
منذ لحظة التحرير، عاشت مدينة حمص حالة من التفاؤل المرتبط بتوقعات اقتصادية عالية، حيث ربط السكّان هذا التفاؤل بانتهاء الإتاوات، فتح الأسواق، وتدفق البضائع، واتساع مجالات العمل وحركة التجارة.
لكن بعد مرور الوقت، تكشّفت الصورة الاقتصادية لتكون أكثر تعقيداً، فبينما شهدت مدينة حمص بعض التحسّن، ظلت العديد من التحديات قائمة، ليندمج الانفتاح مع الأزمات، والتحسن مع التراجع، والحركة مع الركود.
أجرى موقع تلفزيون سوريا سلسلة لقاءات مع سكّان حمص وفعاليات تجارية ومهنية لتقديم صورة أكثر دقة عن واقع السوق بعد التحرير، حيث شهدت المدينة تحوّلاً اقتصادياً سريعاً، كان له تأثير مباشر على حياة الناس اليومية.
“تأثير تحرير حمص على التجارة والأسواق”
في مقابلة مع موقع تلفزيون سوريا، وصف محمد -أحد أصحاب محال السمانة- التحوّلات التي حدثت بعد التحرير، قائلاً: “خلال سنوات سيطرة نظام المخلوع، كنّا ندفع مبالغ ضخمة كإتاوات يومية، مما كان يستنزف أرباحنا ويحول عملنا إلى مجرد بقاء”.
بعد التحرير، توقّف دفع هذه الإتاوات، وأصبح ربحهم يعود مباشرة إلى المنزل، لكنه أشار إلى استمرار تقلب الأسعار كمشكلة مستمرة، مشيراً إلى أنّ سعر الفروج وصل في أحد الأيام إلى 95 ألف ليرة، ليهبط بعدها إلى الثلث، وهو ما يعتبره فارقاً كبيراً.
وتكرّر هذا الحال مع العديد من السلع الأخرى، حيث شهدت الأسواق دخول بضائع جديدة لم تكن متوفرة سابقاً، مما أدى إلى انخفاض الأسعار وزيادة العرض.
“تضخم وفوضى في التسعير”
من جانبه، يرى حازم -أحد التجار في حمص- أنّ التضخم اليوم يعد أمراً طبيعياً بالمقارنة مع الأعوام الماضية، حيث كان التضخم يتزايد بشكل مستمر.
لكنّه أشار إلى أن الفارق السعري بين المحال المختلفة في بيع نفس السلعة قد يتجاوز آلاف الليرات، ما يخلق فوضى في التسعير ويؤثر سلباً على استقرار السوق.
وأضاف حازم، أنّ بعض التجار قد يلجأون للمضاربات لكسر أسعار المنافسين، مما يفاقم من معاناة المستهلكين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
تساؤلات حول العدالة الاقتصادية والدعم للمحتاجين
وتشير أم محمد في حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا إلى نفس الإشكالية، متسائلة عن سبب تفاوت أسعار البيع بين محال المفرق رغم أن البضاعة تأتي من المصدر ذاته أو من نفس تاجر الجملة وبالسعر نفسه، مردفةً: “هذه الفوضى لا تقتصر على المواد الغذائية فقط، بل تشمل الألبسة، الأحذية، الخضار، الفواكه، والزيوت”.
بالنسبة لسوق الألبسة، فقد أفادت سعاد لموقع تلفزيون سوريا بأنّ الأسعار لم تنخفض بالشكل الذي كان متوقعاً، رغم تراجع سعر الصرف مقارنة بالعام الماضي وانخفاض التكاليف.
وأوضحت أن بعض المحال قد أطلقت عروضاً ضخمة لبيع الألبسة، إلا أن هذه التخفيضات لم تكن كافية لتلبية احتياجات شريحة واسعة من العائلات، التي ترى أن الأولوية اليوم هي تأمين الغذاء واحتياجات الشتاء.
عمر، أحد سكّان حمص- أّكد أن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الدولة، إلى جانب دور المنظمات التي تمثل مورداً مهماً، مضيفاً أنّ حمص من أكثر المناطق المتضررة بفعل الحرب.
وأشار عمر خلال حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، إلى ضرورة تقديم حلول اقتصادية عاجلة لدعم الأسر الفقيرة والعائلات المتضررة من الأزمة.
