كيف ستتصرف “قسد” عند اندلاع أي مواجهة سورية – إسرائيلية؟

سمير صالحة

تبحث إسرائيل منذ لحظة سقوط نظام الأسد في مطلع كانون الأول من العام الماضي عن فرص لتسجيل اختراقات ميدانية، أمنية، سياسية، واقتصادية تجاه المكونات السورية الموصوفة بالأقليات. فهي تسعى لذلك مع المكون الدرزي على حدودها الجنوبية، ومع المكون الكردي في مناطق شمال شرقي سوريا عبر تسجيل اختراقات في الخط الجغرافي الفاصل. في حين تترقب نجاح جهود التواصل مع المكون العلوي في مناطق الساحل المطل على حوض شرق المتوسط.
وبقدر ما تركز تل أبيب على فعل ذلك ميدانيا في سوريا، وتعطي الأولوية للصفقات الاستراتيجية طويلة المدى مع “قوات سوريا الديمقراطية “، تتحرك منذ زمن بعيد عبر التواصل مع هذه المكونات وتياراتها وأجنحتها في الخارج خصوصا في العواصم والمدن الغربية.
من هنا، لم يعد التصعيد الإسرائيلي في الساحة السورية خطوة تكتيكية مبعثرة، بل أصبح تحركاً منظماً يهدف إلى تغيير التوازنات والوصول إلى البنى ووضع قواعد اشتباك وفتح أبواب لترتيبات أمنية وسياسية جديدة. لكن أبرز ما يقلق تل أبيب ويقف في طريقها اليوم هو تقارب مواقف واشنطن وأنقرة ودمشق بشأن مستقبل سوريا وتفاهمات محتملة مرتبطة بملف “قسد”  والوضع في شمال شرقي سوريا.
تدرك “قسد”، التي تراقب المشهد بحذر، أن ساعة الصفر تقترب يوماً بعد يوم، وأن محاولة إطالة عمر المفاوضات مع دمشق حول تفاصيل اتفاقية العاشر من آذار لم تعد مجدية. عليها البحث عن خيارات بديلة أبعد من الرهان على إسرائيل أوغيرها ولكن ليس خارج الحدود السورية.
فكيف ستتصرف مثلا عند اندلاع أي مواجهة سورية–إسرائيلية أو تركية–إسرائيلية؟ هل ستتمكن من التلطي خلف مناورات التفاهمات المؤقتة، أو الاحتماء بالمسافة الرمادية التي اعتمدتها لسنوات، معتمدة على صراعات الآخرين والدعم الأميركي لها مقابل البقاء في موقع المتفرج؟
يتغير المشهد السوري بسرعة مذهلة. تطرق إسرائيل أبواباً جديدة، وتبحث دمشق عن سبل إغلاق ثغرات قديمة. وفي قلب هذا المشهد، تجد “قسد”  نفسها أمام جملة من الأسئلة الصعبة التي لم تعد قابلة للتأجيل:
لمن ستنحاز إذا انفجرت الجبهة؟ هل ستقف إلى جانب الدولة السورية،في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية؟ أم ستتمسك بالحياد الذي اعتمدته لسنوات؟
هل ستُغرى بوعود تل أبيب ومساراتها الجديدة داخل المشهد السوري، أم ستلتحق بمعركة الدفاع عن الأرض السورية؟ وإلى أي خيارات أخرى قد تلجأ عند تراجع الدعم الأميركي وبروز حسابات سورية جديدة؟
لا يمكن فصل مأزق قوات سوريا الديمقراطية اليوم عن تقاطع الإشارات الصادرة في آن واحد عن واشنطن وأنقرة وتل أبيب. تصريحات قيادات “قسد” في الصحافة الإسرائيلية، وتمسّكها بدور لتل أبيب في مستقبل المشهد السوري، لم تعد مجرد تفاصيل إعلامية، بل مؤشرًا سياسيًا أثار قلقًا واسعًا على المستويين السوري والإقليمي.
لا يمكن فصل مأزق قوات سوريا الديمقراطية اليوم عن تقاطع الإشارات الصادرة في آن واحد عن واشنطن وأنقرة وتل أبيب. تصريحات قيادات “قسد” في الصحافة الإسرائيلية، وتمسّكها بدور لتل أبيب في مستقبل المشهد السوري، لم تعد مجرد تفاصيل إعلامية، بل مؤشرًا سياسيًا أثار قلقًا واسعًا على المستويين السوري والإقليمي.
في المقابل، باتت واشنطن ترى دمج “قسد” ضمن البنية العسكرية والأمنية للدولة السورية شرطًا أساسيًا لإنتاج بيئة أكثر استقرارًا وأقل قابلية للاهتزاز، في ظل مسار رفع العقوبات وإعادة التأكيد على وحدة وسيادة الأراضي السورية.
أما أنقرة، فقد عبّرت بوضوح عن رفض أي دور إسرائيلي قرب حدودها، معتبرة أن ابتعاد “قسد” عن تعهدات اتفاق العاشر من آذار يقوّض الثقة ويهدد الاستقرار، محذّرة من أن المسار الإسرائيلي لا يمكن أن يكون بديلاً عن تفاهمات إقليمية قائمة على وحدة الدولة السورية.
بين عرض إسرائيلي مغرٍ لكنه محفوف بالمخاطر، وضغط أميركي باتجاه الدمج، وتحذير تركي صريح، تجد “قسد” نفسها أمام لحظة حاسمة لم تعد تسمح بالمناورة أو شراء الوقت، وسط خيارات استراتيجية تحدد مستقبل دورها في سوريا.
ستتلمس “قسد” طريقها وسط كل هذه التساؤلات والتقلبات السريعة والمفاجئة عاجلا أم آجلا. هناك أولاً الخيارات الاستراتيجية الواجب اعتمادها أمام سيناريو المواجهة السورية–الإسرائيلية على الأرض السورية، وإلزامية الوقوف إلى جانب أحد الطرفين: الدفاع عن الدولة السورية أم محاولة الحفاظ على الحياد الذي اعتادته لسنوات، أو الانخراط مع إسرائيل واستغلال الفرص المتاحة. كل خيار يحمل طبعا تبعاته السياسية والعسكرية، ويستدعي تحليلاً دقيقاً قبل اتخاذ أي خطوة.
كل خطوة إسرائيلية في سوريا، وكل تفاهم سوري–تركي–أميركي، يضغط على “قسد”  لمراجعة موقفها. تطور الخيارات أمام “قسد” مرتبط بتغيرات المشهد على الأرض وبالتحركات الإقليمية والدولية. سيناريو المواجهة العسكرية مع إسرائيل يتركها أمام امتحان صعب، بعدما بنت كل حساباتها على احتمال التطبيع السوري الإسرائيلي وأخذ حصتها من دون أية تضحيات.
احتمال انخراط “قسد” في معركة مواجهة إسرائيل دفاعاً عن السيادة السورية، لا يضعها أمام اختبار إبراز قدراتها العسكرية فقط، بل سيمنحها فرص تعزيز موقعها على الخريطة السورية بما يرضي أكثر من طرف محلي وإقليمي. خيار آخر مثل الرهان على محاولة البقاء في موقع المتفرج، مع الاستفادة من الدعم الأميركي وصراعات الآخرين، وهو خيار اعتمدته خلال سنوات الثورة والتحرير، قد يسمح لها بالحفاظ على القوة الذاتية والمواقع الاستراتيجية، لكنه سينهي كل طروحاتها السياسية والدستورية والاجتماعية. الأخطر في كل ذلك هو إنخراطها في المعارك بجانب إسرائيل ضد الشعب السوري ومحاولة استغلال الفرص التي تقدمها تل أبيب لتعزيز نفوذها وموقعها، وهو ما يعني سقوط كل حساباتها الداخلية وتدمير علاقاتها داخل مكونات بنت خطط دمجها وتوحيدها منذ سنوات.
تدرك “قسد” أن كل خيار تعتمده سيكون له تبعاته وارتداداته على مشروعها السياسي وطموحاتها الإقليمية، سواء تعلق الأمر بالدفاع عن الدولة السورية، أو الحفاظ على حيادها التقليدي، أو الانخراط في المعركة إلى جانب إسرائيل. ورغم ذلك، قد يكون هناك سيناريو رابع تلجأ إليه “قسد” ، وتصنعه بنفسها لنفسها وهي تبحث عن محاولة موازنة علاقاتها في الداخل وتبديل نظرة البعض في الخارج.
تتصرف إسرائيل وفق استراتيجية طويلة المدى، تسعى من خلالها لتثبيت نفوذها في سوريا عبر استغلال المكونات المحلية والضغط على دمشق للقبول بصفقات أمنية وسياسية محددة. يهدف التصعيد العسكري الإسرائيلي المتواصل إلى تغيير قواعد الاشتباك وفرض وقائع جديدة على الأرض قبل أي تفاهمات سياسية.
أما دمشق، فهي تعمل على ضبط الحدود، وتعزيز مؤسسات الدولة، وإغلاق الثغرات التي قد تستغلها إسرائيل أو أي طرف آخر لتفتيت السيادة السورية. تراقب تركيا، من جهتها، الموقف عن كثب، موازنة بين مصالحها الإقليمية والضغوط الدولية، ومحاولة تقييم ما إذا كانت التحركات الإسرائيلية ستفتح المجال لتفاهمات جديدة أم لصراع مفتوح. في حين تواصل واشنطن لعب دور الوسيط، محاولة الحفاظ على توازن القوى بين حلفائها وضمان نجاح خطتها الإقليمية الجديدة، من دون أن تغفل عن المخاطر التي قد تنجم عن أي تصعيد.
ستجد “قسد”  أمام هذا المشهد السوري –الإقليمي الجديد صعوبة في الاستفادة من التوازنات التي أعطتها ما تريد لسنوات، لأن هذا التحول في المعادلات والمواقف الإقليمية، الذي بدأ بدونها، يحد بشكل كبير من فرصها للمناورة والتمسك بخياراتها ما عليها أن تفعله بعد الآن ليس خطوات تكتيكية، بل خيارات استراتيجية تحدد مستقبل مشروعها السياسي وطموحاتها الإقليمية.
الخيارات المتاحة أمام “قسد” ليست سهلة، وكل خيار يحمل تبعات سياسية وعسكرية واضحة ويعيد رسم الخرائط على حسابها. فكيف ستوازن بين مصالحها قصيرة المدى وطموحاتها السياسية والإقليمية؟
أي موقف ستتبناه سيعيد رسم حدود نفوذها ويؤثر في تحالفاتها وحساباتها الداخلية والخارجية. الخيارات أمامها محدودة، لكنها ليست معدومة.
الزمن الذي صنعت فيه “قسد”  فائض القوة قد انتهى.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى