الشعب السوري يصنع مستقبله

أحمد العربي

انتصر الشعب السوري وثواره واسقطوا النظام المستبد القمعي المجرم بعد ما يزيد عن ثلاثة عشر عاما من الصبر وتقديم التضحيات وإصرار الثوار واعدادهم معركتهم الفاصلة التي استمرت أحد عشر يوما بدأ من ٨. ١٢. ٢٠٢٤م. أنهت نظام حكم استمر ٦١عاما منذ انقلاب آذار عام ١٩٦٣م. وهيمنة حكم الاسد الاب والابن على حياة السوريين ومقدرات سورية. وعيش الشعب السوري في جمهورية الموت والفساد والظلم التي لم يحصل مثلها في التاريخ.

نعم لقد عانى الشعب السوري كثيرا. وإذا أخذنا سنوات الثورة السورية الثلاثة عشر الأخيرة فقط، فسنرى أن عدد الضحايا السوريين يتجاوز المليون والمصابين والمعاقين عن المليونين والمغيبين والمعتقلين والمفقودين حوالي المليون. هذا غير تدمير أكثر من نصف سورية بما فيها بنيتها التحتية. وتهجير وتشريد نصف الشعب السوري ١٣ عشر مليون داخل سورية وخارجها.

لقد كان النظام الساقط نموذج للطغمة الحاكمة الفاسدة المجرمة المتوحشة التي استخدمت اغلب شباب الطائفة العلوية ليكونوا أداتها القاتلة ويكونوا ضحاياها في نفس الوقت.

كل ذلك أصبح وراءنا.

ولكن نذكره وأننا لن ننسى.

أولا: الإعداد لمعركة التحرير.

لقد كان ثوارنا يعملون ويتدربون ويخططون لصناعة لحظة التحرير. عسكريا وسياسيا واستراتيجيا. وعندما وجدت هذه اللحظة بدء من انهيار المحور الإيراني وضرب حزب الله في لبنان وعودة أغلب قواته الى هناك وانسحاب الميليشيات الطائفية المصاحبة له  من سورية . وانكشاف ظهر النظام وتبين عجزه العسكري وفشله المجتمعي وتحوله لدولة فساد وقمع ومخدرات وتحويل سورية لدولة فاشلة محتلة من بقايا الإيرانيين وبقايا الروس وكان جيش النظام في أشد لحظات ضعفه وانهياره العسكري والمعنوي.

كل ذلك شكل اللحظة المناسبة لينطلق الثوار ويحرروا سورية كلها في أحد عشر يوما. وكان الطريق مفتوحا أمام الثوار. لا مقاومة تذكر. والجيش في حالة انهيار. ورأس النظام هرب صحبة الأموال السورية التي نهبها إلى روسيا.

لقد كانت معركة التحرير السورية معركة بيضاء بكل معنى الكلمة. فلا عنف بلا مبرر ولا ثأر حيث ظروف الثأر موجودة. ولا اعتقال وتنكيل بأي من جيش النظام ومخابراته او شبيحته. وترك ذلك إلى لحظة المحاسبة القادمة.

لقد دخل الثوار المدن السورية دخول الفاتحين بدء من حلب الى حماة وحمص ومن ثم دمشق وعادت سورية لأهلها.

نعم هذه حقيقة نحاول هضمها وتصديقها.

ثانيا: ما هو الموقف الاقليمي والدولي من القضية السورية لحظة التحرير.؟.

لقد كان الثوار على تواصل مع الدولة التركية ودولة قطر اللتان كانتا منذ بداية ثورة السوريين داعمتان لها ولمطالب الشعب السوري العادلة. وهذا التواصل والتنسيق أفاد كثيرا في جميع مراحل التحرير. كذلك في إعادة البناء وضخ أسباب الحياة في الدولة السورية الجديدة.

حتى ان المسؤولين الأتراك وزير خارجيتهم زار احمد الشرع واطل على دمشق من قمة قاسيون. وكأنه يقول : نحن هنا.

كذلك أرسلت الدولة القطرية وزيرا مع وفد رفيع المستوى لتأكيد التزام قطر بدعم سورية وشعبها وثورتها وسلطتها الجديدة .

اما امريكا فهي تنسق ضمنا مع تركيا وهي راضية عن اسقاط النظام السوري لأنها يئست من خروجه من تبعيته لإيران ومشروعها.

امريكا تريد ضمنا تسوية ما بالتوافق مع تركيا في موضوع قسد وحزب العمال الكردستاني التي تراه تركيا تهديدا أمنيا لها. والدولة السورية الجديدة تريد أن تسترد كامل التراب السوري تحت سيطرتها. وهذا يتطلب حلا عسكريا أو سياسيا لقسد وحزب العمال الكردستاني المتواجدين شرق الفرات .

اما ايران فقد كانت قد فهمت انها مستهدفة استراتيجيا وسقط حصانها الخاسر حزب الله في لبنان. وانها لن تستطيع فعل شيء في  معركة إسقاط النظام في سورية. وان انكفاءها أفضل لها. وهكذا كان.

أما روسيا فقد ادركت ان مركب الاسد ونظامه غارق وهم منشغلين في معاركهم في أوكرانيا. ولم يقدموا للنظام سوى بعض القصف الجوي لبعض المناطق السكنية في إدلب وكأنهم يقولون حاولنا مساعدة النظام لكنه كان منهارا. ثم كان لهم دور في تهريب رأس النظام وأمواله إلى روسيا.

روسيا الان تحاول ان تفكر في خلق جسور مع الثوار بصفتهم الحكام الجدد لسورية للمحافظة على قواعدهم في الساحل السوري.

أما الدول العربية فقد كانت متخوفة و مذهولة مما حصل في سورية.

وكان لكل دولة أسبابها:

 العراق لم يتقبل لانه يعتبر احد الدول التابعة للمحور الإيراني ولو أنهم مضبوطين تحت التهديد الأمريكي وكانوا متخوفين وهددوا في الايام الاولى الثوار السوريين واستقبلوا ٢٤٠٠ عسكري وضابط من الجيش السوري هربوا بأسلحتهم الى العراق. لكنهم اكتشفوا بعد ذلك انهم ليسوا بقادرين أن يقوموا بأي دور فإن شمس المحور الإيراني قد غربت وان العراق سيكون آخر من يطبع مع الدولة الجديدة في سورية.

اما الامارات العربية فإنها أكثر الخاسرين من سقوط النظام فقد كانت تنسق مع الاسرائيليين -وما زالت- حول مستقبل مختلف لسورية عبر تقسيمها. شرق الفرات لل ب ك ك وقسد منطقة حكم كردي وجنوب سورية دولة درزية. والساحل السوري دولة علوية برئاسة الأسد نفسه. هكذا أوضحت التسريبات. هذا ما قاله الصهاينة عن حق الاكراد بدولة في سورية شرق الفرات. وبقية سورية متروكة لبقية المتصارعين. لكن هذا المطلب لم ينجح ولذلك ستعمل الإمارات والكيان الصهيوني لخلق حالات مسلحة عسكرية تحاول تخريب النصر السوري، وحتى خلق حالات مدنية تعمل ضمن هذا السياق. تارة في الدفاع عن العلمنة والتنوع وحقوق الإنسان والمرأة. الخ.

 أما بقية الدول العربية فهي تخاف من الحراك الشعبي واحتمال عودة أجواء الربيع العربي.

تخاف من اللون الاسلامي لهيئة تحرير الشام وأصولها في القاعدة. وكانت قد توافقت على احتضان نظام الأسد لتبعده عن إيران ولتخفيف ضرره في تصنيع المخدرات وإغراق بلادها منها. لذلك كانوا مرتابين ومنتظرين ان حلا سحريا يسقط الثوار وانتصارهم المبين.

لكن ذلك لم يحصل بل العكس فقد تبين أن الثوار كما هم مقاتلين لقضية الشعب. هم ايضا رجال دولة وسياسة ودراية على كل المستويات.

سيتأخر النظام الرسمي العربي في تقبل الحال السوري الجديد.

ثالثا: اليوم التالي لإسقاط النظام. وأجندة الثوار.

لقد تبين أن لدى الثوار الذين أسقطوا النظام السوري في وقت قياسي كانوا قد أعدوا خطتهم لما بعد إسقاط النظام .

لقد كانت اولى الاولويات ضبط بقايا وفلول النظام الساقط من القوى العسكرية بحيث تم ضبط اغلبهم وإدخالهم في عمليات تسوية جماعية طالت محافظات الساحل حيث اغلبهم ابناء تلك المدن. كما فسحوا المجال لعودة الفارين إلى العراق وإدخالهم في التسوية الجارية كل الوقت.

لقد تصرفت قيادة الثوار العمليات العسكرية. وقائدها ابو محمد الجولاني احمد الشرع الذي تصدر الواجهة وظهر كرجل دولة كان قد مارس الحكم لثماني سنوات سابقة في محافظة ادلب ونجح فيها بشكل كبير.

لقد تبين ان احمد الشرع رجلا استفاد من وقته كثيرا منذ ذهابه الى العراق لنصرة أهلها ضد الاحتلال الامريكي عام ٢٠٠٣م. والى الان كان دائم التعلم والقراءة والتحليل وكان عينه على هدفه بنصرة الشعب السوري وإسقاط الاستبداد وبناء دولة العدالة والكرامة للسوريين. وكان يطور افكاره واداءه فلم يتوقف عند فكر القاعدة بل تجاوزه ليعيد قراءة الواقع السوري تعدده وتنوعه دينيا ومذهبيا واثنيا. لذلك سرعان ما قدم للسوريين جميعا بعد التحرير رسائل تطمين للاكراد والمسيحيين والدروز والعلويين والاسماعيليين لقد التقى بهم هو أو من كان من طرفه ليقول كنا منذ مئات السنين متوافقين ومتقبلين لبعضنا وجاء نظام الأسد الأب والابن عبر عقود ليخلق الفرقة والفتنة وبعد إسقاطه سنعود إلى ما كنا عليه.

اذا الوحدة الوطنية وتساوي أبناء الشعب السوري أولوية عند الحكم الجديد بقيادة احمد الشرع.

كانت الأولوية الاخرى عند الثوار هو المحافظة على هيكلية الدولة في كل المجالات. بحيث انعدم الفراغ في متابعة حياة الناس في أعمالهم ووظائفهم وجميع أمور حياتهم. لذلك تم وضع حكومة انتقالية لثلاث اشهر استلمت السلطات والمسؤوليات من وزراء النظام الساقط. وبعد ذلك سيكون هناك مؤتمر وطني سوري ويليه مجلس سوري منتخب لكتابة دستور توافقي ثم انتخابات نيابية ورئاسية وعلى كل المستويات.

نود بكل شغف بكوننا من ناشطي الثورة السورية وممن عارض النظام وتلقى تبعيات ظلمه من اعتقال وتنكيل وتجير. أن نرى نموذج الدولة الديمقراطية العادلة محققا في سورية المستقبل التي يتم تصنيعها هذه الأيام.

دستور وقانون ومساواة ومواطنة متساوية وحريات وحقوق الإنسان وتداول سلطة وان يكون المواطن السوري وحريته وكرامته وحقوقه هي أولى الأولويات.

لقد كانت حاجات الناس المعيشية الاساسية اولى المسؤوليات وتأمين الخدمات التي عمل الثوار عليها للشعب السوري حسب المتاح الممكن في كل المدن السورية. الماء والكهرباء والخبز والمحروقات وبقية الحاجات الأساسية. كما تم تقديم وعد برفع الرواتب لتكون أقرب لتلبية حاجات الناس الاساسية بدء من ١٥٠ دولار صعودا. حيث كان المعاش قبل ذلك يبدأ من ٢٠ دولار.

لقد تم تحويل السوريين جميعا لورشة عمل رائعة لا تكتفي بالاحتفال بإسقاط النظام المجرم. بل تبدأ حملات تنظيف واعمال كثيرة ذات طابع خدمي واغاثي لعموم السوريين.

لم يعكر صورة الحال السوري الجديد كثرة المنافقين ولا المزاودين ولا التهجم على القيم المجتمعية وطرح الدين “العلماني” دينا بديلا عن عقائد السوريين المترسخة فيهم منذ مئات السنين.

رابعا : العالم كله يشد رحاله الى سورية الجديدة.

لقد بهر النجاح في إسقاط النظام العالم وزاد انبهاره واقع الممارسة المجتمعية وعقلية “اذهبوا فأنتم الطلقاء” أسوة بنبينا محمد ص. التي سيطرت على سلوك الثوار. والتقدم سراعا من كل دول العالم وخاصة أمريكا وأوروبا “تحج” الى دمشق لتلتقي بقيادة الثوار لترى وتسمع وتعاين الواقع الجديد وتنبهر بما حصل وتعد كلها بأنها ستساعد السوريين في اعادة البناء وتجاوز السنوات العجاف التي عاشوها في العقود السابقة.

تأخرت الدول العربية كما ذكرت سابقا بتقبل ما حصل في سورية والتعاطي معه بإيجابية. لكنهم وبعد اسبوعين على انتصار الثورة وإسقاط النظام المجرم. بدأت تحضر وتلقي بقيادة الثوار ونحن السوريون ننتظر أن يعود العرب لسورية ويعود السوريين للعرب فهم اهلنا ونحن بحاجة لهم وهم كذلك. والأفق المستقبلي لنا جميعا أفضل عندما نكون متحدين سواء امام المشروع الايراني او التغول الصهيوني الذي يحاول ان يشوش على نصر الشعب السوري بتوغله في الجنوب السوري أو تدميره بقيا السلاح السوري.

اخيرا: الاحداث على الارض في سورية ومن شعبها ومن قادة حكمها الجديد ومن الدول العربية والإقليمية والدولية في سيولة مستمرة. حاولنا أن نطل عليها بعد مضي اسبوعين على انتصار ثورتنا و اسقاط النظام المجرم وولادة سورية الجديدة التي ستعيد للسوريين جميعا الكرامة والحرية والعدالة وتسير بهم عبر الديمقراطية الى حياتهم الافضل.

 والشعب السوري بعون الله تعالى قادر على تحقيق ذلك…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى