“نفيه هباشان”.. مشروع استيطاني جديد يتقدم باتجاه سوريا تحت راية “إسرائيل الكبرى”

شهدت المناطق القريبة من مرتفعات الجولان المحتل تطوراً جديداً، مع محاولة مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين التسلل إلى داخل الأراضي السورية، ووضع “حجر الأساس” لبؤرة استيطانية جديدة تحت مسمى “نفيه هباشان” أو “ألوني هباشان” – وهي تسمية تحمل دلالات توراتية تمجد فكرة “إسرائيل الكبرى” التي تمتد من النيل إلى الفرات بحسب الرواية التوراتية المتشددة.

وبحسب مصادر متقاطعة وشهود عيان تحدثوا لموقع تلفزيون سوريا، فإن أكثر من 40 مستوطناً – من بينهم نساء وأطفال – قدموا من مستوطنات في الجولان والضفة الغربية (الخليل والسامرة)، واجتازوا السياج الحدودي عبر المنطقة العازلة الواقعة شرقي مستوطنة “ألوني هباشان”، وتقدموا لمسافة تُقدّر بعشرة كيلومترات داخل الأراضي السورية باتجاه قرية شركسية مدمرة قرب بلدة بريقة في محافظة القنيطرة.

وكشفت الصور التي التُقطت في الموقع عن المستوطنين وهم يرفعون علم الاحتلال، ويزرعون أشجاراً، ويضعون لافتة كتب عليها اسم البؤرة الاستيطانية الجديدة، إلى جانب صور لعائلة أحد الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا في لبنان وقد أعدت زاوية تذكارية له وزُرعت الزهور في المكان، في محاولة لجعل الوجود ذا طابع تعبوي وديني.

“فكرة مستمرة من نشاطات رواد هباشان”

أشارت صحيفة يسرائيل هيوم أن المجموعة تنتمي إلى حركة “رواد هباشان” (חלוצי הבשן)، وهي تيار ديني قومي ينشط منذ سنوات في تشجيع الاستيطان بما يتجاوز حدود الضفة الغربية ليشمل جنوب لبنان والجولان وأجزاء من سوريا.

وتأخذ الحركة اسمها من التسمية التوراتية لمنطقة الجولان (هبشان) وتتبنّى سردية ترى أن لهذه المنطقة “حقاً دينياً وتاريخياً” يعود لأسباط بني إسرائيل – وبشكل خاص سبط “منسى”.

وفي تصريح أدلت به لاها شافير – إحدى المشاركات في عملية التسلل – إلى “القناة السابعة” الإسرائيلية، قالت إن هذه الخطوة “تم التخطيط لها منذ أشهر”، مشيرة إلى أن إقامة مستوطنة في هذه المنطقة “ضرورة أمنية” نظراً لما وصفته بـ”التهديدات التي يشكلها الحكم الجولاني” – في إشارة إلى الدولة السورية.

وأكدت شافير أن السياج الحدودي كان مفتوحاً، وأن أفراد المجموعة تمكنوا من الدخول دون عائق لأكثر من نصف ساعة، قبل وصول القوات الإسرائيلية إلى المنطقة. ووفقاً لروايتها، فإن بعض الجنود “رحّبوا بهم وأعربوا عن دعمهم لفكرة أرض إسرائيل الكاملة”، إلا أنهم نصحوهم بالمغادرة تجنباً للملاحقة القانونية.

جيش الاحتلال يزعم التدخل

بعد وقت قصير من دخول المستوطنين، أعلنت الفرقة 210 التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي حالة الاستنفار، وتوجهت إلى مكان الحادث.

وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال إن “عدداً من المركبات التي تحمل مواطنين إسرائيليين عبرت الحدود إلى داخل الأراضي السورية”، مضيفاً أن “القوات أعادتهم بأمان إلى داخل إسرائيل وتم توقيفهم واستدعاؤهم للتحقيق”.

ووصفت القيادة العسكرية الحادث بأنه “خطير” و”يشكل مخالفة جنائية ويعرّض حياة المدنيين وقوات الجيش للخطر”.

رغم ذلك، تعتبر هذه الخطوة حلقة جديدة في سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، خصوصاً بعد أن أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو العام الماضي انهيار اتفاق فصل القوات الموقّع مع سوريا عام 1974، وذلك بالتزامن مع التطورات الميدانية وسقوط نظام بشار الأسد أواخر 2024، بحسب الرواية الإسرائيلية.

من هم رواد الباشان؟

روّاد الباشان هي حركة استيطانية إسرائيلية جديدة ظهرت في نيسان/أبريل 2025، وتضم مستوطنين من الضفة الغربية والجولان.

تهدف هذه الحركة إلى إقامة مستوطنات دائمة داخل الأراضي السورية، وتحديدا قرب مستوطنة “ألوني هباشان” الإسرائيلية، تحت غطاء أيديولوجي يُطلق عليه “استعادة أرض الباشان” – وهي تسمية توراتية يقصد بها الجولان السوري.

يعد عاموس عزريا أحد أبرز المتحدثين باسمهم، وقد صرّح بأن المنطقة باتت تحت السيطرة الإسرائيلية منذ سقوط النظام السوري في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وفق مزاعمه.

ترتكز دوافع الحركة على قناعة بأن الجولان السوري، الذي يسمونه “أرض الباشان”، يشكّل جزءًا من “أرض إسرائيل التوراتية”، وأن سقوط النظام السوري أتاح فرصة تاريخية للعودة إلى “التراث اليهودي” في المنطقة.

وفي هذا السياق، تطالب الحركة الحكومة الإسرائيلية بدعم مشروعها، وقد عقدت لقاءات مع عدد من أعضاء الكنيست من أقصى اليمين، مثل نيسيم فاتوري (الليكود)، وليمور سون هار-ميليك وتسفي سوكوت (عوتسما يهوديت).

وترتبط الحركة أيضًا بمجموعات مشابهة مثل حركة “أوري تسافون” التي ظهرت خلال الحرب مع حزب الله العام الماضي وتدعو إلى الاستيطان في جنوب لبنان، وقد أعربت عن دعمها لرواد الباشان باعتبار أن “الباشان ميراث أجدادنا”، مطالبة الحكومة بطرد “العدو” من كامل المنطقة.

الجذور الفكرية للحادث: من “رواد هباشان” إلى “عوري تسافون”

من الصعب فهم الانعكاسات السياسية لهذا التوغل بدون التوقف عند الخلفية الأيديولوجية للحركات التي تقف وراء هذه المبادرات. إذ تنتمي “رواد هباشان” إلى ما يُعرف بتيار الصهيونية الدينية المتشددة، والذي يرتبط فكرياً بحركة “عوري تسافون” (עורי צפון) – وهي حركة تأسست بهدف إعادة “بعث لبنان كوطن يهودي مزدهر”، وتعتبر أن شمال إسرائيل لن يكون آمناً إلا بوجود استيطان يهودي داخل جنوب لبنان.

ويتزعم هذه الحركة البروفيسور عاموس عزاريا، (أستاذ الذكاء الاصطناعي بجامعة أريئيل)، الذي يرى في نبوءة النبي عاموس (“وأغرسهم في أرضهم ولن يقلعوا بعد من أَرضِهِمِ الَتِي أَعطَيتهم”) المبدأ المركزي للصراع. وتستند كل من “عوري تسافون” و”رواد هباشان” إلى تفسير توراتي لحدود “أرض إسرائيل”، يشمل الجولان وجنوب سوريا ولبنان كجزء من ميراث سبطي “منسى” و“أشير”.

هذا التيار يتبنى تكتيكات تقوم على “الوجود الرمزي” في المناطق التي يعتبرونها “ميراثاً توراتياً”، عبر تنظيم جولات، ووضع حجارة أولى، أو حتى زرع أشجار وشواهد، في استعادة واضحة لأساليب الاستيطان الأولى في الضفة الغربية خلال سبعينيات القرن الماضي.

“إسرائيل الكبرى” من خطاب إلى فعل

تأتي هذه الحادثة بعد أيام من تصريحات صريحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبّر فيها عن “ارتباطه الشخصي والعميق” برؤية “إسرائيل الكبرى”، خلال مقابلة مع قناة “أي 24 نيوز”، حين سُئل عمّا إذا كان يعتبر نفسه “في مهمة تاريخية نيابة عن الشعب اليهودي”.

وتشمل هذه الرؤية، بحسب تفسيرات داعميها، إقامة دولة يهودية تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في سوريا والعراق، مروراً بالأراضي الفلسطينية والأردن وجنوب لبنان.

ترجّح هذه التطورات أن التطوير الاستيطاني لم يعد مقتصراً على الضفة الغربية فحسب، بل بات يمتد إلى ما وراء حدود 1967، خصوصاً في الجولان والمناطق السورية المحاذية.

ومع دخول عناصر دينية قومية راديكالية على خط الأحداث، ووجود أطر تنظيمية مثل “رواد هباشان” و“عوري تسافون”، يصبح الحد الفاصل بين “رمزية” هذه الأفعال و”تنفيذها الفعلي” أكثر ضبابية.

في ظل غياب رد فعل دولي حازم، تبدو هذه الحادثة تجربة أولى يمكن أن تتكرر، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع دعم ضمني – أو حتى صمت – من مؤسسات دولة الاحتلال نفسها، الأمر الذي يعزز مخاوف من تحول المنطقة العازلة بالجولان إلى ساحة مفتوحة لمشاريع تمدّد استيطاني تحت غطاء “الميراث التوراتي”.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى