ديناميكية التحول الديمقراطي في سورية

لابد أن القيادة السورية الجديدة قد أدركت الآن أن الطريق المفتوحة أمامها دوليًا مثلما داخليًا تمر بالتحول الديمقراطي كممر إجباري ، فالخيارات الأخرى شيه مغلقة ، وربما توصل لدولة معزولة ومهددة بالحرب الأهلية .

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن : ماهي الديناميكيات التي يمكن أن تؤمن التحول الديمقراطي دون تعرض البلاد لهزات سياسية , ودون فقدان العناصر الأمنية الضرورية لبقاء الدولة الجديدة في هذه المرحلة الانتقالية .

مثل تلك الديناميكيات ينبغي أن تجمع بين استبدال نموذج الدولة الشمولية السابق والذي حكم سورية منذ مايزيد عن خمسين عاما بنموذج آخر مختلف وبين الابقاء على عناصر كافية من القوة بيد الدولة تؤمن وحدة سورية والحفاظ على درجة كافية من الأمن والاستقرار مع تنفيذ العدالة الانتقالية وإنهاء بؤر التوتر .

مثل تلك المعادلة تبدو سهلة على الورق لكنها ليست كذلك في التطبيق الواقعي .

مع ذلك فلدينا اليوم عوامل هامة يمكن أن تساعد في إطلاق ديناميكيات التحول الديمقراطي المطلوب , وأول تلك العوامل هي رأي عام سوري متحد بغالبيته الساحقة خلف قيادة الشرع يضم كل المكون الاجتماعي من العرب السنة تقريبا ونسبا هامة من المكونات الاجتماعية الأخرى تتزايد كل  يوم .

والعامل الآخر هو ذلك الدعم العربي الذي أصبح مدركا أيضا للمتطلبات الدولية التي لايمكن تجاهلها في السياسة الداخلية السورية وهي تتقاطع في كثيرمن مضامينها مع التحول الديمقراطي في اختلاف واضح عن الأوضاع التي كانت سائدة في المنطقة العربية إبان الربيع العربي حين ظهر التحول الديمقراطي كتهديد للنظام العربي آنذاك .

وبطبيعة الحال يمكن إضافة العامل الدولي الذي لايخفي مطالبته بحكم شامل لجميع المكونات الاجتماعية يؤمن الاستقرار الاجتماعي – السياسي لسورية  ومثل ذلك الحكم لايمكن تصوره بدون تحول ديمقراطي .

نأتي الآن للخطوات الأولى المطلوبة في ديناميكيات التحول الديمقراطي والتي لابد أن تطلقها القيادة السياسية بطريقة مدروسة ومنهجية  ويمكن أن تتضمن الآتي :

أولا : إلغاء مايسمى بالهيئات السياسية ( الادارات السياسية ) التي ظهرت كسلطة موازية في الظل وريثة لمؤسسات كالحزب وأجهزة الأمن في النظام البائد .

ثانيا : إصدار القوانين التي تقنن حرية تشكيل الأحزاب وحرية واستقلال النقابات والصحافة وحرية الرأي  وحقوق الانسان والمرأة .

ثالثا : الإصلاح القضائي الذي لابد أن يرافق العدالة الانتقالية ويتضمن استقلال القضاء استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية .

رابعا : إجراء انتخابات للإدارة المحلية ينبثق عنها لجان محلية منتخبة ديمقراطيا يمكن اعتبارها ممثلا محليا للمكونات الاجتماعية المتنوعة  إضافة لرؤساء النقابات المنتخبين ديمقراطيا بعد رفع اليد تماما عن النقابات .

خامسا : بعد إجراء الانتخابات للادارة المحلية يتم إطلاق برنامج للحوار الوطني تنظمه وتقوده الإدارات المحلية بالتشارك مع النقابات باستقلال عن السلطة التنفيذية .

سادسا : كما يتم بعد انتخابات الادارة المحلية تحديد موعد لكل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال مهلة لاتزيد عن ثمانية عشر شهرا .

مثل تلك الخطوات ستؤمن مدخلا للتحول الديمقراطي وتقطع بين خيار الدولة الشمولية وخيار الدولة الديمقراطية كما ستؤمن وعدا وأملا حقيقيين لكل المكونات الاجتماعية السورية .

بعد أن تم رفع العقوبات عن كاهل الدولة السورية أصبح من الملح والراهن فتح ملف التحول الديمقراطي كبديل وطني وحيد عن أي خيار آخر يمكن أن يسفر عن تقسيم البلاد أوصعود قيادات عشائرية أو مافيوية عسكرية أو مذهبية متعصبة تدعي تمثيل المكونات الاجتماعية وتكون في الحقيقة حجر عثرة وألغاما في طريق نهضة سورية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى