كانت القضية الفلسطينية دائمًا (قضية سورية). ففلسطين بحكم الجغرافيا والتاريخ هي سورية الجنوبية، وبحكم الوحدة العضوية والقومية بين الشعبين، أصبحا توأمين ملتصقين. الشعب السوري هو الأصل الذي تفرع منه وعنه الشقيق الفلسطيني، وكلنا يعلم بحكم التجربة أن ما يضر أحد الشعبين يضر الثاني، الأمر الذي يعني باختصار: إن ما يربطهما هو (وحدة مصير) لا تنفصم.. بدليل أن السوريين هم أوائل العرب الذين قاتلوا المخطط الصهيوني على أرض فلسطين منذ ثلاثينيات القرن العشرين.
ورغم كل محننا ومصائبنا في العشرية الأخيرة، نحن السوريون أولى من أي طرف آخر في العالم، برفض اعتراف دولة الامارات بالكيان الاسرائيلي، لأن فلسطين كلها بأهمية الجولان المحتل. وقرار حكام الامارات طعنة للشعبين السوري والفلسطيني، تضاف الى طعنات أخرى مثلتها إعادة فتح سفارتها في دمشق قبل عامين، وتقديم المعونات لنظام الاسد.
إن الشعب السوري بكل قواه وأشتاته يرفض هذا القرار المشين، لأنه يمثل دعما مجانيا للعدو، يشجعه على التنكر للحد الأدنى من شروط السلام، كما حددتها مبادرة السلام العربية، والشرعية الأممية، لا بل إن “الهدية الثمينة” التي قدمتها الإمارات له جاءت في وقت يستعد لقضم وضم جزء كبير من أراضي الضفة الغربية التي اعترف بها اتفاق اوسلو جزءا من مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وبعد انتهاك نتنياهو لاتفاق اوسلو، وفرغه من محتواه.
إن القضية الفلسطينية والتراجع الذي أصابها بسبب تخاذل الأنظمة العربية وخيانة بعضها، وعلى رأسها نظام الأسد، كانت من اسباب ثورة شعبنا عام 2011، وهو على إيمان ووعي عميقين بأن تحرير فلسطين لن يحدث إلا بإسقاط الانظمة الخائنة التي تحيط بفلسطين وقامت بدور كلاب حراسة لكيانه المصطنع، وخاصة نظام الأسد الحارس الوفي للعدو طوال خمسين عاما.
ولا بد من القول بموضوعية أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب الأُولى منذ وقت طويل، وتراجعت للمرتبة الثانية والثالثة في قضايا العرب والمنطقة، ولا علاقة للإمارات، والبحرين بهذا التحول، بل ساهمت فيه أطراف عربية وإقليمية، وخاصة مصر، وسببته متغيرات دولية، أكبر من العرب، كغياب التوازن الدولي بعد انهيار الكتلة الاشتراكية، وشحوب حركة عدم الانحياز، والتحام الصين بالغرب اقتصاديا واستراتيجيا، وصعود اليمين في العالم.
لا يمكن في هذا السياق إعفاء القيادة الفلسطينية والحركة السياسية والمقاومة الفلسطينية من المسؤولية، فهي التي اعترفت بالعدو قبل الامارات، وطبعت علاقاتها معه قبل وأكثر من أي طرف آخر، منذ أن جعل اتفاق أوسلو (حركة المقاومة الفلسطينية) ادارة حكم محلي تحت السيادة الاسرائيلية، تقوم بقمع شعبها وكبح مقاومته ضد العدو. والسلطة الفلسطينية الآن أكثر طرف عربي يمارس التطبيع الامني والاقتصادي والسياسي! ولم يعد لدى أي منظمة فلسطينية برنامج، أو مشروع لتحرير فلسطين أو لمواصلة المقاومة، لا عنيفة ولا سلمية، وأصبح رمي الحجارة على العدو جريمة تؤدي بمرتكبها للسجن على يد السلطة الوطنية، لا الاسرائيلية! وجاء انفصال غزة بقيادة حماس والجهاد، وانتقالهما الى المحور الايراني المعادي للعرب ليكرس انهيار القضية الفلسطينية بأيدي الأوصياء عليها الذين انتزعوا من العرب الاعتراف ب (منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا) والحق ب (القرار الوطني المستقل).. فبأي حق تنتقد السلطة الفلسطينية الدول العربية؟ وما مدى صدقية اتهاماتها للدول العربية، أمام الخيانات التي ترتكبها هي بحق القضية الفلسطينية؟؟
الدول العربية منذ غزو العراق، قبل عشرين سنة، ثم غزو إيران لسورية واليمن، وغزو حلف الناتو لليبيا لم تعد تستطيع موضوعيا بناء مركز قوة لمواجهة العدو، لأن الأولوية صارت لمواجهة الغزو الايراني، وانهيار مراكز القوة العربية، وخاصة مصر التي ما زالت رهينة كامب ديفيد.
في ظل هذا الاختلال العميق في موازين القوى أصبحت دول الخليج الصغيرة عرضة لدفع الثمن، في المواجهة مع إيران، وينتابها خوف مبرر من مؤامرات التوسع اضطرها لشراء أمنها من أميركا ترامب، لتحميها من إيران. وما اعتراف الامارات بإسرائيل، واقدام دول اخرى على خطوات تطبيعية سوى جزء من الثمن الذي فرض عليها دفعه. ولكن لا بد من القول بالمقابل إن غالبية شعوبنا ودولنا ما زالت ترفض الاعتراف والتطبيع بدليل أن غالبية الدول العربية لم ترحب بالخطوة الاماراتية.
إن الأمل الباقي أمام أمتنا لتغيير المعادلة هو استمرار ثوراتنا الشعبية العربية ولا سيما في سورية ولبنان والعراق لتحريرها من مخالب الغزاة الجدد الذين لا يقلون خطرا عن العدو الصهيوني، وعلى رأسها الثورة السورية التي سيحطم انتصارها بإذن الله ما يسمى الهلال الشيعي والمحور الايراني ومحور المقاومة ودحر الغزو الفارسي والروسي وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية عربية جامعة ومقدسة، وإعادة قطع العلاقات مع العدو، التي أقامتها بعض الأنظمة الجبانة والخائنة.
وسيثبت الزمن أن كل هذه الخطوات مجرد عمليات سطحية ودعائية، ذات تأثير اعلامي ونفسي محدود، ولا تؤثر في حقائق الصراع التاريخية، وفي وعي شعوبنا الرافض للتطبيع مع اسرائيل.