
تُعد العلاقة بين سوريا وإسرائيل من أكثر العلاقات تعقيدًا وحساسية في منطقة الشرق الأوسط منذ عقود طويلة، إذ تكتسب أبعادًا تاريخية، سياسية، وعسكرية متشابكة، لاسيما مطلع القرن الماضي زمن حقبة الملك فيصل كانت سوريا تشمل أيضاً لبنان وفلسطين والأردن، ثم طرأت تطورات وارتسمت حدود دولية جديدة، وبقيت التدخلات والعلاقات المتداخلة بين الدول وشعوبها والتضامن فيما بينهم، ثم جاءت السيطرة الإسرائيلية على المنطقة ثم على أراضٍ سورية واحتلالها، وهذا عقد المشهد والعلاقة وجعل أي حديث عن التقارب أو التواصل بين الطرفين مسألة شديدة الحساسية على المستويين الرسمي والشعبي في سوريا.
حيث ترجع جذور العداء السوري–الإسرائيلي إلى نكبة عام 1948، وما تبعها من حروب، أبرزها حرب حزيران عام 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل للجولان السوري، وتمتد مساحته 1800كم مربع، والمنطقة العازلة التي تم الاتفاق عليها 1974م بين الطرفين ومساحتها نحو 235 كم مربع ومنذ ذلك الحين ظل الجولان المحتل رمزًا وطنيًا في الوجدان السوري، وعاملًا رئيسيًا في تعميق القطيعة بين دمشق وتل أبيب. وعلى الرغم من بعض المحاولات الدبلوماسية المحدودة خلال العقود الماضية، بقيت المواقف السورية متماسكة حول ضرورة انسحاب إسرائيل من كامل الجولان كشرط أساسي لأي تطبيع أو سلام.
تعتبر سوريا نفسها طيلة عقود دولة ممانعة، وتربط مواقفها القومية بقضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني.
الحديث اليوم عن تطبيع سوري–إسرائيلي أعتقد ما زال غير وارد، لا بظرفه الواقعي ولا غير ذلك، ليس فقط بسبب الاحتلال المستمر للجولان، بل أيضًا لكون المسألة تحمل أبعادًا داخلية في وجدان الشعب السوري، بمختلف أطيافه.
هذا التوجه جعلها تختلف عن عدد من الدول العربية التي اختارت لاحقًا الدخول في اتفاقيات سلام أو تطبيع علاقات مع إسرائيل.
ودعمت سوريا حركات مقاومة فلسطينية، وهو ما زاد من عدائية العلاقة مع إسرائيل، التي بدورها تنظر إلى سوريا كطرف معادٍ.
في السنوات الأخيرة، ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، دخلت العلاقة مرحلة أكثر تعقيدًا. فقد كثّفت إسرائيل ضرباتها الجوية داخل الأراضي السورية، مستغلة الظرف وعملت على إطالة الصراع، وكذلك مستهدفة ما تقول إنها مواقع تابعة لإيران أو لحزب الله، في محاولة لمنع ترسيخ وجود عسكري طويل الأمد على مقربة من الحدود الجنوبية السورية.
ورغم هذه الضربات، لم تُظهر سوريا بذاك الوقت أي رغبة حقيقية في التصعيد أو الرد، مفضلة الرد القولي، أو الاحتفاظ بحق الرد فقط.
أما الحديث اليوم عن تطبيع سوري–إسرائيلي أعتقد ما زال غير وارد، لا بظرفه الواقعي ولا غير ذلك، ليس فقط بسبب الاحتلال المستمر للجولان، بل أيضًا لكون المسألة تحمل أبعادًا داخلية في وجدان الشعب السوري، بمختلف أطيافه، وقد احتلت اليوم إسرائيل مناطق جديدة بمساحة 400 كم مربع وتمركزت في المنطقة العازلة التي مساحتها 235 كم مربع، إضافة إلى السيطرة على قمة حرمون في جبل الشيخ والتي تعتبر قمة استراتيجية بارتفاع 2814م عن سطح البحر وتطل على ثلاث دول في المنطقة، وهذا في وجدان السوريين عقد المشهد والعلاقة بشكل أكبر، وكذلك محاولة إسرائيل التوغل في ريف درعا وقام الأهالي بصد الآليات الإسرائيلية وارتقى تسعة شهداء من أهالي درعا، وأي تغيير في هذا الموقف اليوم قد يُنظر إليه كتنازل يمس الأراضي السورية، والكرامة السورية.
الأسلم لسوريا التمحور مع الموقف السعودي الذي يؤكد على حل الدولتين مقابل السلام، وكذلك العمل على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي دخلتها وحل موضوع الجولان الشائك.
مع التطورات الإقليمية المتسارعة، كالاتفاقيات الإبراهيمية، وتزايد المحاور المتنافسة في المنطقة، تبقى سوريا في موقف يتطلب حذرًا شديدًا. فهي، من جهة، تعاني من ضغوط سياسية واقتصادية تجعلها بحاجة لإعادة التوازن، ومن جهة أخرى، تدرك أن أي اقتراب من إسرائيل دون مقابل واضح سيُواجه برفض شعبي وحسابات إقليمية معقدة.
وربما الأسلم لسوريا التمحور مع الموقف السعودي الذي يؤكد على حل الدولتين مقابل السلام، وكذلك العمل على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي دخلتها وحل موضوع الجولان الشائك.
يمكن القول إن العلاقة بين سوريا وإسرائيل ستبقى مرهونة بعوامل عديدة، أهمها مصير الجولان، والأراضي السورية التي تمركزت عليها إسرائيل وكذلك موقف الشارع السوري، والتوازنات الإقليمية. وحتى إشعار آخر، ستبقى الحساسية هي العنوان الأبرز لأي نقاش حول هذا الملف، والذي يحتاج دقة عالية في التعامل دون تفريط بأرض سورية، وهذا واجب الدولة والمجتمع حماية الأرض والحدود السورية الدولية المعروفة.
وبظل سوريا جديدة تحتاج اليوم استقرار وبناء وحماية الأرض والشعب والمؤسسات، وإعادة الإعمار، وتحقيق السلم الأهلي بين مكونات الشعب السوري وتعتبر سوريا متعددة المكونات تحوي نحو 16 مكونا عرقيا ودينيا وطائفيا، وهو كان عامل ثراء تاريخي وينبغي استمراره بهذه التنوع الثري.
وعبور المرحلة الانتقالية بسلام للجميع وترسيخ الديمقراطية والحياة السياسية في سوريا بعد نضال دام 14 عاماً.
المصدر: تلفزيون