
يُعوّل العرب كثيراً على زيارة أحد قادة الدول الكبرى المنطقة، فيرفعون سقف التوقّعات، وينتظرون عطايا وهدايا بمستوى الضيف الكبير، وبوزن دولته. وكانت أولى الزيارات التاريخية، حين قدم الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى مصر في منتصف السبعينيّات. وطوال تلك العقود الخمسة، لم تنته أيٌّ من تلك الزيارات إلى نتائج بمستوى ما سبقها من توقّعات. ولخصوصية العلاقة مع الولايات المتحدة، تحظى زيارة أيّ رئيس أميركي بأهمية واهتمام أكثر من زيارة أيّ رئيس، أو زعيم دولة أخرى، فهي دوماً حدث “فوق تاريخي”.
في المقابل، لا تمثّل زيارة دولة أو أكثر في الشرق الأوسط أهميةً كبيرة لرئيس أميركي لأهمية المنطقة في ذاتها، أو لتحقيق مصالح مشتركة بين الجانبَين، وإنما لأهدافٍ تخصّ الولايات المتحدة فقط، كان أكثرها أهمية في الماضي تأمين تدفّقات النفط، ثمّ تطوّرت إلى ضمان سلامة حركة الملاحة في الممرّات المائية في المنطقة، هذا بخلاف الهدف الدائم، وهو أمن إسرائيل وتفوقها إقليمياً. وكان الرؤساء الأميركيون يحدّدون وجهاتهم في المنطقة وفقاً لتلك الأهداف في كلّ مرحلة. وغالباً كانت مصر أو الأردن المحطَّتَين الأساسيَّتَين، وأحياناً الوحيدتَين، لأسباب تتعلّق بأدوار الدولتَين في الصراع مع إسرائيل والقضية الفلسطينية. وفي كلّ مرّة، لم يكن أيّ رئيس أميركي يقدّم للعرب شيئاً ذا قيمة.
وأما ما يخص دونالد ترامب، فهو منذ دخوله البيت الأبيض للمرّة الأولى، يفضّل زيارة دولة خليجية أو أكثر؛ فكانت السعودية أولى وجهاته الخارجية في فترة رئاسته الأولى (2017 – 2020). كما بدأ بها (منتصف مايو/ أيار الجاري) أولى جولاته الخارجية في ولايته الثانية، وخرج منها إلى قطر ثمّ الإمارات.
سبقت جولةَ ترامب حملةٌ دعائيةٌ أميركيةٌ روّجت ما سيحمله معه ترامب من هدايا للمنطقة، وفنّدت هذه الزاوية حينئذ ما روجه الأميركيون وكشفت ضآلته، ثمّ جاءت الجولة ذاتها بأقلّ كثيراً ممّا توقعنا، فحتى الهدية الرمزية باعتماد اسم “الخليج العربي” أميركياً، لم يُهدها ترامب إلى المنطقة. عاد إلى واشنطن بنحو أربعة تريليونات دولار، تشمل استثمارات خليجية ومشتريات في قطاعات عدّة. وفي المقابل، لم يترك شيئاً أو حتى وعداً. الأمر الوحيد الذي قام به رفع العقوبات الأميركية عن سورية، ولهذه الخطوة أهمية كبيرة للاقتصاد السوري ودمج سورية الجديدة في المجتمع الدولي، لكنّ سياقها خارج جزئياً عن ملفّ العلاقات الأميركية الخليجية، خاصّة مع رمزية لقاء دونالد ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع، لجهة العلاقات المباشرة بين واشنطن ودمشق.
في المحصّلة، ليس واضحاً ما إذا كانت دول الخليج العربية قد حصلت على مقابل يكافئ ما قدّمته إلى ترامب، فليست الأسلحة والسلع المقابل المطلوب، وإنما “الدور” و”التحرّك” و”الفعّالية” و”الضغط”. والمقصود هنا الضغط الحقيقي العملي، لا الشكلي والظاهري الذي تبنّاه ترامب منذ ولايته الأولى إزاء إيران، ثمّ ها هو يفاوضها، ويتمنّى اتفاقاً معها. لم يقدّم ترامب أيّ شيء إلى دول الخليج لمواجهة تهديد إيران للاستقرار الإقليمي، ولا لوقف المجازر الإسرائيلية في غزّة، ولا لتأمين مستقبل أفضل لشعوب المنطقة. وكما تستعدّ الدول الخليجية، وغيرها من الدول العربية، وتحتفي بزيارة ترامب أو غيره من الرؤساء الأميركيين، ثمّ تقدّم له هدايا؛ يجب عليها عمل كشف حساب لتلك الزيارات “فوق التاريخية” وتقييم جدواها، حتى لا تظلّ تلك اللقاءات والعلاقات، سواء مع واشنطن أو غيرها من العواصم الكُبرى في اتجاه واحد.
المصدر: العربي الجديد