قراءة في رواية: اسئلة الدم والندم

أحمد العربي

خالد ابراهيم روائي سوري كردي منتمي للثورة السورية. قرأت له سابقا رواية الاوسلاندر وكتبت عنها.

اسئلة الدم والندم رواية خالد ابراهيم التي اكتب عنها تعتمد في سردها على لغة المتكلم، وذلك على لسان شيركو الشخصية المركزية فيها.

تمتاز الرواية بغياب الأحداث المتتابعة في سياقها بل هي تنحصر في ذات بطلها شيركو داخل عالمه المغلق في منزله حيث هو في مدينة ألمانية جاء إليها هاربا من سورية بعد مضي سنوات على الثورة وتطور عنف النظام وداعش وغيرهم من جميع الأطراف، بحيث اختار الملايين من السوريين اللجوء خارج سورية لحماية حياتهم.

 شيركو يعيش داخل عقله ونفسه عبر استعادة ما عاشه عبر ذاكرته من ماضيه وماضي القضية الكردية وتطوراتها. وضمنا حياته الخاصة، وما حصل في سورية تحت حكم النظام المستبد عبر عقود وصولا الى الثورة السورية التي حصلت في ربيع عام ٢٠١١م.

يبدو سياق السرد في الرواية وكأنه يدور في ذات الحالة سواء في حياة شيركو الخاصة والعامة. لذلك نتابعه بترقب في ثنايا الرواية للوصول الى متغيرات نوعية في حياته. وتكتمل أبعاد الرواية مع آخر سطورها.

نحن هنا سنعود طرح ما أرادت الرواية توصيله لنا كقراء وبشكل مركز ومتسلسل.

شيركو الشاب مواليد سبعينات القرن الماضي ابن احدى القرى الحسكة. والده يعمل على حصادة زراعية. كان شيركو يساعد والده أحيانا. تابع شيركو القضية الكردية بصفته  كردي سوري. وأدرك التمايز الاثني الذي عاناه الأكراد السوريين من قبل النظام السوري. سواء بعدم تعلم لغتهم ومنع مناشطهم الثقافية الكردية الخاصة. وقبل ذلك وبعده حرمان الكثير منهم من الهوية الوطنية السورية ، مع كل ما ينعكس عنها من مشكلات في حياتهم العملية في كل شؤون الحياة.

ولا بد من التنويه لإشادة شيركو بالتعايش المجتمعي بين العرب والكرد والآشوريين في مناطقهم بكل احترام ومحبة وتعاون. وهذا يعني ان لا مشكلة بين السوريين أنفسهم كمكونات متنوعة داخل النسيج السوري.

أدرك شيركو تلاعب الدول الاستعمارية بالاكراد وقضيتهم بحيث منعوهم من تشكيل دولتهم القومية في بداية القرن العشرين. ووجدوا أنفسهم موزعين في تركيا وإيران والعراق وسورية. ولهم في كل بلد واقع ومشاكل وتداعيات حياتية مختلفة. كان منتميا لاحد الاحزاب الكردية السورية المعارضة للنظام. وكان هذا الحزب متأثرا و منتميا لأفكار مصطفى البرزاني المعتبر عندهم رمزا ومرجعا. تحدث بتوسع عن حال الكرد في سورية وبقية الدول وكيف كانوا ضحية استخدام من قبل دول المنطقة والقوى الدولية. كما ذكر دور الأسد الأب في احتضان عبد الله أوجلان وبنائه حزب العمال الكردستاني. الذي كان له دورا تخريبيا على الكرد السوريين حيث جندهم لأجل قضية ليست قضيتهم وجعلهم أدوات حرب ضد الدولة التركية. هذا غير الصراع الضمني بين حزب العمال الكردستاني الذي كان حليفا للنظام السوري بمواجهة بقية الأحزاب الكردية المعارضة للنظام السوري. وزاد الأمر سوء عندما حصلت الثورة السورية وأعاد النظام السوري دعم حزب العمال الكردستاني بالمال والسلاح وأعطاه الصلاحية ليقضي على الثورة السورية في المناطق الكردية السورية.

لقد كانت استجابة الأكراد السوريين للثورة السورية ايجابية ومثل كل السوريين. وفرزت قادة لها نموذجهم مشعل تمو الذي اغتالته النظام او احدى ادواته. وكيف قام حزب العمال الكردستاني بعمليات عنف وتدمير قرى عربية وكردية  في المناطق التي سيطر فيها. هذا غير الضحايا والمعتقلين والمخطوفين وهم بالآلاف.

كما يوضح شيركو أيضا أن حزب العمال الكردستاني جعل من مقاتليه بندقية للإيجار حيث نقل ولاءه من النظام السوري أو عمل بازدواجية لمصلحة النظام السوري و أمريكا والتحالف الدولي الذي جاء ليقضي على داعش بعدما ظهرت وتوحشت.

بالطبع لم يسرد شيركو كل ذلك وكأنه مقالة سياسية. بل جاء على شكل إشارات متتابعة ضمن سياق بوح شيركو عمّا يعتلج في نفسه وهو يعيش في ألمانيا في ذلك البيت متوحد تهاجمه الذكريات. ويحضر إليه الكثير من الثوار الشهداء. يحضر مشعل تمو والشيخ معشوق الخزنوي. الضابط المنشق حسين الهرموش والكثير الكثير من شهداء الثورة من كل أركان سورية، يتحاورون كثيرا. يتحدثون ويعيدون رسم الصورة وسرد الواقع والوقائع. مع إصرار منهم على التدوين لكي لاننسى ولتبقى حقيقة المأساة والمظالم السورية حية في الأذهان في كل زمان.

يتحدث شيركو عن عنف النظام المجرم بحق الشعب السوري الثائر في كل مناطق سورية براميله المتفجرة وقصف الصواريخ والطائرات بالكيماوي وبكل الاسلحة المتاحة لديه.

شيركو يتحدث عن داعش هذا الوحش الذي ظهر وكأنه ولد فجأة بينما هو إنتاج القمع والاستبداد والسجون حيث حصل فيها تزاوج  الفكر السلفي الجهادي بفهمه الخاطئ للاسلام مع واقع القهر والظلم في السجون وذلك منذ افغانستان والاحتلال الأمريكي لها. ومن بعد احتلال العراق من قبل الامريكان. ولا ننسى إخراج النظام للسلفيين الجهاديين من السجون في بداية الثورة ليكونوا نواة ما سيصبح بعد ذلك داعش والقاعدة. الذين استهدفوا الثوار السوريين وكانوا جبهة مساعدة للنظام بالتحالف مع الإيرانيين والمرتزقة الطائفيين وحزب الله وروسيا مما جعل الغرب يصنع تحالفه الدولي حتى يقضي على داعش. ويغض الطرف عن النظام السوري وجرائمه. ويتم إعادة شرعيته من جديد.

نعم لم يذكر شيركو كل ذلك في سرده، بل كان مفهوم ضمنا. كنّا نراه رجلا متعبا متألما يعيش وحدة قاتلة. يستعيد ماضيه وحال سورية والقضية الكردية بمرارة وهو يرى كل ما كان يحلم به قد ذهب مع الريح.

يستعيد محاولة الاكراد ان يصنعوا لهم سقفا جامعا بين أحزاب المؤتمر الوطني الكردي مع حزب الاتحاد الديمقراطي الحزب الوليد عن حزب العمال الكردستاني وفشل هذه المحاولات. و كيفية استحواذ ال ب ك ك على القرار الكردي في سورية وخاصة بعدما أصبح يستظل بالغطاء الأمريكي بعد استخدامه في محاربة داعش. و تحوله لقوة أمر واقع تتصرف بعنف وظلم ووحشية مثل النظام السوري حيث تواجدها شرق الفرات وشمال شرق سورية.

  لا يخفي شيركو معاناته وغضبه من التطورات التي حصلت على جبهة الصراع مع داعش وادت بعد ذلك لسيطرة الثوار السوريين المدعومين من تركيا في مناطق نبع السلام ودخولهم الى عفرين وجوارها. هو يرى ذلك نوع من الاحتلال. ونحن نراه تحريرا. وبكل الأحوال مستقبل الأيام يظهر ما الصحيح في كل التحاليل.

هل اقول تنتهي الرواية عند حدث معين؟ الجواب لا جديد في نهاية الرواية إلا أننا نتذكر تاريخ شيركو الشخصي وانتماؤه الحزبي وخلافه مع بعض قادة حزبه. وانه كأغلب السوريين اختار طريق اللجوء إلى ألمانيا حيث واجهته صعوبات كثيرة. وأن أطفاله قد غرقوا في البحر عند محاولة لجوئهم. وعيشه بالكامبىفي بداية لجوئه، هو يعيش وحيدا الآن يلتقي احيانا ببعض اللاجئين مثله، لكنه لم ينسجم معهم كثيرا. يعيد تذكر ما حصل معه وما حصل في سورية وحول القضية الكردية…

هكذا بدأت الرواية وهكذا انتهت.

ونضيف تعقيب غير الذي قلناه ضمن سياق عرض الرواية:

أنني منبهر بقدرة الكاتب خالد ابراهيم في روايته هذه اسئلة الدم والندم التي اقرؤها وقبلها الاوسلاندر. بحيث يستطيع ان يجعلنا نتابع سرده بشغف دون أن نرى أننا أمام حدث روائي متصاعد في الزمان والمكان للوصول إلى نتائج محددة قررها الروائي حين عزم على كتابة روايته.

الحدث في رواية خالد ابراهيم هو الموضوع الذي ينشغل عليه كعمليات استرجاع وحوار مع أشخاص حقيقيين أو متخيلين ضمن الرواية. هذا من جهة ومن جهة أخرى السرد عن ذات بطل الرواية بصفته جزء من الحدث الروائي. ألمه ومعاناته وما حدث معه وكيف يعيش ايامه. وتوقه إلى حب لم يعد متاح. والعائلة التي فقدها. والى وطن اصبح بعيدا ويسكن الخيال. مدمن القهوة والسجائر ويعتبرها قوارب نجاة مما يعاني. حاول الانتحار مرة ولم يفلح.

كل ذلك لا يغيّب واقع ماعاشه وكونه ضحية نظام مستبد مجرم قتل الناس وهجرهم ودمر بيوتهم وبلداتهم.

لم تغب الرسالية من رواية خالد ابراهيم. انه يكتب لكي تبقى الحكاية السورية بكل آلامها موثقة للاجيال القادمة لعلها تقوم ثورة ناجحة في قابل الأيام…

من وحي الثورة السورية ومطالب كل الشعب السوري بكل مكوناته أن يسقط الظلم والاستبداد وان تتحقق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل لكل السوريين.

كتب خالد إبراهيم هذه الرواية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى