كان هيغل وماركس يعتقدان أن تطور المجتمعات البشرية ليس بلا نهاية، لكنه سيكتمل عندما تجد البشرية الشكل الاجتماعي الذي يشبع حاجاتها الأكثر عمقاً والأكثر أهمية. وهكذا يكون المفكران قد وضعا ((نهايةً للتاريخ)) بالنسبة لهيغل تتجلى تلك النهاية في الدولة الليبرالية. أما بالنسبة لماركس ففي المجتمع الشيوعي. هذا لا يعني أن الدورة الطبيعية للولادة والحياة والموت سوف تتوقف وأن الأحداث المهمة لن تقع أو أن الصحف التي تتحدث عنها ستتوقف عن الصدور. ولكن ذلك يعني أنه لن يكون هناك إمكانيةٌ للتقدم في تطور المؤسسات الرئيسية والمبادئ المتعلقة بها. لأن كل المسائل الكبرى سيكون قد تم حلها. ((فرنسيس فوكوياما _ نهاية التاريخ والإنسان الأخير))
كنت أتمنى من كل أعماقي أن يشاركنا العظيم فوكوياما مظاهرة وحيدة وبقدرةٍ عجائبية يدرك وجعنا هكذا دفعةً واحدةً ثم يدخل للمعتقل سنوات وسنوات. ليخرج ويجد أن مقبرة الهتافات أمست محجاً للمستولين، متمنياً ألا يُعجب بغتةً بزعيم سدنة الهيكل والمفاوضات حسن عبد العظيم حتى والنظام يقطعنا إرباً ويدفن جيلاً كان خلاصة الثورة وروحها ومعناها وجلُّ أنبياءها، وينجب من المعتقلات من يشبه حسن عبد العظيم بترويه وحكمته التي باتت أبعد من حلمنا ذاته، ثم يقرأ أخيراً عطب الذات. الخيبة الكبرى هنا أن مولانا فوكوياما للأسف الشديد يرى ثورتنا (حرباً أهلية). لذاك لن يعنيه كثيراً عطب الذات.
البكم الذي أصاب كل من عراهم ضوء عطب الذات وعناهم أفراداً وجماعات أحزاباً ومؤسسات، لا يرتد لعجزهم عن الرد عليه، بل لحالة السقوط المطلق التي تصالحوا معها فمن يرضى أن ينام على حذائه في مطارٍ دولةٍ تستضيفه قرب بيوت خلائها من جهة وتقصف وطنه لتقل أطفالنا من جهة أخرى لن يعنيه بطبيعة الحل عطب الذات. لقد تجاوز مولانا العطب بسنوات.
بينديتو كروتشيه يقول: آتى الفن ليسد الفراغ بين الكلمة والشعور. بالحقيقة هذا قول ساحرٌ حقاً. وها نحن أولاء لدينا هنا فنانٌ تجاوز الستين مناضلٌ صنديد ومحاضرٌ قديم وممتهن لدرجة السحر للثقافة يسمي الثورة أزمة، ويحمل العلم الذي يرتديه من يقتلونا ويريد أن يترشح لرئاسة وطن لم يبق منه سوى حلمنا نحن فقط. يريد أن يصبح رئيسنا الموعود. ياه يا لعارنا كيف فاتنا أننا كنا بحاجة لرئيس جديدٍ فقط. والحقيقة أن هكذا ممثل حتى على الوطن لن يعنيه عطب الذات.
ببالغ الأسى اسمحوا لي سيداتي سادتي أن أبلغكم أن لدينا مفكراً وسياسياً ومثقفاً ممثلاً لم يهتموا جميعاً بعطب الذات.
ذاك الشغف الذي لا يُروى والأنا العليا وفتات السلطة وأحلام المهزومين والكثير من النَهَم والقليل من الوطن وإرادة بحجم السماء بأن يكونوا حَمَلَةَ موتنا الطويل وأقزام ورثوا بغتةً جثةَ وطنٍ عملاق. أممٌ وسحبٌ وهياكل تتداعى وأجيال ستخلد للأبد ونحن، نحن المرتجفين قبل لحظات الموت خوفاً من ألا يعلم من جاؤوا يواسونا بالجريمة التي ارتكبوها هم بحقنا أن جيلاً فقد اللغات ورحل بصمت العتمة والوحدة لم يعطه أحدٌ منبراً سوى منبر الفناء الذي منحنا إياه المسخ الأكبر.
كل هذا يا سيدي في عطب الذات. هل تعرف النعاة. إنهم أولئك المخيفين الذين يرتدون السواد يأتون دون طلبٍ من أحد ليشاركوا بمراسم التشييع.
هل جربت الموت مرةً. للأسف أعرف أنك حين تجربه لن تكون بيننا. لكن قل لي هل جربت الحياة!
هل اجترأت مرةً يامن كنت ترفع عصاكَ لتهوي بها على من كان يخالفك بالرأي لتقتسم دماءنا في قاعات اجتماعاتكم، قل لي هل جربت الحياة. هل كنت للحظة مجرداً من كل شيء سوى الوطن. الوطن الذي طعنته قبل أن تطعننا يا مولاي.
اليقين الصارخ أن هناك خيانةً أن هناك عفنٌ أن هناك تورط في الرذيلة أن هناك سفاحٌ تم علانيةً أنجب هياكل لم تزد في أن تكون ملاذات لمشوهين جدد ككل هؤلاء المُلصقة صورهم هنا وهناك، تنافسوا من منهم يوغل في الخطيئة أكثر، ستلوح لك كل هذي الوجوه في عطب الذات يا سيدي فلا تبتأس أبداً، فنحن كما قال لي أحدهم مرةً (لقد جاء القدر بكم حتى تمهدوا لنا الطريق لنحكمكم يا ولدي فالله له أذرع كثيرة إحداها أنتم). لقد رأى في هتافاتنا وصرخاتنا وعذاباتنا وموتنا وحلمنا ونزفنا درباً ليحكمنا من خلاله. مكتوبٌ اسمه في عطب الذات مكتوب في كل شارع وكل معتقلٍ وكل بقعة دم لم تجف.
حين كان الوقور د. برهان يخطُ عطب الذات. لم يكتبه للمثقفين ولا للمفكرين ولا للسياسيين ولا للشيوخ. كل ما أراده من عطب الذات:
أن تعرف أنت أيها السوري المغدور أنك كنت ومازلت بحلمك العظيم وهتافاتك الأولى وخطواتك وتضحياتك ورفضك وصبرك تحت الخيام والدم أنك المعني الأول بكل حرف رسمه الدكتور برهان في عطب الذات.
وأنك أنت بوجعك وآلامك وطهرك وشقاءك وصرخاتك وتشققات يديك وقلبك من كنت تلازم لسنوات مخيلته وهو يكتب لك وحدك لا لسواك لتعلم ما أخفته عنك الصدور وكيف تقاسمكَ المسوخ.
عطب الذات كتابٌ لا يكشف الحقيقة فقط بل يؤسس لمرحلة جديدة، مرحلةٍ أسدل فيها الإصرار ستائره على بقايا ممثلين نخرتهم العمالة حتى النخاع ليتوقف على رأي مفكرينا العظيمين هيجل وماركس التاريخ ذاته فلا استمرار لنا بذات الأدوات حتى تزول. عطب الذات انقلاب حقيقي ستورق مواسم حقائقه على الأجيال الآتية ليعملوا ونعلم نحن أن خيبتنا بالأدعياء منّا أعظم بكثير من خيبتنا بالمسوخ من أولئك.
الرسالة الخالدة التي تحملها أنت أيها السوري العظيم هي القلبة الأولى والمحجة البيضاء والرتبة العليا والكتاب الأكبر. الحرية التي قدمت على مذبحها جيلاً فجيلاً ولم تترد لمحة حتى هذه اللحظة وأنت تعطي عطاء من لا يخشى الفقد حتى أمسيت من أوابد الدهر في فدائك. إن الضوء الذي ولد حين توارث السوريين الشرفاء حلمهم النازف بعضهم، كان لابد أن يورث الشعب بأكمله ثلةً من الخالدين استطاعوا أن يقدموا القضية على ذواتهم وأن يولوا للدم الأفضلية على أرواحهم. عطب الذات ومن كتبته بعض من هذا المداد.
إن بقيةً قليلة من المُخلصين ما انفكت تتمسك بإيمانها العميق بهذا الشعب الأعظم في التاريخ الشعب السوري الأبي الذي يرفع رايات العزة حتى وهو ينزف آخر ما تبقى لديه. وعطب الذات سيكون لنا وللأجيال من بعدنا رايةً سيرى فيها كل من يكون مخلصاً حجم الفاجعة وأهمية الثورة
كان حلماً جميلاً راودنا تغنينا به وغنينا له خطفه شذاذُ الآفاق وباعونا لمن دفع
اليوم تحول حلمنا ( زغم كل الألم) لفكر وثقافه يحملها الاجيال جيل بعد جيل ،
اقول : عندما تتصحر الارض لابد اولاً من استصلاحها ، آمل ان مشوار الألف ميل قطع خطوات وخطوات والمستفبل سيكتب التاريخ