دفن بلا قبر 

عساف السلمان

في السويد
كانت الثلوج تنظف الشوارع،
وفي سوريا كانوا يغسلون أمي.

أنا هنا،
أمام شاشة باردة،
أراقب ساعة المستشفى،
وساعة الغياب،
وساعة قلبي التي تعطّلت فجأة.

قالوا لي: تعزّى.
وكيف يتعزّى رجل
لم يحمل أمّه للمرة الأخيرة،
لم يسر خلف نعشها،
لم يضع جبهته على ترابها
ليتأكد أنها وصلت؟

أمي هناك،
وأنا هنا،
بيننا حدود، وجواز سفر،
وخريطة أقسى من القبر.

مددت يدي…
فصافحت الفراغ.
أردت أن أقبّلها،
فاصطدمت بزجاج الهاتف.
أردت أن أبكي بصوت عالٍ،
فتذكّرت الجيران
والقوانين
وهدوء الدول المتحضّرة.

هم يدفنونها الآن،
وأنا أعدّ خطواتهم
كما يعدّ سجينٌ خطوات الحرية
وهي تبتعد.

يا أمي،
سامحيني
لأنني لم أكن ترابًا بين يديك،
ولا كتفًا تحت نعشك،
ولا دعاءً يُسمَع في الصف الأول.

سامحيني
لأن غربتي
كانت أقوى من واجبي.

أنا الوحيد الذي لم يشارك في جنازتك،
لكنني الوحيد
الذي دُفن معك
من دون قبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى