
بعد زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المنطقة، ذُكِر أن المبلغ الذي حمله معه يقارب 4.1 تريليونات دولار. لكن الرئيس صحّح كلّ المعلومات عند وصوله إلى واشنطن، وقال: “جمعنا 5.1 تريليونات دولار”. مبلغ يبني دولاً صغيرة، ويعالج مشكلاتٍ كثيرة في منطقتنا، لكن الأكثر أهميةً أن العرب الكرماء هناك عاجزون هنا عن إدخال خمس شاحنات مساعدات إلى أهالي غزّة، الذين يموتون جوعاً وقتلاً بالقنابل الأميركية، والإبادة مستمرّة، ولا أحد في المنطقة يقول كلمةً لها تأثيرها أو فعلها. تحدّثوا عن حركة سياسية دبلوماسية للاتفاق على حلّ الدولتين. كلام في الهواء للأسف! لا مكان له في أرض الواقع.
في أوروبا، حركة فعلية من بريطانيا (وعد بلفور) إلى فرنسا، و18 دولة، وحديث عن إعادة النظر في الاتفاقات التجارية وغيرها مع إسرائيل. وهنا، افتخار بالعلاقات مع إسرائيل وتطويرها لتحقيق السلام. أيّ سلام؟… عندما رُفِع هذا الشعار بعد مؤتمر مدريد (1991)، قلت بالنسبة إلى إسرائيل الموقف هو “الأرض لنا والسلام عليكم يا عرب”. لم يتفاعل أحدٌ من العرب فعلياً على المستوى الرسمي سياسياً أو إعلامياً أو دبلوماسياً لملاقاة الموقف الأوروبي، للاستفادة منه.
لم يتفاعل أحدٌ من العرب فعلياً على المستوى الرسمي سياسياً أو إعلامياً أو دبلوماسياً لملاقاة الموقف الأوروبي، للاستفادة منه
طبعاً، شنّ بنيامين نتنياهو هجوماً على القادة الأوروبيين، واتهمهم بمساندة الذين يعادون السامية. قال وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو: “اتهام أي شخص يدافع عن حلّ الدولتين بأنه معادٍ للسامية أو مساند لحماس أمر سخيف”، وصدرت من قلب إسرائيل تصريحات سياسيين كثيرين تتحدّث عن “إبادة” ترتكبها إسرائيل، التي تتجه إلى أن تكون “دولةً منبوذةً”، وأنها “تمارس قتل الأطفال هوايةً”، تعليقاً على تصريحات لمسؤولين في الحكومة والكنيست، دعت إلى “استخدام النووي ضدّ الفلسطينيين”، كما فعلت أميركا مع اليابان في الحرب العالمية الثانية، وإلى طرد الفلسطينيين وتجويعهم حتى يستسلموا ويغادروا. وتوّج نتنياهو هذه المواقف بتأكيد موقفه، أن “جميع مناطق قطاع غزّة ستكون في النهاية تحت السيطرة الإسرائيلية”، وعيّن رئيساً جديداً لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، ديفيد زيني، الذي أعلن فور تعيينه: “أرفض صفقات تبادل الأسرى. الحرب على غزّة أبدية. القصف على غزّة لا ينبغي أن يتوقّف من أجل إعادة المخطوفين”. سيل من التصريحات في إسرائيل من رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، إلى وزير الأمن السابق بني غانتس، وإلى غيرهما من مسؤولين سياسيين وعسكريين، انتقدوا التعيين وشخصية المُعيَّن، ومواقفه، والمذبحة في غزّة مستمرّة ومشروع التهجير هو الأساس الثابت.
وفي الضفة الغربية، اقتحم مستوطنون بلدات وقرى، وأحرقوا فيها البيوت والسيارات، وهدّدوا الأهالي وصرخوا في وجههم: “نحن ملوك يهودا والسامرة”، يعني نحن أصحاب الأرض، أصحاب القرار. وعدوانهم المفتوح يؤكّد ذلك. والأبشع، ذهب وفد دبلوماسي أوروبي مصري من المعتمدين لتمثيل بلادهم في دولة الاحتلال إلى جنين للاطلاع على الوضع، بعد أن كانت قوات الأمن الاسرائيلية قد منعت دخول نواب بريطانيين وفرنسيين، فأطلق جيش الاحتلال النار على الدبلوماسيين ترهيباً، ومنعهم من تحقيق هدف الزيارة. منعهم بالقوة، وهذا خير دليلٍ على أنه يطلق النار عليهم إذا أرادوا كشف الحقيقة، ولن يوفّرهم، وسيستمرّ في عدوانه حتى تهجير الفلسطينيين من أرضهم. قامت القيامة في أوروبا ومصر على مستوى رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية لتسجيل مواقف مبدئية، ولطلب “إيضاحات مقنعة” كما قالوا. لم يسمع الإسرائيلي. لا يسمع. لن يسمع. سيكمل مشروعه، لكن لم تسجّل حركة عربية فاعلة مؤثّرة، سياسية إعلامية دبلوماسية، لمواكبة هذا الحدث الخطير، والردّ على “ملوك يهودا والسامرة”، فأيّ حلّ دولتَين يتحدّثون عنه؟ وأين؟ وكيف؟ ومع من؟
يستقوي نتنياهو بالقرار السياسي الرسمي الأميركي في ما يخصّ مستقبل غزّة، وامتداداً الضفة الغربية، وصولاً إلى “إسرائيل الكبرى“
يستقوي نتنياهو بالقرار السياسي الرسمي الأميركي في ما يخصّ مستقبل غزّة، وامتداداً الضفة الغربية، وصولاً إلى “إسرائيل الكبرى”، ولو على مراحل. يتلاعب ويناور في الداخل، وينجح في تنفيذ مشروعه. سبق وقلت إنه أمهر وأخطر وأقدر رئيس حكومة في إسرائيل، يعرف كيف يتعامل مع أميركا ورؤسائها ومسؤوليها، ويستفيد، في الوقت نفسه، من مواقف دول عربية “إبراهيمية”، وأخرى “غير إبراهيمية”، لكنّه يتحدّث عن تعاون كبير معها أمنياً وسياسياً، وهذا مفيد له جدّاً في هذه المرحلة، إلى أن تأتي الساعة من أجل التطبيع الكامل، لكنّه ليس مصرّاً على عامل الوقت، ولا على التنفيذ الفوري لهذه الخطوة، ما دام يأخذ ما يريد، ويغطّي ما يريد، وينفّذ ما يريد، ويبقى ملك إسرائيل المتوّج وحلمه؛ بن غوريون الثاني. الأول هو المؤسّس، والثاني مكرّس “إسرائيل الكبرى”، والأكثر قدرة وتأثيراً في المنطقة. هل فكّر العرب أين سيكونون لاحقاً؟… القادر على منح خمسة آلاف مليار دولار خلال أيّام لرئيس أميركا، فمن حقّ الناس أن تسأله: مقابل ماذا؟
المصدر: العربي الجديد