانت صغيرة، وعندما حصلت خافت وسألته ماذا سيحصل معها ومع أولادها طفل وطفلة والثالث حامل به ؟، أخبرها أن الله لن يتخلى عنهم، وأنه يعمل لوجه الله ومرضاته. قام بالعملية وهرب مع المجموعة المنفذة، وهي اختفت في مراكز للطليعة المقاتلة اسموها “القواعد” واستطاعت الالتحاق بزوجها، كان يقود عمليات الترصد والمواجهات مع النظام وأجهزته الامنية، كانت العمليات تتم وفق تخطيط من كل مجموعة على حدى على شكل حرب العصابات، وكانت ترتبط هذه المجموعات عن طريق شبكة اتصال تنظيمية دقيقة، وقد يقومون احيانا بعمليات كبيرة يشترك بها أكثر من قاعدة، كانوا واثقين من انفسهم ومن نجاحهم، و الحاضنة الشعبية تتوسع في البداية تأييدا لهم، وأصبح إبراهيم اليوسف حاضرا في الأوساط الشعبية، معه وضدّه. إن شدّة الحملة الأمنية والملاحقات، أدت لعدم تقدم إبراهيم وتنظيمه لأهدافهم في الواقع، خاصة وأن قيادة تنظيم الإخوان المسلمين عاملوهم على أنهم منافسين لهم في مشروعهم الإسلامي، كما ترى الكاتبة، ويرونهم – من وجهة نظرهم كإخوان- كارثة حلّت عليهم، حيث التحق بعض الكوادر الشبابية للإخوان بالطليعة المقاتلة، واُعتبر ذلك خرقا تنظيميا، والاهم من ذلك أن النظام أخذ العمليات ذريعة بحيث انهى الإسلاميين جميعا من سورية، الإخوان و حاضنتهم الشعبية، وتوج موقفه هذا باصدار قانون ٤٩ القاضي باعدام اي منتسب للإخوان المسلمين، امتلأت السجون والمعتقلات، وقتل الآلاف من السوريين وخاصة في حماة، ممن اعتبروا حاضنة شعبية للإخوان والطليعة المقاتلة، وهكذا أصبحت سورية في اوائل الثمانينات خالية من الأخوان بين قتيل ومعتقل وهارب، وهذا ما لم تذكره الكاتبة. تحدثت عن نفسها وعائلتها وعائلة الشباب المقاتلين مع زوجها، سردت أسماء بعض القريبين منه مثل عدنان عقلة وغيره، وكيف كانوا يواجهون النظام بعملياتهم ضد اجهزته الامنية، وكان مصير زوجها في احدى العمليات القتل. تحدثت عن “مجاهدين ابطال”، وعن بعض الاختراقات الامنية في صفوفهم من الرجال و النساء، ولم يحسم الأمر هل هم مزروعين اصلا في الطليعة المقاتلة؟. ام وقعوا ضحية ابتزاز النظام واجهزته الامنية واضطروا لخيانة تنظيمهم واخوتهم للحفاظ على حياتهم؟.
لم تتابع الكاتبة ماذا حصل بعد مقتل زوجها، بالنسبة للتنظيم وأعماله، وكيف تم استئصاله، الّا ما ندر؛ بل تابعت ما حصل معها، وكيف اعتقلت هي وزوجات مقاتلين آخرين من التنظيم مع اولادهم. وتابعت كيف كان اعتقالها وتعذيبها لتدلي بمعلومات، وكيف صمدت، وانتقالها من معتقل لآخر ومن سجن لآخر، وكيف اصبحت بعد مضي وقت طويل تحصل على زيارة أهلها، الذين نكل النظام بهم و بأهل زوجها ايضا، واعطتهم ابنها الأكبر ياسر وابنتها، واحتفظت بابنها الصغير اسماعيل الذي كبر معها في السجن، وكان الفرحة الوحيدة لها ولمن معها، وحتى بالنسبة للسجانين. وجدت من يعاملها بقساوة ولؤم رغم انتهاء التحقيق معها، ومن يتعاطف معها من السجانين إلى درجة أن أحدهم احبها وعرض عليها الزواج، احتارت بأمرها بداية ثم استقرت على أن لا تستطيع أن تتعايش مع سجّان، تجد به رمزا لكل ما قاتل ضدّه زوجها وما تعتقد هي أيضا، رغم كون ذلك استجاب لحاجتها النفسية كأنثى ما زالت صغيرة وتحتاج لعناية ومحبة رجل يحتضنها ويحترمها وتعيش معه حياة انسانية سوية، لكن السجن المديد جعلها تبعد كل ذلك عن نفسها، فقد كبر ابنها الصغير إسماعيل قليلا واعطته لاهلها ليلتحق بأخوته ويعيش بينهم، أما هي فقد انتقلت من أقبية الأفرع الأمنية مع ما فيها من تعذيب وحياة قاسية، الى السجون المدنية التي اعتبرتها افضل بكثير، حيث كانت في غرف خاصة وأماكن للتنفس والزيارة، والاستحمام والخصوصية. كانت معاناة عزيزة منصبة على أن أغلب من كانوا معها من الموقوفين من عائلات الطليعة كرهائن او زوجات واخوات، قد تم الافراج عنهم مع الزمن، أما هي فقد استمر اعتقالها وسجنها ما يزيد عن أحد عشر عاما. وخرجت أخيرا لتجد اولادها وقد كبروا وأنه حصل مسافة نفسية بينها وبينهم. وبعد فترة من خروجها من السجن، خرج اخا زوجها من سجن تدمر، حيث كان معتقلا ، وطلبها للزواج وقبلت وتزوجت منه، وأنجبت ثلاثة أولاد آخرين، وعاشت حياة راضية عنها، متجاوزة الماضي بكل معاناته. وما أن بدأ الربيع العربي و أمتدّ إلى سورية في اواسط آذار ٢٠١١م، حتى كانت عزيزة وعائلتها جزء اصيلا من الحراك الثائر ضد النظام القمعي، ككل الشعب السوري، وكان أولادها ياسر وإسماعيل من الشباب الثائر ضد النظام، لقد جاءت الفرصة لينتقموا شخصيا من النظام المستبد القمعي الطائفي القاتل.
ينتهي الكتاب عبر سلسلة أحاديث بمسميات مختلفة؛ حكايات الجدة ام ياسر وهذه كنية عزيزة بإسم ابنها الاكبر، و ليالي شهرزاد وهذه تسمية اطلقتها على نفسها، وحديث الثمانينات، وكلها كانت قد نشرتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي متسلسلة، مغطية فيها بعض الجوانب التي لم تُعرف ولم تُنوّرعن نفسها وإبراهيم اليوسف ، منتصرة لطرح الحقيقة كما عايشتها.
في تحليل الكتاب نقول:
٠ بداية لا بد من التنويه والشكر للأخت عزيزة جلّود لطرحها موضوع إبراهيم اليوسف و تنظيم الطليعة المقاتلة الإسلامية، بعد مضي حوالي الأربعة عقود على تلك الأحداث، لتوضع النقاط على الحروف، ويصبح ملكا للتاريخ والأجيال القادمة من الشعب السوري، ويبتعد عن أن يكون موضوع خلافي سجالي، بل يتم التعامل معه كحدث تاريخي مفصلي في تاريخ سورية، و استنتاج الدروس والعبر منه.
٠ في الكتاب ميزة و مشكلة؛ الميزة أنه أقرب إلى شهادة شخصية عن إبراهيم اليوسف وتنظيم الطليعة المقاتلة، وحياة عزيزة جلود في سنوات سجنها واعتقالها المديدة. أما المشكلة، فهي غياب الربط بين إبراهيم اليوسف ومعه تنظيم الطليعة المقاتلة، سواء مع الإخوان المسلمين، الارتباط والاختلاف والصراع، كل ذلك بقي غامضا، سوى يتنصل الإخوان من إبراهيم اليوسف ومن تنظيم الطليعة المقاتلة، وهذا ليس كافيا. كذلك ارتباطات الطليعة المقاتلة الأقليمية بعدد من الدول العربية، تحديدا العراق والاردن والسعودية، لقد كانت قواعدهم الخلفية في العراق ويدعمها نظام صدام حسين، وكذلك قدم لهم الحكم في الأردن والسعودية الدعم، ولكن بدرجة أقل من العلنية، وكانت بعض قياداتهم تتواصل معهم من تلك الدول ويأتيهم الدعم المالي والسلاح ايضا…الخ. كل ذلك غائب في الكتاب، وكأن ظاهرة الطليعة المقاتلة كانت لا ترتبط بأي نظام أو أجندة ابدا. وهذا ما خالفته وثائق أخرى، وعذر عزيزة جلود انها تحدثت عن ما عايشت وعرفت، وهذا حقها.
٠ ونأتي الان لأهم نقطة مفصلية عن ظاهرة إبراهيم اليوسف وتنظيم الطليعة المقاتلة، نعم متفقين معه أن النظام السوري قمعي وطائفي ومجرم وقاتل، وأنه يستخدم الطائفة العلوية كسلاح ضد بقية الشعب، وأن الجيش بقياداته وكذلك الامن أغلبهم من الطائفة العلوية، وأن الأسد الأب والابن يعتمدوا على بنية عائلية عشائرية طائفية علوية في السلطة ولايتورعون عن قتل الشعب السوري كله للاستمرار بحكمهم، هذا ما اكّده صراع النظام ضد الطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين والقوى الوطنية الديمقراطية ومعهم الكثير من الشعب السوري في الثمانينات، حيث قُتل عشرات الآلاف من الشعب السوري بمجازر في حماة وغيرها من المدن السورية، وتأكد ذلك في رد النظام على ثورة الشعب السوري في آذار ٢٠١١م، ووصول الضحايا لأكثر من مليون ومثلهم معاقين ومصابين وحوالي اثنا عشر مليون مشرد داخل سورية وخارجها، وأكثر من نصف سورية مدمر، كذلك وجود الامريكان والروس والإيرانيين والمرتزقة مثل حزب الله وكلهم محتلين لسورية، وواقع سورية المأساوي كشعب وأرض ودولة. كل ذلك نقره ونعترف به، لكنه لا يبرر للطليعة المقاتلة ولإبراهيم اليوسف أن ينطلق من خلفية طائفية، ويقاتل النظام لأنه علوي، وبمنطق تكفير ديني، ويستبيح دمهم لكونهم علويين وحتى لو انّهم ظالمين، وأن الطليعة تعمل لأجل بناء الدولة الإسلامية، وهذا موضوع مختلف عليه، أي أن أي طرف يرى أنه ممثل الله ويده الباطشة ويريد تنفيذ حكم الله بالارض، إنما هو مشروع حكم ديني استبدادي قد يكون أسوأ من أي نظام مستبد آخر. نحن نختلف مع هذا المبدأ، و أنه لاحكم ديني في الإسلام، وأن الحكم شوروي، و بمفاهيم العصر يعني ديمقراطي، وهذا ما توصل اليه الاخوان المسلمين والمثبت عبر وثائقهم منذ بداية الألفية الثانية في وثيقتهم الفكرية “المشروع الحضاري الإسلامي”. ولذلك كانت دعوة إبراهيم اليوسف ومسلكه القتالي يسير بطريق مسدود سلفا. هذا غير استخدام النظام ذلك في زمن إبراهيم اليوسف وعمليات الطليعة المقاتلة ذريعة لقتل الشعب السوري، وتنكل بكل هذه القوى وبالشعب وتقضي على حراكه من أجل التغيير. كما لجأ النظام في مواجهة ثورة شعبنا الحالية باستعمال العنف المطلق على انه ضد الارهاب الديني “القاعدة والنصرة وداعش”، وهم نسخ حديثة لمقولة بناء الدولة الاسلامية وبالقوة. كما أن مقاتل دعوى ابراهيم اليوسف وتنظيم الطليعة المقاتلة هو انطلاقهم بعملهم من استعمال القوة العسكرية، في مواجهة نظام مدجج بالسلاح وعنده ما يزيد عن مليون رجل مقاتل من الجيش والأمن. بهذا الشكل قدموا الذريعة لينكل النظام بالشعب عبر القوة العارية، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكذلك في ثورتنا الحالية.
أخيرا نحن بحاجة لثورة تنوير ديني، اجتماعي، سياسي، علمي، على كل المستويات، تماما كما نحن بحاجة للحرية والكرامة الإنسانية والعدالة والديمقراطية. الاولى شرطا للثانية، وهذا ما يجب أن تتضافر الجهود من الكل؛ الشعب وطليعته الثقافية والفكرية والسياسية وناشطيه الثوريين لتحقيقه، لكي تنتصر ثورتنا قبل أن تصبح مثل أحداث الثمانينات من القرن الماضي جزء من ماضي مهزوم، وتتحول لحكايا عن عثرات النظام مع شعب مُستعبد حاول أن يتحرر وينتصر لإنسانيته، لكنه لم ينجح.