قراءة في رواية: الطريق الى غرناطة

أحمد العربي

عن دار موزاييك للدراسات والنشر صدرت رواية الطريق الى غرناطة. للكاتبة السورية ابنة مدينة السلمية كنانة حاتم عيسى…

تعتمد رواية الطريق إلى غرناطة لغة المتكلم في سردها على لسان جلال الدين الشخصية المحورية فيها…

قبل الخوض في الرواية لابد من التنويه أنها تعتمد في سردها على التداخل بين الذاتي النفسي لجلال وما يعيشه في غربته في اسبانيا. وما يسترجعه من ذاكرته. وما يتخيله من أحداث حدثت أو لم تحدث، وما يسترجعه من ذاكرته لما عاشه في ماضيه. هو شاب في مقتبل العمر و مصاب بفقدان ذاكرة جزئي بسبب مجموعة حوادث حصلت معه وهو يراجع طبيب نفسي. وتتابعه الشرطة الاسبانية في تحقيق حول غياب حبيبته أو زوجته كما يدعي، وهو متهم بقتلها واخفاء جثتها. ونحن كقراء ومتابعين للرواية نتتبع خيوطها المعقدة وأحداثها الغامضة الأقرب للبوليسية. لنصل الى ختامها حتى تكتمل أبعاد الرواية ونفهم حقيقتها بدقة وشمول…

تبدأ أحداث الرواية حيث يعيش جلال في مدينة غرناطة الاسبانية التي جاء اليها منذ سنوات ما بعد “الحرب” السورية على حد تعبير الكاتبة عام ٢٠١١م. جلال درزي المذهب وكان يعيش في دمشق موهوب فنيا. يرسم وينحت. له حضوره ومعارفه . عندما بدأت الأحداث في سوريا ساعده والده ماليا وأمن له فرصة الخروج إلى إسبانيا على أن يذهب بعد ذلك إلى ألمانيا. لكنه استقر في غرناطة. حيث بدأ في الرسم وصناعة المنحوتات. وتعرف على احد التجار ومروجي المعارض الفنية. تبناه وجعله تحت عهدته. بحيث يرسم وينحت ويبيع وأصبح في فترة وجيزة ثريا نسبيا. قياسا الى حال لاجئ…

مرت على حياة جلال متغيرات كثيرة. عمادها الأساسي كان المرأة. فهو يصنع تقويم حياته من حبيباته اللواتي مرّ بهن وعبرنه. منذ مراهقته وحتى وصوله الى اسبانيا وانتقاله منها الى كثير من عواصم العالم مع متعهده الاسباني متابعا معارضه الفنية التي يبيع من خلالها رسوماته ومجسماته ويكسب المزيد من المال.

كل ما عاشه جلال من علاقات حب مفتوحة على عوالم الجسد والانفتاح الجنسي الكامل. تجاوزه عندما التقى بليلى في إحدى سفراته في أحد معارضه إلى دبي حيث تعرف عليها هناك. احبها واحبته  اعتبرها حب حياته. كانت زوجة “مسؤول”. قرر جلال وليلى الهروب من دبي الى اسبانيا والاستقرار هناك. لكن ذلك لم يحصل…

جلال يعيش في الحدث الروائي المباشر حالة غياب وفقدان ذاكرة جزئي كما ذكرنا في البداية. هناك من يتهمه بأنه قتل حبيبته “زوجته” ليلى. وهو ينكر. يسترجع ذاكرته تباعا. وبطريقة مبعثرة. نتفا متتابعة. يراجع طبيبا نفسيا. لأنه دخل في حالة انهيار نفسي في وقت سابق. كما يتابعه محقق من الشرطة. لانه متهم بقتل زوجته او حبيبته ليلى واخفى جثتها.

تعرف على سالم لاجئ سوري آخر بعد عراك لا معنى له. اصبحا صديقين. سالم مثله ترك سوريا بعدما حصلت “الحرب” . حيث كان احد اخوته قد قُتل مع الجيش السوري واصبح “شهيدا”. لسالم صديقة اسبانية. قرر سالم وصديقته أن يساعدوا جلال لتجاوز محنته وازمته النفسية. وان يتجاوز ما يعيشه. وأن يعرفوا حقيقة ما عاشه.

 وحتى تكتمل صورة متابعة حياة جلال لا بد من ذكر أن الاسبانية التي استأجر بيتها والتي وضعت عليه الكثير من المحاذير في عيشه داخل البيت لكونها تعتبره اثريّا.

كان متعهد المعارض الفنية الاسباني حريصا على استعادة توازن جلال وإن عليه عدد محدد من اللوحات ومن المنحوتات يجب أن ينجزها في وقت محدد لمعرض حدد وقته سلفا. وخوفا من عدم تمكن جلال من إنجاز المطلوب منه. دعم جلال ماديا وذلك صديقه سالم وجعله يهتم به كل الوقت. ليكشف حقيقة حال جلال الذي ينكر قتل حبيبته ليلى. مع أن المحقق قد تقدم خطوة في اتهام جلال بقتل ليلى وإخفاء جثتها. حيث كشفتها المرأة الاسبانية التي يسكن بيتها، كانت مطمورة في غابة مجاورة. واكتشف مع المتابعة أن علاقة حب وجنس حصلت بين المرأة صاحبة البيت وجلال ولا يذكرها بدقة. وأن تلك الفتاة المكتشفة كانت قد ماتت بحادث سير سابقا واتهمت جلال بأنه هو من دهسها…

في ختام الحدث الروائي الذي يدور في هذا الفلك. مع هلوسات جلال واحتضان سالم ودعم المتعهد الاسباني وتقصي المحقق واهتمام الطبيب النفسي ومتابعة حالة جلال بدقة. ليحاكم جلال بقتل الفتاة دهسا وليحكم في السجن في مشفى الأمراض العقلية بسبب مرضه النفسي. وليذهب سالم الى دبي بتوجيه من المتعهد الاسباني ليكتشف حقيقة ليلى…

عاد سالم من دبي ليخبر جلال ان ليلى حيّة ترزق وانها لم تمت وأنها كانت قد هربت معه من دبي الى اسبانيا وانها تركته هناك وعادت إلى دبي خوفا من زوجها المسؤول وسطوته. عندها وقع جلال في أزمته النفسية. التي جعلته يدخل في هلوسات وأحوال تابعناها في الرواية…

عاد التوازن الى جلال نسبيا وعاد بصحبة صديقه سالم و برعاية المتعهد ليكمل عمله الفني في حياته متجاوزا كل مشاكله النفسية والقضائية…

تنتهي الرواية عندما يتحدث مع ليلى بالهاتف وتعود له جذوة الحياة …

بالتعقيب على الرواية اقول:

إننا أمام رواية بجانبها الأدبي أقرب للرواية البوليسية الملغزة. التي تجعل القارئ مهتما ان يعرف وماذا بعد ؟. وحيث تدور أحداث الرواية تقريبا في دائرة واحدة تعيد سرد الواقع ذاته باشكال مختلفة…

استمتعنا عندما تذكرنا أمجادنا الغابرة في اسبانيا غرناطة وآثارها الخالدة…

لفت نظري أن بطل الرواية درزي وكأن هناك اشارة الى ان الاقليات من مكونات الشعب السوري لم تكن مع الثورة السورية. ولا بد من ذكر ما يحصل في السويداء من اعادة الكرة لروح الثورة السورية بكل عنفوانها. السلمية والمطالب العادلة. إسقاط الاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة لكل الشعب السوري بكل مكوناته الدينية والاثنية والطائفية والمذهبية….

ويلفت النظر أن الرواية تتحدث عن لاجئ سوري باع والده من ممتلكاته ليؤمن له فرصة هرب للنجاة من الحرب السورية. وعندما التقى بآخر كان ايضا هاربا من سوريا بعد أن مات أخوه في معارك مع الجيش السوري حيث كان عسكريا فيه…

نعم لم نعرف عن الحرب السورية التي هجّرت جلال وسالم الى اسبانيا الا ان جلال عاد ليأخذ بقية مقتنياته ولوحاته ووجدها قد أصابتها الحرب وعاد إلى إسبانيا دون أن يحصل على شيء…

كنا نود أن نسمع عن الحرب . من حارب من في سوريا ؟.

الموضوع في سوريا ليس خلاف بين عائلتين  أدت لمقتل شاب وهروب القاتل والدخول في حكاية ثأر…

كانت سوريا الحبيبة أحق بأن يتم المرور على ما حصل فيها. التجاهل هو تعمية عن حقائق ما حصل. والتعمية خيانة للناس وارواحهم المهدورة وحقوقهم المسلوبة. هي حرب فعلا من قبل النظام المستبد على الشعب السوري.

هناك مئات الآلاف من الضحايا إن لم يكن مليون من السوريين في هذه الحرب. ومئات الآلاف مصابين ومعاقين ومعتقلين ومغيبين قسريا. وهناك ١٣ مليون إنسان سوري بين نازح داخل سوريا لاجئ خارجها. سوريا أصبحت مقسمة ومحتلة. امريكا روسيا وايران وحزب الله والميليشيات الكردية الانفصالية ال ب ك ك. وال ب ي د …الخ. كلهم موجودين كمحتل أمر واقع جبري.

نعم خسرنا سوريا كلها. كلنا نحن السوريين من يعيش داخل سوريا يذوق مرارة الحرمان والجوع والفاقة والاستبداد. ومن يعيش خارجها يحنّ الى ما كان في ذاكرته من سوريا. يبكي بعده عن قبور أهله التي تركها، وعلى مرابع طفولته وحياته التي كانت، ولن تعود…

رحم الله سوريا وأهلها…

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رواية “الطريق الى غرناطة” للكاتبة السورية بنت السلمية “كنانة حاتم عيسى” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي منىالكاتب أحمدالعربي، الرواية تتحدث عن سيرة اللاجئ السوري “جلال” الذي يعيش في مدينة غرناطة الاسبانية جاء اليها بعد “الحرب” السورية عام ٢٠١١م. جلال درزي المذهب وكان يعيش في دمشق موهوب فنياً.

  2. اعتقد انه من الافصل ان لانساعد في الترويج لمثل هذه الروايات..
    فالثورة السورية ..بحاجة الى اضعاف اضعاف الجهود الموجودة للدفاع عن كونها ثورة شعبية بامتياز..
    واظهار انها تعرضت للاغتيال من قبا نظام دولي قذر

زر الذهاب إلى الأعلى