قراءة في رواية : مذكرات لاجئة. بين الوطن واللجوء هناك قصة.

أحمد العربي

صدرت رواية مذكرات لاجئة – بين الوطن واللجوء هناك قصة. للكاتبة حنان العزو. عن مكتبة الأسرة العربية في اسطنبول.

جاءت رواية مذكرات لاجئة أقرب إلى سيرة ذاتية بلسان حنين الشخصية المركزية في الرواية – السيرة ، التي تسرد بصيغة المتكلم…

تبدأ الرواية من معايشة الحالة المباشرة للحرب الهمجية التي يقوم بها النظام السوري المجرم على الشعب السوري الذي ثار عليه في ربيع ٢٠١١م. في مدينة تسكنها حنين مع أسرتها المكونة من والدها ووالدتها وأخيها الصغير. حنين في سن المراهقة. والدها كانت قد اعتقلته السلطات السورية أخذوه من البيت ولم يعرفوا عنه بعد ذلك شيئا…

مدينة أو بلدة حنين يبدو انها من البلدات الثائرة. نعرف ذلك في سياق الرواية لاحقا. لكن الحدث الأبرز في بداية الرواية هو القصف بالبراميل المتفجرة من طيران النظام و مدفعيته وبقية اسلحته. هذه البراميل المتفجرة التي أصابت البناء الذي فيه بيت عائلة حنين. حيث كانت وامها واخوها يحتمون به. انهار البناء وتم إخراجهم من بين الانقاض واسعافهم. إصابة حنين ووالدتها كانت ببعض الرضوض والكسور. لكن إصابة أخيها كانت قاسية. مما ادى لإجراء عملية بتر لقدميه. كان فاجعة العائلة كبيرة. وهذا حال الكثير ممن يسكن بجوارهم. ضحايا ومصابين. مآسي جماعية عاشها الجميع…

انتقلت حنين ووالدتها وأخيها الى بيت جدتها في البلدة ذاتها حيث لم يستهدف بيت الجدة .

 عاشوا في كنفها. لكن حال قصف النظام بطائراته  و براميله المتفجرة والمدفعية لم يتوقف. مما دفع الناس لمغادرة البلدة إلى الحقول والأراضي المجاورة والبعض انتقل الى بلدات اخرى. وهم يأملون أن تنتهي هذه الحرب المعلنة على الناس ويعودون الى بيوتهم او أنقاض بيوتهم. وبالفعل عادت حنين وامها واخيها وجدتها ليسكنوا في بيت جدتها. وهكذا استمر الحال لفترة من الزمن. وفي يوم وصلت الاخبار الى عائلة حنين ان هناك مجموعات من قوات النظام تجتاح البلدة من جهة مسكن أخت الجدة التي كانت في زيارتها الجدة في ذلك الوقت. وانهم يقومون بعمليات قتل وذبح واغتصاب ونهب شامل. أصاب الذعر حنين وعائلتها. وخاصة بعد معرفتهم بمقتل جدتها وأختها على يد قوات النظام المجرم…

لقد اصاب الحزن والذعر والخوف عائلة حنين وقررت أن تلجأ الى مناطق حدودية آمنة. حيث انتقلت الام وحنين واخيها المقعد الذي يتنقل على كرسي متحرك تجره أمه أوأخته …

استقروا على الحدود في مخيمات قماشية أقيمت على عجل لا تقي برد ولا حر. وكانت الخدمات معدومة. وسرعان ما جاءت منظمات محلية ودولية تقدم سللا غذائية. ولم تكن تكفي معيشتهم. مما دفع الأم أن تستفيد من بعض مدخراتها و مصاغها وتبيعه وتذهب للبلدات المجاورة وتحضر بعض الطحين وتحوله الى خبز وفطائر متنوعة وتبيعه لعل حالهم تكون افضل. لكن ذلك لن يستمر وتعود أحوال العائلة الى مزيد من السوء. لقد استغل البعض من الانتهازيين واقع اللجوء السوري. فكثرت زيجات القاصرات. وكأن الفتيات سلع للبيع. وحتى محاولة استغلال البعض لواقع اللاجئين خاصة من النساء حيث حاول البعض استغلال حالتهم ودفعهم للخطيئة…

لكل ذلك مع انسداد الافق امام عائلة حنين  قرروا أن يلجؤوا الى تركيا و يستقروا في البلدات المجاورة لسورية. وهناك قررت الأم أن تعمل في خدمة البيوت. ووجدت من يسكّنهم وتعمل عندهم وتوفر اجرة مسكن وثمن طعام. لكن ذلك على حساب إنهاك وتعب الأم التي أصبحت تعمل كل الوقت. كان الأتراك متنوعين في التعامل مع اللاجئين السوريين البعض تفهم وضعهم وعاملهم بالحسنى والبعض تصرف بعنصرية. خاصة عندما قررت حنين هي واخيها متابعة الدراسة في المدارس التركية. وكان مشوارها في الدراسة صعبا حيث تحملت التنمر والتعامل معها بدونية لكونها لاجئة. لكن دراستها و مواظبتها وتفوقها. عوض عنها بنجاح وتفوق لفت نظر المدرسين والإدارة. وأصبحت حنين نموذج للطالبات المواظبات ونجحت بتفوق حتى حصلت على شهادة البكالوريا. ولان امكانياتها معدومة اعتمدت على طلب الحصول على منحة دراسية من الدولة التركية للدخول الى الجامعة وأقدمت على ذلك لسنتين متتاليتين ولم تحصل على المنحة. لذلك كان لا بد أن تعمل حنين مع والدتها في خدمة البيوت. لتأمين لقمة العيش وكذلك أجرة السكن. وحصل ان حاول احدهم وهو ثري ان يخطب حنين للزواج مع معاملتهم الفوقية ، قبلت على مضد. ولكنه تركها في آخر لحظة وزاد ذلك من جرحها النفسي. وزاد سوء حال حنين وقوع أمها في تنظيف أحد البيوت واصابة ظهرها واصبحت عاجزة عن العمل وهكذا أصبحت المسؤولية كاملة تقع على حنين تعمل لتعيل امها واخيها..

تعرفت حنين وامها على امرأة تركية تعيش وحيدة وابنها مغترب. عاملوها بالحسنى وهي بادلتهم المعاملة. وانتقلوا للعيش في بيتها وكأنها جدّتهم وهم أولادها. كان ذلك مفيدا لحنين التي جاء لها القبول في جامعة اسطنبول في قسم علم النفس وانتقلت إلى هناك وتركت امها واخيها مع تلك الجدة. كانت توفر بعضا من معاش المنحة وترسله لاهلها. وكذلك استفادت من تفوقها باللغات الاجنبية وعملت بترجمة الكتب وحصلت على مردود جيد جعلها تفكر بعد وقت ان تحضر امها واخيها إليها في اسطنبول. وبالفعل استأجرت غرفة في ملجأ و جلبتهم الى عندها. وعاشت حنين في الجامعة ذات معاناتها في المدرسة حيث التنمر والاساءة لها لكونها لاجئة. لكن تفوقها ونجاحها جعلها نموذج محبوبا من المدرسين والادارة والطلاب. وكذلك تعرف عليها طبيب يعمل في مشفى مجاورة لجامعتها التقيا صدفة أكثر من مرة. تعلق بها وهي بخلفيتها الدينية الملتزمة بقيت على مسافة منه. مما جعله يتعلق بها اكثر. مضت السنوات ونجحت حنين في جامعتها. وأصبحت نموذجا يحتذى. لكن متغيرا قاسيا حصل في حياتها زاد من بؤسها ومعاناتها. لقد حصل ماس كهربائي في المنزل الذي تسكنه امها واخيها وهي غير موجودة أدى لحريق ولم يستطيعوا انقاذ انفسهم واحترقوا. تم اسعافهم لكن توفوا. وجدت حنين ان كل من حولها يعزيها في مصابها. لكن لا تعويض وخاصة ان والدها للآن لا أخبار عنه فما زال في سجون النظام…

تخرجت حنين من جامعتها بتفوق وتم اعطاءها منحة أخرى لدراسة جامعية أعلى. وبدأت تدخل في المجال العملي. حيث تذهب الى المستشفيات وتلتقي المرضى اليائسين وخاصة المصابين بالسرطان وتساعدهم على تقبل واقعهم وأن يعالجوا وإمكانية الشفاء كبيرة. نجحت كثيرا الى درجة اعطائها صفة الطبيبة قبل أن تحصل على الشهادة الجامعية. وهذا استثناء تستحقه. كان ذلك الطبيب بجوارها دوما ويساعدها…

وزاد حياة حنين سوء انه جاءها رسالة من والدها احضرها لها أحد السجناء الذي كان مع والدها في سجن صيدنايا الشهير بوحشية سجّانية وان والدها استشهد هناك تحت التعذيب…

تخرجت حنين وحصلت على الشهادة العليا. وتم دعوتها لتكون مدرسة في الجامعة التي تخرجت منها. وكذلك تقدم منها ذلك الطبيب بشكل رسمي وطلبها للزواج. لكنها رفضت التدريس ورفضت الزواج. وقررت أن تعود الى إدلب في المناطق المحررة السورية، وأن تخدم وطنها الذي بحاجة إليها وأمثالها لاعادة إحياء سورية التي قتلها النظام وحلفاؤه. وبالفعل وصلت إلى هناك لكن انفجارا من صنع النظام المجرم كان من نصيبها مع آخرين أدى لمقتلها…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

اننا امام رواية مكتوبة بطريقة مختلفة حيث تغوص الكاتبة في تفاصيل المعاش النفسي واليومي في دأب وفي متابعة استمرت دون انقطاع على مدى ٤٩٠ صفحة من القياس الكبير. حسب تعبيراتنا الشعبية “على نفس واحد” . كما ظهر ان الكاتبة كانت مصرّة ان تقول كل شيء عن واقع حال السوريين وثورتهم ولجوئهم وغربتهم وهذا أطال النص وصعّب المهمة. كما يظهر أحيانا وكأن الحدث الذي نتابعه جاء ليخدم فكرة مسبقة في عقل الكاتبة . مثلا التزمت الشديد لدى بطلة السيرة ونسبه للإسلام يحتاج لمناقشة وعلى الأقل هناك اراء اخرى في الموضوع…

كذلك الموقف من الحب الذي ظهر أنها تجاوبت معه ولكنها رمته وراء ظهرها لتذهب لتخدم قضية الوطن سورية وشعبها. وكأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحرير سورية وشعبها. وكأن من عاش وتفوق ونجح في خارج سورية لديه نقص في وطنيته.  بينما المسؤولية جماعية على السوريين جميعا يتجمعوا بعمل جماعي منظم متراكم ومستمر داخل وخارج سورية حتى يسقطوا النظام المستبد المجرم ويحققوا للشعب السوري حياة أفضل في ظل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والديمقراطية…

الرواية ممتلئة بحقائق تعري النظام السوري المجرم وتعرّية وتفضحه.

اختم بالقول نعم نحتاج ولو من باب الحلم والرغبة العميقة الصادقة أن نكون من صنف “السوبرمان” حنين. وهذا ما نجحت في تجسيده الرواية – السيرة إلى حد بعيد….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى