حـــافـــــظ الأســـــد وحـــزيــــران : مـــصــــادفــــات ومـــؤامــــــــرات !

محمد خليفة

مــــن حــــزيـــــران 1967 الى حـــزيـــران 1982 : ســيــنـــاريــو واحـــد !

حــكـــام دمــشـــق تـــواطـــأوا مــع اســرائــيـــل للــقــضــاء على نـاصــر وعــرفــات

الـــعـــلاقــــات بــيــن بــعــث ســـوريـــا واســـرائـــيــــل بــــدأت مـــنـــذ 1966

من المصادفات القدرية الغيبية أن حافظ الأسد ولد يوم 6 تشرين الاول / اكتوبر 1930, وهو يصادف نفس اليوم الذي بدأت فيه حرب تشرين/ اكتوبر ضد اسرائيل عام 1973 , تلك الحرب التي تكتنفها ملابسات كثيرة وتختلف في تقييمها الآراء والمواقف : هل كانت (حرب تحرير أم حرب تحريك للحل السياسي) كما قال الجنرال المصري المرحوم عبد الغني الجمسي أم كانت مسرحية نارية . ومهما اختلفت مواقفنا السياسية من حافظ الأسد فلا أعتقد أن اثنين يختلفان على أن قرار حرب تشرين كان من أهم قراراته ومحطات حكمه المديد , ويحتاج لكثير من الدقة والتعمق في تحليل ظروفه ودوافعه الشخصية والدولية , لا سيما إذا اتفقنا على مسؤوليته عن خسارة هضبة الجولان وتسليمها لاسرائيل بلا قتال , وبطريقة لا تدع امكانية لاستبعاد الارتياب القوي وتجنب الرواية الشعبية السارية منذ ذلك الوقت بين السوريين ( الاسد باعها مفروشة ) ! .

ولا يقل عن المصادفة السابقة اثارة للتأمل المصادفة القدرية الثانية التي تمثلت في موت حافظ الاسد في العاشر من حزيران/ يونيو عام 2000 وهو التاريخ الذي يصادف يوم اصداره للأمر ( التاريخي ) كوزير للدفاع للجيش بالانسحاب كيفيا من الجولان عام 1967 وتركها مباحة للعدو الاسرائيلي يحتلها بلا قتال في تلك الحرب الفاضحة !

 والواقع ان من يستعرض أحداث سوريا خلال نصف القرن الماضي (1963 – 2016) ويتتبع سيرة حافظ الأسد سيلاحظ أن الايام العشرة الأولى من شهر حزيران حفلت بأكثر من حدث وتطور يحمل القرينة على علاقة حافظ الأسد ونظام البعث بإسرائيل .

 وقع الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 في نفس تاريخ الغزو السابق عام 1967 , وبدأ بين 4 – 6 حزيران/ يونيو . والغريب أن التوافق بين العدوانين لا يقتصر على تاريخ البدء فيه , بل يمتد الى تشابه السيناريويين اللذين سارا عليه في المرتين . بل ويشمل تشابه سلوك حافظ الأسد وجيشه في المرتين بشكل مثير ومريب !

حربان .. وسيناريو واحد :

=================

قبل الغزو بشهرين تقريبا ( نيسان وايار / أبريل ومايو ) حدثت مواجهات حربية مباشرة بين الطائرات الحربية السورية والاسرائيلية في سماء لبنان استمرت نحو شهرين , أسفرت عن اسقاط الاسرائيليين ما مجموعه 88 طائرة سورية حربية من طرازي ميغ وسوخوي , وهو نفس ما حدث في الاجواء السورية قبل حرب 1967 حيث شنت اسرائيل غارات متتالية على سوريا أسفرت عن اسقاط عشرات الطائرات السورية .

كانت الغارات والمواجهات الجوية في المرتين مقدمة للعدوان البري . وفي المرتين حدث ما حدث في تاريخ واحد . في عدوان 1967 بدأ العدوان البري يوم الاثنين الخامس من حزيران/ يونيو على الجبهة المصرية ثم الاردنية ولم يهاجم الاهداف السورية إلا متأخرا .