بدورها، تساءلت منوّر -إحدى سكّان حمص- عن مدى العدالة في الحملات الاقتصادية والمساعدات التي تُقدّم، مشيرة إلى أن معظم العائلات لا تجد الدعم الكافي رغم التبرعات الضخمة التي تُجمع من أجل دعم المدن. ودعت إلى تخصيص جزء من هذه التبرعات لدعم الأسر المحتاجة، وخاصة الأيتام والفقراء.
الوضع الأمني وتأثيره على استقرار الاقتصاد
وعلى صعيد الوضع الأمني، يقول فؤاد -أحد السكّان- إنّ الوضع الأمني في حمص يشكل عاملاً رئيسياً في استقرار الاقتصاد، إذ إنه “إذا لم يتحقق استقرار أمني حقيقي في جميع المناطق، سيبقى الاقتصاد هشاً”.
وأكّد لـ موقع تلفزيون سوريا، على ضرورة استقرار الأوضاع في المناطق كافة، وذلك من أجل بناء أسس اقتصادية قوية، مردفاً: “المرحلة الحالية هي مرحلة بناء”، كما طالب بضرورة محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري.
أمّا “إيفا” تقول: إنّ الوضع الاقتصادي في حمص بعد التحرير كان مبشراً في البداية، حيث انعكس ذلك على أسعار السلع وبعض الأعمال، لكن سرعان ما تراجع.
وتابعت: “الوضع ما يزال غير مريح للناس رغم زيادة الرواتب، حيث انخفضت القدرة الشرائية، كما تعطّلت العديد من الأعمال بسبب الوضع الأمني في بعض المناطق”، مؤكّدةً أنّ حمص بحاجة إلى انفراجات واقعية لتحسين الوضع.
“تنمية الريف ودعم المشاريع الصغيرة”
المهندس فراس اليماني، أشار لـ موقع تلفزيون سوريا، إلى أنّ توفير المواد بعد التحرير، نتيجة لغياب العوائق على الاستيراد، يعد خطوة إيجابية، مشدّداً على ضرورة وجود ضبط قانوني حقيقي لضمان استمرارية هذا التحسن.
وأضاف أن تحسين دخل الأفراد هو المعيار النهائي الذي سيحدد نجاح التحولات الاقتصادية، مشيراً إلى أن الاعتماد على المساعدات والمعونات لن يكون كافياً لحل المشكلة الاقتصادية بشكل دائم.
وتابع: “على الدولة دعم الريف والبدء بتنميته ودعم الزراعة لتخفيف استهلاك المدن وتقليل الهجرة إليها، بالإضافة إلى ضبط المعابر والرسوم على المواد التي تدخل إلى البلد”.
كذلك يرى “اليماني”، أنّ “الرسوم البسيطة، مثل رسوم النفوس (الأحوال المدنية)، يعد خطوة هامة لحماية خزينة الدولة من الاستنزاف، خاصة في ظل غياب الموارد الاقتصادية والأزمات الكبرى، أبرزها أزمة المياه التي قد تستنزف البلاد إذا لم تُعالج”.
“التحديات أمام إعادة الإعمار”
من جهته، اعتبر ياسر بلال، عضو الإدارة السابق في غرفة التجارة، أن تحريك عجلة الاقتصاد يتطلب تشجيع المشاريع الاقتصادية، إعادة الإعمار، وتنشيط الحرف الصغيرة والمتوسطة.
وأضاف أن غلاء المعيشة، الإيجارات المرتفعة، وارتفاع أسعار الدولار كلها عوامل تؤثر سلباً على القدرة الشرائية للأسر، مما يجعل العيش في حمص في حدوده الدنيا بالنسبة لمعظم العائلات.
يبقى واقع السوق في حمص بعد التحرير مزيجاً من الفرص والتحديات، حيث إن توفر البضائع وانخفاض بعض الأسعار لا يكفيان لتحسين حياة الأهالي ما لم يُرافق ذلك زيادة في الدخل واستقرار اقتصادي وأمني شامل.
الشهادات التي جمعها موقع تلفزيون سوريا من بعض الأهالي في حمص، تُظهر أن المرحلة الحالية تتطلب خططاً اقتصادية واضحة ودعماً حقيقياً لجميع شرائح المجتمع، وإلا فإن الوضع قد يزداد تفاقماً.
المصدر: تلفزيون سوريا





