أبناء جيلي يتذكرون هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 , وأنا شخصيا أتذكر وقائع ذلك اليوم الأغبر بالدقيقة والساعة والبيانات العسكرية الكاذبة التي كانت اذاعات دمشق والقاهرة وعمان تبثها عن انتصارات وهمية وخسائر تلحق بالعدو الإسرائيلي تبين بعد ثلاثة أيام أن الحقيقة فيها كانت عكس ما يذاع علينا من أخبار ملفقة . وبعد عقدين جمعتني الفرصة مع وزير الاعلام المصري في تلك الفترة السيد محمد فائق (ما زال حيا .. أمد الله في عمره) وسألته عمن كان يعد تلك البيانات فأكد أنها المخابرات الحربية التي وضعت يدها على الاذاعة وكان يرأسها شمس بدران رجل المشير عامر .
أما اهم ما أتذكره من ذلك الحدث فهو البيان الذي أذاعه راديو دمشق وكان موقعا باسم وزير الدفاع قائد القوى الجوية اللواء حافظ الاسد وجاء فيه ما مفاده أن قوات العدو الاسرائيلي تقدمت على جبهة الجولان واستطاعت تدمير الدفاعات السورية , ثم يطلب البيان من جميع الجنود والضباط في الجيش العربي السوري الانسحاب كيفيا من الجولان الى خط الدفاع الثاني , أي العاصمة دمشق أو بالقرب منها . هذا القرار صدر صباح الجمعة 9 / 6 معطيا الأمر بتسليم الجولان كاملة لإسرائيل.
في الاعوام اللاحقة صرفت وقتا طويلا وجهدا استثنائيا بشكل شخصي لأعرف حقيقة ما حدث , حيث قابلت وسألت عشرات السوريين الذين كانوا في الجولان وقت الحرب , فضلا عن قراءة آلاف الصفحات بين كتاب ومقال عما جرى في الجبهة السورية واتضح بما لا شك فيه أن قرار الاسد للقوات السورية بالانسحاب كيفيا ( أي الهروب عشوائيا) كان خيانة ولم يكن له مبرر عسكري , لأنه حتى ساعة صدوره لم يكن هناك اي هجوم اسرائيلي على الجولان , بل كان هناك هدوء تام , وفوجىء الجنود بالقرار فهربوا عبر البراري حفاة وعريا وجوعى ومنهم من ظل يزحف ويركض على ساقيه ثلاثة ايام حتى وصل دمشق وهو في الرمق الاخير بينما احتكر الضباط السيارات ليهربوا بها , وروى لي ممرض أنهم تركوا في المشفى العسكري بالقنيطرة الجنود المرضى والجرحى وراءهم وأغلقوا عليهم الأبواب قبل أن يفروا ! وفيما بعد صدرت شهادات من بعض من كانوا في القيادة تضمنت اعترافات موثقة عن مؤامرة النظام السوري واسرائيل لاشعال الحرب وتوريط مصر ولتحقق اسرائيل أطماعها في مضاعفة مساحة الاراضي العربية التي تغتصبها . وجاء في الشهادات والكتب الغربية التي صدرت بعد اعوام أن قيادة دمشق قررت تسليم الجولان مقابل ألا تهاجم اسرائيل دمشق فيسقط النظام , وكان الدور الابرز في الصفقة لوزير الدفاع حافظ الاسد , ومن المؤكد أنه نال مكافأته على تسليم الجولان بعد ذلك بثلاث سنوات حين استولى على السلطة عام 1970 واصبح أهم لاعب على الجبهة الشرقية لاسرائيل … ولا شك ولا ريب في ان الجولان المحتل هو رهينة اسرائيل وثمن بقاء النظام السوري في الحكم !
ولم يكن المرحوم سعد الله ونوس مخطئا أو معابثا اذ اختار لمسرحيته عن الفضيحة عنوان : حفلة سمر من أجل 5 حزيران !
الجولان ما يزال مرهونا لاسرائيل , وآل الأسد ما زالوا في الحكم , والشعب السوري كله ما يزال مرهونا بين الطرفين ويدفع من دمه وماله أكلاف الصفقة ..!
المصدر: صفحة محمد خليفة على الفيسبوك
05_ 06_ 2014
قراءة دقيقة وتحليل دقيق ورؤية موضوعية لحرب حزيران 1967 ودور نظام طاغية الشام “الأسد” لتسليم الجولان وبيان وزير الدفاع قائد القوى الجوية اللواء حافظ الاسد بأن قوات العدو الاسرائيلي تقدمت على جبهة الجولان واستطاعت تدمير الدفاعات السورية , ويطلب من جميع الجنود والضباط بالجيش الانسحاب كيفيا من الجولان، رحم الله المناضل العروبي الكاتب محمد خليفه وأسكنه فسيح جنانه.