
مرّت الذكرى السابعة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تزامناً مع الذكرى الأولى لتغيير 8 كانون الأول/ديسمبر في سوريا، التي كشفت ظاهرة القادة الشعبويين وسياساتهم المتطرفة. وفي سياق الذكرى تم تنظيم فعاليات خاصة في قصر الأمويين بدمشق، بالتعاون بين وزارة الخارجية ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تعبيراً عن الرغبة الرسمية في بناء سوريا الجديدة بعد السنوات الـ 54 لسلطة آل الأسد التي شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان السوري. ولكنّ تناقضاً صارخاً مع هذا التوجه لمسه السوريون من خلال خطبة يوم النصر للرئيس المؤقت أحمد الشرع، حيث ظهر ” خليفة لله على الأرض ” حين ذكّر بخطاب الخليفة الراشدي الأول، ممزوجاً بتهديد الخارجين عن طاعته.
في حين أننا في هذه الذكرى نعيش الجيل الثالث من هذه الحقوق: الأول بدأ مع الإعلان في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948، والثاني في الستينيات من القرن الماضي بالتركيز على العهدين الدوليين بخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أما الثالث فهو ينادي بالحقوق الجماعية لكل الشعوب والأمم.
لقد كان الإعلان أول ميثاق دولي هام يجمع عليه العالم بعد الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة، ومن يطّلع على هذا الإعلان يجد فيه كثيراً من حقوق الإنسان الأساسية: الحق في الحياة، والأمن، والحرية، والصحة، والتعليم، والعمل، والكرامة الإنسانية. ويعتبر وثيقة تاريخية أعلنت حقوقاً غير قابلة للتصرف، يُفترض أن يتمتع الإنسان بها، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر.
وفي هذه الذكرى يجدر التأكيد على كونية وشمولية هذه الحقوق، فكونية حقوق الإنسان تعني أنّ تبلور هذه الحقوق أو تضمينها في الشرعة العالمية هو ثمرة لكفاح الإنسانية عبر التاريخ في مواجهة جميع أشكال الظلم، ونتاج لتلاقح وتفاعل الثقافات الكبرى عبر الزمان، بما في ذلك الحضارة العربية – الإسلامية، كما تعني أيضاً أنه لا يجوز استثناء أحد، في أية منطقة أو في أي نظام ثقافي، من التمتع بهذه الحقوق، فهي كونية لأنها ترتبط بمعنى الإنسان ذاته وبغض النظر عن أي اعتبار.
لقد مثّل صدوره (10 ديسمبر/كانون الأول 1948) لحظةً تاريخيةً وتأسيسيةً في تطور المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، فقد كان بمنزلة صحوة ضمير كونية، في ظل ما خلّفته الحربان العالميتان، الأولى والثانية، من مآسٍ وويلات، وفي الوقت نفسه، جسّد تطلع الإنسانية إلى أفقٍ جديدٍ، يُصان فيه السلم والأمن الدوليان، انسجاماً مع ميثاق الأمم المتحدة، حديث العهد آنذاك.
ولكن، في الوقت الذي تبلورت فيه منظومة حقوق الإنسان، فإنّ الواقع الملموس يكشف عن هوة واسعة بين هذا التبلور النظري، وبين الصعوبات والعراقيل المناهضة لهذه الحقوق. فقد كانت المجموعة الدولية شاهدة خلال السنوات الأخيرة على حقيقة أنّ حماية كرامة الإنسان وحرمته الجسدية والمعنوية مرتهنة إلى حد بعيد بأولويات السياسة الدولية، التي تغطي على انتهاكات الأنظمة الاستبدادية. وفي هذا السياق نتساءل: إلى متى سينتظر السوريون عدالة انتقالية تحاسب مجرمي سنوات الجمر في عهد الهارب بشار الأسد، وكذلك منتهكي حقوق الإنسان السوري في مجزرتي الساحل والسويداء، بما يفتح الأفق لسلم أهلي مستدام؟
إنّ تحقيق أماني الشعب السوري في الحرية والكرامة، وضمان حقوقه الأساسية التي أقرتها الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، يتطلبان من قيادة المرحلة الانتقالية تفعيل مبادئ هذه الشرعة، وليس مجرد احتفال رمزي بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بل من خلال ضمان الحريات الفردية والعامة، والتشاركية السياسية والمجتمعية، والمواطنة المتساوية لجميع مكوّنات الشعب السوري، وإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية الجديدة من خلال التوظيف المجدي لكل الموارد الاقتصادية والبشرية، في ظل حوكمة رشيدة تقوم على أساس الشفافية والرقابة والمحاسبة.
إنّ مصداقية قيادة المرحلة الانتقالية مرهونة بمدى رغبتها في تنفيذ إصلاحات جوهرية لمجمل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، على قاعدة التشاركية والحياة السياسية التعددية. ولعلَّ هذه المشاركة الرمزية في اليوم العالمي لحقوق الإنسان تفتح أفق عملية انتقال سياسي حقيقي، تلبي حاجات السوريين إلى التغيير، وفي الوقت نفسه تلبي متطلبات المجتمع الدولي التي وردت في قرار مجلس الأمن 2799.
المصدر: تلفزيون سوريا






