فلتصبح الآلية الرباعية بشأن أزمة السودان خماسية

  جمال محمد إبراهيم

                                                                                               

قبل النظر في ما طُرح من قبل، وسمّيت الآلية الرباعية من أجل حلِّ الأزمة السودانية، من المنطقي التعرّف إلى خلفية هذه اللجنة غير الرّسمية، التي وقفت وراء تكوينها وزارة الخارجية الأميركية التي مالت إلى ابـتـدار مشاورات على المستويات الدبلوماسية الدنيا، ثم يتمّ ترفـيعها بالتدرُّج وفـق التطورات التي ستنتهي إليها تلك المشاورات، ولربَّما تصل إلى مستوى القمة. من الواضح أن الإدارة الأميركية أنشأت تلك الآلية للتشاور على مستوى السفراء المعنيين بالأزمة في السودان للتدارس المعمّق لتسوية هذه الأزمة على نار هادئة. لذلك، نجد أن المشاورات بدأت برعاية وزارة الخارجية، ودعت سفراء السعودية ومصر والإمارات. وبدأت في ربيع العام الجاري (2025) في واشنطن، ولكن ما لوحظ أنه جرى تجاوز تلـك المشاورات السفير السوداني، وكان الكاتب قد رأى في مقالٍ سـابق في “العربي الجديد” أنَّ هذا يُعدّ منقصة في تشكيل تلك اللجنة التشاورية الرباعية، فالأزمة التي تداعى لتسويتها أولئك السفراء المعتمدون في واشنطن تخصّ دولة لها أيضاً سفير معتمد في العاصمة الأميركية. ولا تبدو واضحة طبيعة الحيثيات التي جرى على أساسها تكوين الآلية الدبلوماسية التي سميّت رباعية، ولم تضم سفيراً معتمداً للسودان في عضويتها.

(2)

مضت الآلية الرباعية في مشاوراتها الخاصَّة بأزمة السُّـودان، وأعدّت طروحاتها، تمهيداً لعرضها للوزراء المعنيين في الدول الأربع. التقى في 12 الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) وزراء خارجية الآلية الرباعية، الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، وأصدروا بياناً أكّد الحرص على وحدة السّـودان، وأنّ الحرب لن تكون حـلاً، وأنّ من الضرورة إعطاء الدَّعم الإنساني اللازم أولوية، وأن يجري التوافق على هدنة مؤقـتة قابلة لتمديد نهـائي. وأشـار البيان الوزاري كذلك، إلى ضرورة وقف التدخّلات الخارجية، والداخلية أيضاً من الأطراف السُّـودانية، مثل جماعة النظام السابق التي تعمل جميعها على زيادة التوتر واستمرار الحرب، بما يزعزع إمكانية الوصول إلى استقرارٍ في السودان. وفي ختام بيانها، أعلنت الآليـة انفتاحها على كلِّ الأطراف الدولية والإقليمية الساعية إلى حلّ الأزمة السودانية.

ظلَّ صاحب الأزمة ومحورها، وهو السودان، غـائباً عن ذلك التشاور الرّباعي

(3)

ولكن الآلية الرباعية، بمستوييها، الدبلوماسي الأدنى والوزاري الأعلى، تجاهلت استصحاب من يمثل السّـودان كآمرٍ واقـع إلى ذلك التشاور. والغريب أنَّ طرفاً يطرح نفسه وسـيطاً عبر لجنة أو آلية، بغضّ النظر عن عدد أعضائها، يكون طبيعياً أن يسعى إلى الحصول من الطرفين المتنازعين على قبول تلك الوســاطة. ولن نجد تفسيراً لهذه المنقصة إلا أنْ يكون للرَّاعي الأميركي للآلـية الرباعية رأي بشأن شرعية كلا الطرفـين المتنازعين، فآثر استبعادهما معاً. ولربَّما رأتْ تلك الآلية أن في ذلك تعزيزاً لحيادية مطلوبة، لكن أحد الطرفين (أو كليهما) يراها تحمل نيات مُضمرة قد تضعف الثـقـة في تلك الآلية، ولا تبعث على الاطمئنان. وهكذا ظلَّ صاحب الأزمة ومحورها، وهو السودان، غـائباً عن ذلك التشاور الرّباعي. وقد أفضى ذلك التجاهل بما أثار من شكوك لدى حكومة الأمر الواقع، إلى تردّدها في قبول جهود تلك الآلية برمّتها، لسببين أُعلنا قبل أيام قليلة من موعد اجتماعات الآلية الحاسمة: الأول، تجاهل اعتماد السودان دولة أمرٍ واقع يفترض أن تكون عضواً في الآلية، وهي صاحبة الشأن، خصوصاً أن لها سفيراً يمثلها في الولايات المتحدة، وهي الدولة الراعية للآلية. الثاني، ضمّها إلى عضوية الآلية دولة متّهمة بالتدخل المباشر في حرب السودان.

(4)

لعلَّ هذه النواقص والشكوك، في هيكل الآلية الرباعية وطبيعة عملها، هي التي تفسّر ما يُلاحظ من زيارات ومشاورات مستعجلة، جرتْ بين القاهرة وبورتسودان على أعلى المستويات. وذلك يعكس، ليس حرصاً على إنجاح اجتماع الآلية المقبل برعاية أميركية فحسب، بل يعكس قلقاً حقيقياً لدى الآلية، وهي تستعد لعقد جولة ختامية لتسوية أزمة السُّودان، تحـفّ بها احتمالات فشلٍ، تخيب بعدها من كل جانب، فيما يراها السودانيون حبل الأمل الأخير لحلّ مأساة بلادهـم.

لعلَّ الأنسب أن تسارع الآلية الرباعية بشأن السودان، وفي مستواها الوزاري، إلى مراجعة ملفاتها لمزيد من التشاور

لعلَّ الأنسب أن تسارع الآلية، وفي مستواها الوزاري، إلى مراجعة ملفاتها لمزيد من التشاور، ولتدارس إمكانية أن يكون للسودان وجود في تلك الآليـة، حتى لا تكون هنالك حجّة بأن حلولاً تُفرض على السودان من أطراف خارجية.

(5)

لن يضير الدبلوماسية الأميركية ما يشينها إن تواصلتْ، بداية، مع السّـفارة السُّـودانية المُعتمدة في واشـنطن، ومن ثمّ يستتبع ذلك لقاءً وزارياً لأعضاء الآلية الرباعية، ليقرّر قبول من يمثل حكومة السودان عضواً في الآلية أمراً واقـعاً، ومن ثمّ تعديل اسم الرباعية إلى خماسية. يستتـبع ذلك السيناريو جلـسةً يمكن أن تبتدرها جهـود عربية/ أخـوية لتسوية ما بين الإمارات والسودان، ولن يكون ذلك عسيراً بوجود طرفـين عربيين مؤثِّرين، مثل السعودية ومصر. ويمكن لذلك التصوُّر أن يحقق نجاحا أكيداً لجهود الآلية، إذ هي وســيلة وجماع أساليب، تمهّد لفتح طاولاتٍ للحوار وللتفاوض وللتسويات.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى