مصطفى الكاظمي بضاعة أميركية إيرانية فاسدة

عوني القلمجي

خاص : موقع ملتقى العروبيين    وموقع : المدار نت     وموقع : مصير

الرئيس دونالد ترامب لا ينام الليل حزنًا على ما يعانيه الشعب العراقي من محن ومآس وويلات. لكنه اليوم تنفس الصعداء بعد فوز مصطفى الكاظمي برئاسة الحكومة، وشروعه بتنفيذ بعض الاجراءات التي يراد منها إضفاء صفة وطنية عليه. من بينها، إطلاق سراح المعتقلين من المشتركين في الثورة، وتعهده بتعويض عوائل الشهداء والجرحى، وصرف رواتب المتقاعدين، وترقية الفريق عبد الوهاب الساعدي وإعادة تعيينه رئيسًا لجهاز مكافحة الإرهاب. إضافة إلى إطلاق وعود بملاحقة قتلة الثوار والعمل على إجراء انتخابات مبكرة. هذا هو فحوى المرافعة الهزيلة التي يروج لها الواهمون وذوو النوايا الحسنة من جهة، وعملاء المحتل وأتباعه ومريدوه من جهة أخرى، من أجل تسويق الكاظمي بين الناس عمومًا وثوار تشرين خصوصًا، على أمل إقناعهم بالتخلي عن الثورة والعودة إلى بيوتهم وانتظار تلبية مطالبهم على يد القادم الجديد. وهذا ما يفسر الإعلانات السريعة بتأييد الكاظمي من قبل أمارات الخليج العربي، وكذلك بعض الدول الاستعمارية مثل فرنسا وبريطانيا. حيث تخشى هذه الدول انتصار الثورة العراقية بالقدر نفسه الذي تخشاه أميركا وإيران. بل ذهب البعض أبعد من ذلك في عملية التدليس ليؤكد، بأن الولايات المتحدة وعن طريق “بطلها” الكاظمي قد حسمت أمرها لإنهاء دور إيران وميلشياتها المسلحة في العراق!!!!. في حين قال من حاديهم، بأن الرئيس الأميركي ترامب أسند الملف العراقي إلى وزير الدفاع مارك اسبر وجنرالاته، ووزير الخارجية بومبيو ومستشاريه، وفوضهم باستخدام القوة وغيرها في تنظيف العراق من المليشيات المسلحة.

هذه المسرحية البائسة والمرافعة التي تنطوي على تناقضات، تفضح زيفها الوقائع والأحداث. فمصطفى الكاظمي بافعاله هذه وبالطريقة الاستعراضية التي اختارها لم يأت بجديد على الإطلاق. خاصة بإطلاق العهود حول تخليص البلاد من الفاسدين وتقديم السراق والمجرمين إلى المحاكم وبناء دولة مدنية قوية. فلقد قام بنفس المسرحية البائسة والهزيلة، كل الذين سبقوه إلى هذا المنصب. حيث عرض برنامجه الإصلاحي بطريقته الخاصة، وبما يتناسب مع الحاجة، وأقسم كما يقسم الببغاء بتنفيذه كاملاً غير منقوص، مثل نوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي، لينتهي كل منهم، ليس إلى إنجاز إصلاح جدي واحد فحسب، بل إضافة مزيد من ملفات الفساد. ومن الطريف في هذا الخصوص، أن المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي شكله عبد المهدي، تبين لاحقًا بأن غالبية أعضائه كانوا من الفاسدين!!!!. وهذه تحكي ذات القصة المعروفه، يلجأ لها المحتل الأميركي ووصيفه الإيراني، وعبر عملائهما في المنطقة الخضراء، لتشمير السواعد والحديث بصوت عال عن الإصلاح كلما زادت حدة الاستياء الشعبي، وتعرض المشروع الأميركي الإيراني إلى السقوط، سواء تمثل هذا الاستياء بتظاهرة أو انتفاضة أو ثورة. والا بماذا نفسر سكوت الحكومات المطبق على ملفات الفساد في حالة الهدوء والسكينة، وتتعالى الاصوات حول الاصلاح في حالة الغليان الشعبي؟ الم يصمت المالكي صمت القبور عن ملفات الفساد طيلة ولايته الاولى، جراء هدوء الناس وسكينتهم لقلة الحيلة، في حين اعتلى المنابر وطالب المتظاهرين في بداية ولايته الثانية مائة يوم لتنفيذ مطالبهم؟ الم يفعل الشيء نفسه حيدر العبادي ومن بعده عادل عبد المهدي؟ ثم هل فتح أحدهم ملفا واحدا للفساد او حاسب سارقا او قاتلا؟ الامر الذي جعل الحديث عن الاصلاح موضع تندر وسخرية من قبل العراقيين، واصبحت كلمة الاصلاح ذاتها بمثابة كلمة السر لاصلاح ذات البين فيما يخص، تقاسم الغنائم والمناصب وضبط التوازن بين الطوائف داخل العملية السياسية، والقوات المسلحة والاجهزة الامنية، اوانهاء الخلافات حول السرقات او تهريب النفط والغاز. وقد عبر العراقيون بكلمات معدودات عن هذه الاكاذيب بقولهم، الاصلاح لا ياتي به المفسدون، كما هي الشجرة الخبيثة لا تنتج سوى ثمار خبيثة.

لندع الكاظمي يمارس الهواية نفسها التي مارسها اسلافه، وندع المروجين له يعيشون اوهامهم ونسلط الضوء على مواضعات منصب رئاسة الحكومة الذي يشغله اليوم الكاظمي، لتحديد قوته او ضعفه. فالوقائع تشير بما لا يقبل الشك او التاويل، ان ما يحدد قوة رئيس الحكومة الفاسد، مقدار ما يناله من دعم واسناد من عناوين كلها فاسدة، كالحكومة والبرلمان والقضاء والهيئات المستقلة. وتوضيحا لذلك نشير لنموذج عنه في نوري المالكي، فوفق آلية العملية السياسية المدججة بالمليشيات والطائفية والعمالة، كان المالكي رئيس وزراء قويا، لا لشيء الا لانه كان شيخ الفاسدين والطائفيين والقتلة وسراق المال العام، ونموذجا للعميل الذي يخدم احتلالين في آن واحد. في حين لم يتمكن حيدر العبادي من الاحتفاظ بمنصبه لولاية ثانية، لمجرد إطلاق وعود بمحاربة الفساد. والكاظمي كما هو معروف ابن العملية السياسية الفاسدة، والفتى المدلل لدى المحتل الامريكي والايراني على حد سواء. والكاظمي لم ينل ثقة البرلمان بجهوده، او لانه وطني غيور، او بسبب برنامجه الوزاري او كابينته الحكومية، التي لم يات بمثلها الاوائل، وانما حصل عليها بامر امريكي وبرضى إيران. وكلا البلدين يقف ضد اية عملية اصلاح جدي تحصل في العراق. بل ان كليهما يعمل على تدمير العراق دولة ومجتمعا. وهذا يعني بان اي تصور او تفكير من قبل اية جهة كانت، وخاصة من الثوار، بامكانية قيام حكومة الكاظمي باصلاحات جدية، هو ضرب من الخيال. خاصة إذا تعلق الامر بانهاء الفساد وحصر السلاح بيد الدولة وتقديم قتلة المتظاهرين الى المحاكم وحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة. فمثل هذه الاصلاحات وبهذا الحجم تعني على المحتل، ايا كان امريكيا او ايرانيا، ان ياخذ عصاه ويرحل. ولا يغيرهذه الحقيقة قيام الكاظمي باجراءات هنا وهناك، وربما ستكون أكثر في المستقبل القريب، فامريكا وإيران على استعداد تام للتضحية برؤوس كبيرة ككبش فداء، مقابل انهاء هذه الثورة العظيمة، وانقاذ مشروعهما الغادر من السقوط.

نعم لقد اخذت هذه الاكاذيب والادعاءات الفارغة طريقها الى بعض فئات من السياسيين والمحللين والمثقفين والكتاب، يا لبؤسهم، وهم يروجون لها ويحاولون

استدراج الثوار لمنح الكاظمي فرصة مستغلين تكالب الشدائد لجعل الحياة العراقية أكثر قسوة. فهل سينجح الكاظمي بكل ما يروج له من الزور والبهتان في خداع العقل العراقي؟

الكاظمي وقد تم تحضيره من مستنقع الاحتلالين، وفي ظل سياق العملية السياسية الفاسدة، وبنادق المليشيات الطائفية الماجورة، أصغر من ان يكون وطنيا نزيها ومستقلا وعادلا، وبالتالي لن تنجح حملات تسويقه. فعلى ارض الواقع حقائق عنيدة لا يمكن انكارها. فالكاظمي، وقد سبقه جربه السياسي لم يصل الى منصبه الا بتوافق امريكي ايراني لا يمكن ان يتخذ اجراءات وطنية اصيلة حتى إذا ضمت هذه الحكومة عناصر قوية او مستقلة او حتى نزيهة. خاصة في ظل دولة تحت الاحتلال ومخترقة السيادة، دولة تحكمها مليشيات مسلحة ويرعاها دستور ملغوم ونظام محاصصة طائفية وعرقية وفساد مالي واداري. ولكي لا نطيل اكثر، فان هذه الحكومة ستستند الى ذات المنظومة، التي تحكمت بالحكومات التي قبلها، سواء في الية عملها وتحديد وظائفها او في اختصاصاتها، وعلاقتها ببعضها البعض من جهة، وعلاقتها بالمواطنين من جهة اخرى، وهذه المنظومة جرت صياغتها بدقة بما يخدم اهداف المحتل القريبة منها والبعيدة، وليس بما يخدم الوطن واهله. والا ماذا يعني الاصرار على بقاء قانون الانتخابات المعوج ومفوضياتها المرتشية، ولماذا الرفض القاطع لالغاء الدستور الملغوم او حتى تعديله؟ ولماذا التمسك بنظام المحاصصة الطائفية والعرقية، ولمذا توفير الحماية الكاملة للقضاء الفاسد والهيئات المستقلة المرتشية؟

نعيد القول ولا نمل من التكرار ان الطريق الوحيد لاستعادة استقلال العراق وسيادته الوطنية وتحقيق طموحات الشعب العراقي بالحرية والتقدم الاجتماعي والعيش الكريم، هو طرد هؤلاء الحرامية والفاسدين، واسقاط العملية السياسية برمتها واقامة حكومة وطنية مخلصة ونزيهة وكفوءة. تعيد للعراق استقلاله وسيادته الوطنية، وتحقق للشعب العراقي كامل مطالبه المشروعة، وكل ذلك لن يتم، رغم مشروعيته المطلقة، الا من خلال تصعيد الثورة ورفض كل انصاف الحلول. وكاتب هذه السطور على قناعة تامة بان الثورة التشرينية القائمة والتي يصر ابناؤها على تحقيق مطالبهم المشروعة كاملة غير منقوصة ستهزم المحتل وعمليته السياسية وتقديم كل رؤوسها الى المحاكم العادلة لينالوا الجزاء الذي يستحقون. هذه ليست أضغاث أحلام، وانما هي حقيقة اثبتها تجارب الشعوب في أنحاء المعمورة كافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى