الـــقــــضـــيـــة الــســـــوريـــة عــنـــوان أجـــــنــــدة نــيـــويـــــــورك 2015

محمد خليفة 

رغم مظاهر ضعفها الموضوعية تثبت القضية السورية انها (قضية عالمية قوية) لا يمكن للمجتمع الدولي تجاوز استحقاقاتها مهما أهمل معالجتها . لا أدل على ذلك أنها اصبحت عنوان أجندة نيويورك لهذا العام, في الدورة السبعين للأمم المتحدة, فقد كانت محور كلمات رؤساء الدول على منبر الجمعية العامة بلا منافس, من باراك أوباما الى فلاديمير بوتين إلى فرانسوا هولاند, ومن الشيخ حسن روحاني الى الآخرين, وكانت القضية الأولى التي استقطبت أكبر قسط من الاهتمام والجهد, وتغلغلت في جميع المناقشات التي دارت داخل الأروقة, اكثر من أي قضية أخرى بما فيها قضية العرب التاريخية فلسطين.

وهي بالمناسبة دورة غير عادية, لأنها الدورة السبعون منذ إنشاء المنظمة الدولية. لذلك يشارك فيها 150 رئيس دولة وحكومة, وعلى جدول أعمالها 170 ملفاً تشمل أبرز المشاكل الدولية: البيئة والمناخ, حقوق الانسان, الهجرة, اصلاح الأمم المتحدة, الارهاب, الازمات الاقليمية, الامن والسلام الدوليان.. إلخ.

الأوضاع في سورية احتلت المرتبة الأولى من الملفات الدولية الملحة.

في ملف (الارهاب الدولي) تعتبر سورية البؤرة الرئيسية له في العالم في هذه المرحلة.

وفي ملف (حقوق الانسان) تعتبر جرائم نظام بشار الاسد المثال الأكثر وحشية لانتهاكات حقوق الانسان في العالم أيضاً.

وفي ملف (الهجرة) تعتبر موجات الهجرة السورية الى الدول المجاورة واوروبا الشغل الشاغل الآن لعشرات الدول التي تأثرت بها.

وفي ملف (السلام في الشرق الأوسط) تفوقت الأزمة السورية على الأزمات الاقليمية بما فيها الفلسطينية والعراقية واليمنية.

وفي ملف (الأزمات الاقليمية) سبقت الازمة السورية كل الأزمات الاقليمية من أفغانستان الى الصومال الى أوكرانيا.

وحتى في ملف (البيئة والمناخ) تحجز الحالة السورية موقعاً كمشكلة بيئية بعد أن اثبتت تحقيقات المنظمات واللجان الدولية أن استعمال الأسلحة الكيماوية في سورية مستمر, فضلاً عن أن العنف العشوائي المفرط ألحق أضراراً هائلة بالبيئة والنبات والغابات.

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف نظم اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية عنوانه بحث سبل مكافحة الارهاب, ولكن هدفه حشد التأييد للمبادرة الروسية الرامية لتشكيل تحالف دولي يضم الاسد وايران والنظام العراقي ضد تنظيم الدولة الاسلامية وبعض فصائل الثورة السورية.

أما الرئيس الاميركي اوباما فنظم مؤتمراً على مستوى الرؤساء لبحث القضية نفسها في اطار أوسع يشمل تجفيف منابع الارهاب, وتجنيد المقاتلين, وملاحقة المتورطين أفراداً ومنظمات. وكذلك سرقة الآثار وتهريبها.

السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون ينظم اجتماعاً على مستوى رؤساء الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن لدعم خطة مبعوثه الى سورية ستيفان دي ميستورا.

قمة اوباما وبوتين بحثت بشكل رئيسي المسألة السورية.

المانيا تنظم اجتماعاً بين الدول السبع الكبار والدول الخليجية الست لمناقشة قضايا اللجوء والهجرة السورية.

والسكرتير العام دعا لاجتماع اوسع لمناقشة قضية (الهجرة) على المستوى العالمي.

وينظم السكرتير العام اجتماعاً خاصاً تحت عنوان ((يجب ألا ننسى لبنان)) لمساعدته على تحمل أعباء اللاجئين السوريين.

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في اليوم الأول للدورة قدم للشعب السوري لفتة معنوية طيبة باستقباله لوفد (الائتلاف الوطني) برئاسة خالد خوجة, ثم أكملها بموقف سياسي قوي في كلمته أمام الجمعية ((الاسد هو أصل المشكلة في سورية ولا يعقل أن يكون جزءاً من الحل, والمرحلة الانتقالية تقتضي أن يتنحى عن الحكم)), وهو بذلك حسم الشكوك والتكهنات حول الموقف الفرنسي بعد أن أوحت تصريحات وزير خارجيته لوران فابيوس في الأيام الأخيرة بتغير سلبـي في الموقف الفرنسي الذي احتفظ بريادته على المستوى الاوروبي. أي أن هولاند أعاد تثبيت الموقف الفرنسي على محوره الاصلي.

ومثل هولاند فعل الرئيس اوباما الذي أعاد تثبيت الموقف الاميركي من الاسد فأعاد وصفه بالطاغية والديكتاتور المتوحش, وحمله مسؤولية الأزمة وقتل مواطنيه, وتهجيرهم. وبينما أكد مرونته العملية بالتعاون مع روسيا وايران لإيجاد حل سياسي فقد أكد تمسكه المبدئي بحل يقوم على التغيير ولا يكون للأسد دور في مستقبل سورية أو في المرحلة الانتقالية. عبارات واضحة وقوية بمواجهة اصرار بوتين على تثبيت الطاغية بأي ثمن ووسيلة بما فيها التدخل العسكري الكامل. ولكن كلمات اوباما التي اعادت صورته كرجل مبادىء, تفتقر للمدلول العملي لرجل سياسة وقيادة, وستفقد قيمتها إذا بقيت خطاباً نظرياً لا تترجمه الآليات التنفيذية لمعالجة الأزمة, خصوصاً أنه بضعفه يتحمل القسط الأعظم من المسؤولية السياسية والادبية عن استفحالها حتى أصبحت تراجيديا عالمية وتاريخية كبرى.

كلمة بوتين أشبه بمرافعة محام خسيس عن مجرم اقترف أحط الجرائم الموصوفة, ومع ذلك يجد المحامي الجرأة لطلب العفو عن موكله ويمتدح سلوكه ويطالب قضاة الأمم المتحدة بمكافأته!

الرئيس روحاني اجتر في كلمته الخطاب الايراني التقليدي المتسم بالازدواجية الصارخة, وكرر أكاذيبه الدبلوماسية التي تتبنى أسمى المبادىء والشعارات, بينما تمارس في الواقع أخطر وأسوأ التصرفات والسلوكيات الارهابية في المنطقة بالتحالف مع بوتين والاسد.

القضية السورية عنوان أجندة نيويورك 2015, وعنوان الدورة السبعين للأمم المتحدة بلا منافس, ما يعني أن العالم كله سيرزح تحت ثقل وزرها حتى يصحح سلوكه السياسي ويجد حلاً يوافق الشرعية التي قامت عليها الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

===========================================

المصدر: هذا المقال منشور في مجلة الشراع اللبنانية , العدد 295 الصادر في 2-10-2015

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى