الرقة والحسكة على خريطة الانتخابات.. ارتياح شعبي ورسالة طمأنة من اللجنة العليا

سامر العاني

بعد أسابيع من الجدل الذي أثاره قرار إرجاء الانتخابات في محافظتي الرقة والحسكة، أصدرت اللجنة العليا للانتخابات في سوريا القرار رقم (30) لعام 2025، والذي يقضي بتشكيل لجان فرعية للإشراف على العملية الانتخابية في بعض مدن وبلدات المحافظتين، أبرزها رأس العين، الرقة، وتل أبيض.

القرار، الممهور بتوقيع رئيس اللجنة العليا محمد طه الأحمد، يعد رسالة رسمية لإعادة الثقة وطمأنة السكان بأن المشاركة السياسية حق لا يمكن تجاوزه، حتى في المناطق التي تعاني “ظروفًا خاصة”.

من الجدل إلى القرار

البداية كانت مع قرار سابق للجنة يقضي بإرجاء الانتخابات في الحسكة والرقة بداعي “صعوبات أمنية ولوجستية” والذي أثار استياءً واسعًا بين سكّان المحافظتين، إذ اعتبروا أنه يرسخ شعورًا بالتهميش والعزلة السياسية.

غير أن الضغوط الشعبية والإعلامية، دفعت اللجنة العليا إلى إصدار قرارها الجديد الذي يفتح الباب أمام مشاركة أبناء المحافظتين في الاستحقاق النيابي.

القرار رقم (30) نصّ على تشكيل لجان فرعية للإشراف على العملية الانتخابية، وفق الآتي:

  • الدائر الانتخابيّة في مدينة رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة، تشكّل فيها لجنة تضم عددًا من القضاة والمحامين المحليين، أوكلت إليهم مهمة إدارة العملية وضمان نزاهتها.
  • الدائرة الانتخابيّة لمدينة الرقّة تشكّل فيها لجنة مكونة من شخصيات قانونية واجتماعية، كلّفت بتأمين مراكز الاقتراع ومتابعة سير العملية.
  • الدائرة الانتخابيّة لمدينة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقّة تشكّل فيها لجنة محلية من ثلاثة أعضاء، عهد إليها تنظيم العملية وضبط آليات التصويت.

كما شدد القرار على أن عمل هذه اللجان سيكون خاضعًا للرقابة المباشرة من اللجنة العليا، وأنها ستقدّم تقارير يومية حول سير العملية، وحدد تاريخ بدء العمل في 10 من أيلول 2025.

ارتياح حذر

إعادة تفعيل الانتخابات بثّ شعور بالارتياح لدى أبناء تلك المدن، إذ اعتبروا أن صوتهم أصبح مسموعا لدى المعنيين، وأنّ مشاركتهم تمثّل جزء من الشعور بالاهتمام في تلك المحافظتين

يقول الناشط سلمان الأحمد، من محافظة الحسكة، لموقع “تلفزيون سوريا” إنّ القرار الأخير خفّف كثيرًا من شعور العزلة الذي ولّده استبعاد المحافظة في المرة الأولى، الناس هنا يريدون أن يشعروا بأن أصواتهم مسموعة، حتى لو كان التصويت في نطاق محدود.”

أما في تل أبيض، فقد أوضح الوجه الاجتماعي خالد الحمود أن إعادة فتح باب المشاركة “يمنح أبناء المنطقة شعورًا بالانتماء السياسي”، مشددًا على أن “البقاء على هامش المشهد الوطني لم يعد مقبولًا.”

وفي الرقة، علّق عمار الحسين، أن القرار الأول ترك أثرًا سلبيًا كبيرًا، لكن التراجع عنه يثبت أن صوت الناس يمكن أن يُسمع. وهذه نقطة مهمة في ظل الظروف الحالية.”

اللجنة العليا تؤكد التمثيل العادل

وحول قرار إرجاء الانتخابات وإعادة تفعيلها أوضح رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا، محمد طه الأحمد، في تصريح خاص لموقع “تلفزيون سوريا” أنّه “في البداية، تم تأجيل الانتخابات في كل من الرقة والحسكة بسبب عدم تلقينا ردًا من اللجنة المخولة بالتفاوض بين الحكومة السورية و”قسد”. ومن منطلق الحرص على عدم التأثير في مسار المفاوضات الجارية وعدم إعطاء أي ذرائع لتعطيل اتفاق آذار، قررنا التأجيل.

ولفت إلى أنّه لاحقًا ومع ازدياد الضغوط الشعبية من أبناء المحافظتين المطالبين بحقهم في المشاركة، جرى التواصل معهم عبر لقاءات مباشرة ومتكررة، وتم الاتفاق على إجراء الانتخابات في الأجزاء المحررة من الرقة والحسكة وفق المقاعد المخصصة لهما.

وشدّد على أنّهم يدركون أن بيئة الانتخابات يجب أن تكون آمنة وحرة ونزيهة وشفافة، بعيدًا عن أي تدخل في تشكيل اللجان الفرعية أو في اختيار المرشحين أو في عملية التصويت وفرز الأصوات، مضيفا “لقد شهدنا في تجارب سابقة، مثل امتحانات الشهادات العامة، صعوبات في ضمان النزاهة، ولم نرد تكرار ذلك في العملية الانتخابية، ولهذا جاء قرار التأجيل”.

وأكّد على أنّه انطلاقًا من التزامهم بتمثيل كل السوريين، فإنهم مستعدون — إذا استمر التعنّت ومنعت اللجنة العليا من دخول هذه المناطق — للنظر في إجراء الانتخابات في باقي الدوائر الخاضعة لسيطرة الدولة السورية.

وأكّد على أنّ “هدفنا الأساسي هو أن يحظى أبناء الرقة والحسكة بتمثيل عادل وحقيقي في مجلس الشعب، باعتباره مؤسسة تمثل جميع السوريين بمختلف مكوناتهم. هذه الخطوة ستعزز شرعية المجلس، مع التأكيد على أن مقاعد المحافظتين محفوظة، وأن الشرعية قائمة طالما أن حصتهما الانتخابية مضمونة.”

من النزوح إلى الانقسام

رغم صدور القرار وتحديد اللجان، فإن الواقع الميداني يطرح تحديات كبيرة مثل، النزوح السكاني، فمئات آلاف من أبناء الحسكة والرقة يعيشون خارج مناطقهم، كيف ستُتاح لهم المشاركة والتمثيل؟ وأيضا الانقسام العسكري، فوجود قوى متعدّدة للسيطرة على الأرض قد يعرقل تنظيم الانتخابات، فضلا عن البنية التحتية التي تزيد من صعوبة إجراء انتخابات في تلك المناطق.

ومع ذلك فإن قرار اللجنة لا يُقرأ فقط باعتباره إجراءً إداريًا، بل باعتباره فرصة لإعادة بناء الثقة، إذا نجحت العملية في إيصال رسالة جدية للسكان، فإنها قد تفتح الباب أمام توسيع العملية تدريجيًا لتشمل كل مدن وبلدات المحافظتين، وإشراك منظمات المجتمع المدني في الرقابة، لتعزيز الشفافية، وربط المشاركة بخطط تنموية تجعل الناس يشعرون بأن صوتهم الانتخابي يقترن بتحسن حياتهم اليومية.

تجارب سابقة واختبار جدية الدولة

التجارب الدولية تبيّن أن إشراك المناطق المهمشة في العملية الانتخابية يمكن أن يكون خطوة نحو الاستقرار، ففي رواندا بعد الحرب الأهلية، شكّلت الانتخابات المحلية رافعة لإعادة بناء الثقة، إذ لم تُطرح كإجراء شكلي، بل كخطوة لإعادة جميع الأطراف إلى ساحة المشاركة السياسية، ورغم الانتقادات لهيمنة السلطة المركزية، فإن العملية الانتخابية فتحت الباب أمام عودة المواطنين إلى الشعور بأن لهم صوتًا يمكن أن يغيّر.

يتساءل الوجه الاجتماعي خالد الحمود، هل سيكون هذا القرار مجرد “رسالة رمزية” لإرضاء الأهالي، أم بداية مسار جدي لإعادة دمج الحسكة والرقة سياسيًا؟ مؤكّدا على أن الخطوة إيجابية، لكنها تحتاج إلى متابعة عملية، وخطوات إضافية تثبت أن الدولة جادة في فتح الباب لمشاركة حقيقية.

خطوة أولى على طريق طويل

يمثّل القرار رقم (30) لعام 2025 نقطة تحوّل في التعاطي مع ملف الانتخابات في الحسكة والرقة، فهو يفتح نافذة جديدة للمشاركة، ويؤكد رسميًا أن لا تهميش بعد اليوم، لكن نجاحه مرهون بقدرة الدولة على تحويل الوعود إلى واقع، وضمان أن المشاركة لن تبقى شكلية أو محدودة.

وبينما ينظر الأهالي إلى الخطوة كإشارة إيجابية، يبقى الأمل أن تسهم هذه الانتخابات إلى تعزيز الثقة بين الدولة وأبناء المنطقة الشرقية، وأن تكون بالفعل بداية مرحلة جديدة من المشاركة الوطنية الجامعة.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى