هل خيب بوتين آمال ترامب؟

معقل زهور عدي

في ظهورهما المقتضب بعد انتهاء المحادثات في آلاسكا بدا ترامب يكاد لايخفي شعوره بالخيبة , وكأنه الخاسر في الرهان , بينما كان بوتين في قمة نشوته وشعوره بتحقيق إنجاز كبير .

لم يكن ترامب يجهل مكر بوتين وصلابته المعروفة , لذا لم يكن يراهن على الكثير , ورغم أنه عبر مرارا عن قدرته على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا خلال أيام , فقد تيقن من خلال المحادثات التمهيدية التي سبقت لقاءهما الذي كان ينتظره العالم أن بوتين لن ينهي الحرب سوى بعد أن يحصل على مكاسب تعادل تفوقه في الميدان على الأقل .

بالتالي فقد قلص ترامب مطلب إنهاء الحرب إلى وقف إطلاق النار وابرام هدنة مؤقتة تريح اوكرانيا المنهكة بصورة مأساوية , وتضع الدولتين على طاولة مفاوضات هادئة لاتسمع فيها أصوات قصف الصواريخ لكييف أو أصوات أقدام الجيش الروسي وهو يواصل تقدمه في عمق الأراضي الاوكرانية .

لكن بقدر ماكان ترامب كريما في استقبال بوتين استقبالا ملكيا بكل الحفاوة والاحترام كزعيم عالمي بعد أن وجهت إليه محكمة الجنايات الدولية أمر توقيف كمجرم حرب في العام 2023 وحرص الاتحاد الأوربي على عزله واعتباره مسؤولا عن غزو بلد معترف به واحتلال اراضيه . فقد كان بوتين متحفظا وشحيحا في تقديم أي شيء لترامب .

لقد وضع ترامب أوربة وراء ظهره وقامر بسمعته كرئيس قوي قادر على فرض السلام مقابل تنازل صغير من بوتين , مجرد هدنة محدودة في الزمن تحفظ ماء الوجه .

بلع بوتين الطعم ورمى الصنارة بعيدا , فهو لايعرف معنى أن يكون كريما في السياسة , وهو يعرف موقفه العسكري على الأرض ويعرف موقف الاوكران , ولن يرضى بأقل من نتيجة لحرب اوكرانيا تظهره بوضوح كمنتصر . ذلك بالنسبة له مسألة حياة أو موت .

انتصار يبرر به حربه الطويلة التي أرهقت الشعب الروسي وكلفته حوالي 150000 من القتلى والجرحى حسب التقديرات الأمريكية بصورة مخالفة تماما لما خطط له من حرب خاطفة تنتهي خلال أيام وتسقط كييف في قبضة موسكو تماما كما حدث في ربيع براغ عام 1968 حين أرسل بريجينيف الدبابات الروسية لتسحق الحركة التي قادها ليبراليون في الحزب الشيوعي الحاكم في تشيكوسلوفاكيا وتأتي بهم إلى موسكو لتأديبهم وإعادتهم للحظيرة السوفييتية .

لايمكن أن يقبل بوتين حلولا من شأنها تغطية وهج الانتصار الذي يحتاجه بقوة للاستمرار بحكم روسيا كقيصر دون أن يترك فرصة لخصومه لفتح ملف حرب اوكرانيا واستعماله ضده وتحميله مسؤولية تلك الحرب التي لم تكن ضرورية وفق رأي كثيرين في روسيا وخارجها .

فحتى الهدنة المحدودة زمنيا لايمكن لبوتين تقديمها كهدية لترامب لقاء ماقدمه ترامب من إعادة الاعتبار له في الغرب بعد أن أصبح زعيما منبوذا ينظر اليه بكثير من الخوف والعداء .

يمكن لبوتين بالطبع قبول هدنة مؤقتة لكنه يريد قبل ذلك نوعا من الاعتراف من اوكرانيا أنها قد هزمت في الحرب , وعليها حين تجلس على طاولة المفاوضات أن تتصرف كدولة مهزومة وتقبل شروط الدولة المنتصرة . وعلى الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة ألا يحاولوا تغيير تلك المعادلة ولو بصورة طفيفة باظهار الأمر وكأنه حل سلمي بين دولتين متحاربتين .

أما ترامب فعليه أن يستيقظ من أوهامه كرئيس عالمي قادرعلى حل خلافات مستعصية وإنهاء حروب دامية بلمسة من عصاه السحرية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى