
لا يزال المشهد التونسي يشد اهتمام المراقبين، نظراً إلى حالة الاحتقان التي تعيشها البلاد منذ أشهر. ويبدو أن الحالة السياسية في الأسابيع المقبلة ستزداد توتراً وتصدّعاً على أكثر من صعيد. فمن جهةٍ، هناك حراك سياسي وحقوقي متصاعد، رافض تجريم المعارضة والنشاط الجمعياتي، ومن جهة أخرى، يتواصل الاستعداد للإضراب العام الذي قرّره الاتحاد يوم 21 الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني). كذلك تتوالى الضغوط الاجتماعية بوتيرة متسارعة، خصوصاً في ولاية قابس التي بقي وضعها البيئي على حاله رغم تواتر الوعود. وقد استعرض التقرير السنوي لرابطة عن حقوق الإنسان أبرز الانتهاكات التي سجلت في هذا السياق، ودعت ممثلي المجتمع المدني إلى تقديم شهادات جريئة يوم السبت الماضي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
في هذه الأجواء الساخنة، دعا بعضهم إلى نقاش في مسألة حساسة وهامة، تتعلق بسؤال يؤرّق كثيرين: “ماذا سيفعل التونسيون عندما يحصل شغور فجائي في منصب رئاسة الجمهورية؟”. لا يعني ذلك أن رئيس الدولة مريض بمرض خطير لا قدر الله، ولكن بحكم أن السؤال يبقى مشروعاً، وقد سبق طرحه في مناسبات سابقة، وتحديداً عندما غادر الرئيس بن علي البلاد من دون أن يعلن استقالته. في ذلك الوقت، أصدر المجلس الدستوري قراراً اعتبر فيه أن “الشروط الدستورية توفرت لتولي رئيس مجلس النواب فوراً مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة”، وهو ما أنقذ البلاد من ورطةٍ كادت أن تدفع بها نحو نهاية دامية. ثم طرحت المسألة عندما توفي الرئيس الباجي قائد السبسي قبل نهاية حقبته الرئاسية. عندها حصل التداول السلمي على السلطة بطريقة حضارية ومن دون حصول نزاع. وعاد هذا الهاجس ليطرح. فالرئيس قيس سعيد لم يهمل هذه المسألة الخطيرة في دستوره الذي صاغه بنفسه، والذي نص فيه على أن رئيس المحكمة الدستورية هو الذي تنقل إليه السلطة في حال حصول العجز الرئاسي بصفة جزئية أو كلية، لكن الأمر بقي مفتوحاً دون متابعة، حيث لم يقع تعيين المحكمة الدستورية. ولهذا السبب لا توجد صيغة متفق عليها من جميع الأطراف، لمواجهة هذه الفرضية الخطيرة المتعلقة بنقل السلطة. ويزداد هذا الاحتمال خطورة بسبب الانقسام الحاد داخل الساحة التونسية منذ 25 يوليو/ تموز 2021، الذي جعل عضو اللجنة التفسيرية لقيس سعيد أحمد شفطر يصف المشاركين في المسيرات ضد السلطة، وهم من مختلف التيارات، بـ”الكلاب السائبة”. لهذا من المستبعد أن يسلم هؤلاء الأنصار بسهولة الحكم لخصومهم، وسيصرّون على أن يكون الرئيس المؤقت المفترض هو رئيس البرلمان الموالي لسعيّد، فيما يتوقع أن ترفض المعارضة ذلك السيناريو، بعد أن ألقي زعماؤها في السجون.
رسمياً، لم يقع التعليق على هذا الجدل الدائر بشأن مسألة الشغور، الذي تعتبره السلطة موضوعاً غير ذي بال. وقد ترى في الذين يطرحونه حالياً بأنهم يحاولون التشكيك في السلامة الجسدية للرئيس سعيّد، حتى يشيعوا حالة من الخوف والارتباك في صفوف التونسيين، خدمة لمصالحهم الشخصية والحزبية. وبناءً عليه، لا يُستبعد حالياً الشروع في إرساء المحكمة الدستورية التي نص عليها الدستور 1922. كذلك لا ينوي رئيس الدولة التفكير في تعيين نائب له لمساعدته على تسيير شؤون الدولة عند الاقتضاء، لأنه لا يؤمن بأن يشاركه أحد في السلطة، إلى جانب أن من شأن بعث منصب من هذا القبيل تغذية الصراع في صفوف أنصاره، وقد يحد من نفوذه ومن صلاحياته المطلقة.
ستبقى مسألة الشغور الرئاسي مطروحة طوال الأسابيع والأشهر المقبلة، بحكم أنها مسألة مبدئية تتعلق بمستقبل البلاد ومصالح العباد. لهذا تعتبر إقامة محكمة دستورية من المهام العاجلة، بقطع النظر عن الصراع الدائر حالياً بين السلطة والمعارضة. ورجل مثل قيس سعيّد، بحكم مسؤولياته واختصاصه في مجال القانون الدستوري، ومعرفته بتجارب الشعوب التي عانت من معضلة انتقال السلطة، لا يتوقع منه أن يترك بلاده تسقط في الفوضى وعدم الاستقرار.
المصدر: العربي الجديد