وفي عدوان 1982 بدأت الحرب الجوية يوم الرابع من حزيران/ يونيو ثم تبعها الاجتياح البري للبنان يوم السادس من الشهر نفسه مستهدفا مواقع منظمة التحرير الفلسطينية وأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية بين راس الناقورة وبيروت , ولم يهاجم الاسرائيليون القوات السورية إلا بشكل متأخر ولهدف ثانوي هو تدمير الصواريخ التي أدخلها الاسد الى منطقة البقاع قبل ذلك بسنة واحدة .

وفي الحربين كان سلوك حكام دمشق مريبا ومثيرا للشبهة :

في الحرب الاولى عام 1967 تأخر هجوم اسرائيل البري على الجبهة الشمالية (السورية) خمسة ايام بعد بداية الهجوم على الجبهة الجنوبية المصرية والجبهة الشرقية الاردنية , وكان ذلك في وقته وظروفه مبعثا لتساؤلات كثيرة عن اسبابه ومغزاه , لا سيما وأن الاسباب العسكرية البحتة تفترض ان يكون الهجوم على سوريا متزامنا مع الهجوم على مصر وسابقا للاردن لأسباب موضوعية عديدة :

1 – بدأت الأزمة التي قادت للحرب بتوتر على الجبهة السورية – الاسرائيلية واتهم كل من الطرفين الآخر بتهديده وحشد قوات على حدوده بنية العدوان , وعلى ذلك فالمفروض أن تبدأ اسرائيل بتصفيىة حسابها مع الخطر السوري , ولكنها عندما بدأ القتال تركت الجبهة السورية وهاجمت مصر ثم انتقلت الى الاردن دون أن تقوم بشيء يذكر ضد القوة السورية وكأنها ( مطمئنة ) من ناحيتها !

2 – الجيش السوري هو القوة الثانية بعد المصري وقبل الاردن من حيث الاهمية والعدد والعدة , ويفترض أن يكون القضاء عليه هدفا للاسرائيليين يتقدم القضاء على الجيش الاردني ولكنهم تركوه خلفهم وذهبوا الى الجنوب والشرق !

3 – الجبهة السورية هي الأخطر بالنسبة للاسرائيليين , لأنها تتألف من مجموعة قمم وهضاب صخرية تستعصي على أي مهاجم . والقوات السورية تتحصن في (خط ماجينو) الذي يشبه خط الدفاع الفرنسي بمواجهة المانيا في الحرب العالمية الثانية , وهي من هذا الموقع الحصين تطل على المدن الاسرائيلية الرئيسية وتشكل تهديدا جديا لقلب الدولة العبرية ويمكنها قصفها بالمدفعية العادية , أو بالطيران الذي لا يحتاج قطع مسافات طويلة للوصول الى اهدافها , كما هي حالة الطيران المصري .

4 – طالما أن اسرائيل بدأت بالعدوان على مصر وحطمت سلاحها الجوي , ثم انتقلت الى الجبهة الغربية وبدأت باجتياح الضفة الغربية وتحطيم القوات الاردنية لماذا لم تبادر القوات السورية بالهجوم الجوي على المطارات الاسرائيلية او على مدنها خلال الأيام الاربعة الاولى من ( حرب الايام الستة ) ..؟؟

حسب محللين عسكريين كثر كان بإمكان القوات السورية استغلال فرصة انشغال العدو بمصر والاردن للقيام بهجوم بري في العمق الاسرائيلي ,أو بهجوم جوي على المراكز الحيوية, خصوصا وأن خطاب دمشق البعثي منذ حركة آذار/ مارس 1963 وضع تحرير فلسطين على رأس اولوياته اضافة لأولويات مرحلية ( منع تحويل نهر الاردن ) ! ولكن القيادة السورية لم تستغل الفرصة , وانحصر اهتمامها بحماية النظام لا حماية الوطن , تاركة مصر والاردن تواجهان العدو كل بطريقته الخاصة .

 لا جواب واضحا على السؤال السابق حيث بقي الجيش السوري بلا حراك خمسة ايام يراقب ما يجري في البلدين الشقيقين اللذين تربطهما معاهدة دفاع مشترك , ووضع الثلاثة ( خطة دفاع موحدة ) وتشكلت غرفة عمليات للتنسيق بين الجيوش الثلاثة في عمان بقيادة ضابط مصري كبير هو المرحوم عبد المنعم رياض , وبقي السر في رأس حافظ الأسد .

كان هذا الجنرال أول علوي في تاريخ سوريا يصل الى وزارة الدفاع , وأحد اربعة أشخاص يسيطرون على قرار الحرب والسلام في النظام (صلاح جديد , حافظ الاسد , نور الدين الأتاسي , يوسف زعين ) وكان التوتر بين سوريا واسرائيل قد بدأ في اواخر عام 1966 من جانب دمشق باتهامها للاسرائيليين بحشد قواتهم على خط الهدنة استعدادا لشن عدوان هدفه ( اسقاط نظامها التقدمي ), ومع أن الدوائر الاستخباراتية السوفياتية نفت علمها بوجود حشود اسرائيلية واصلت أبواق دمشق اتهاماتها للعدو واستغاثاتها طلبا لدعم الأشقاء , وبنت تقديراتها على أن القيادة العربية ممثلة بالقاهرة وجمال عبد الناصر لن تقف متفرجةعلى وسوريا وهي تتعرض للخطر والتهديد من العدو الاسرائيلي رغم الخلافات السياسية الحادة بينهما .

 خلال شهور قليلة تطور التوتر الى أزمة ثم الى حرب . وعندما اندلع القتال بقيت الجبهة السورية باردة بينما كانت الجبهتان المصرية والاردنية تشتعلان نتيجة عدوان مدبر بعناية , وأسفر عن تدمير الجيشين المصري والاردني واحتلال سيناء والضفة الغربية .

خلفيات المؤامرة البعثية -الاسرائيلية :

=======================

هل كان تصرف الجانب السوري صحيحا ..؟ وهل كان طبيعيا ..؟ أم كان مثيرا للشكوك والشبهات من أول حلقة في السيناريو المفترض إلى آخر حلقة فيه ..؟

 لا يمكن فهم ما حدث بدون الاعتماد على مفهوم (المؤامرة) أولا , وبدون تذكر طموحات نظامي البعث في سوريا والعراق حينذاك ثانيا , إذ كانت سياساتهما تتسم بالمزايدات اليسارية والقومية , وتسرف في طرح الشعارات الجوفاء , وأبرز تجلياتها دعوة دمشق عام 1964 لعقد قمة عربية طارئة , وعندمااجتمع القادة العرب في القاهرة استمعوا لمبادرة رئيس الدولة السورية الفريق محمد امين الحافظ يقول إن لديه خطة عربية لتحرير فلسطين في 24 ساعة يريد تنفيذها !

كانت سياسة دمشق سياسة مراهقة ومغامرة في الظاهر , وفي الباطن مستعدة للمقامرة بكل شيء في سبيل القضاء على مركز القاهرة وزعامة مصر وجمال عبد الناصر للعرب في حينها. ولم يكن أمامها من وسيلة سوى توظيف القضية الفلسطينية وجاذبيتها الجماهيرية لخداع الشعوب والايقاع بعبد الناصر الذي خاض معهما صراعا مفتوحا بعد جريمة الانفصال عام 1961 وفشل محادثات الوحدة الثلاثية عام 1963 .

 وقد شن نظام دمشق في تلك الفترة حملة شعواء على عبد الناصر واتهمه بالتفريط بقضية فلسطين رافعا شعارا مضادا هو (التوريط لا التفريط) أي دفع العرب للحرب مع اسرائيل فورا ووظف بعض المنظمات الفلسطينية التي نشأت في حضنه ورباها على شعاراته لتأجيج الحملة , وكان المعني بها عبد الناصر دون سواه وجاء مسلسل التحرش باسرائيل والزعم بوجود حشود تستعد للعدوان عليه للترويج لكونه ( عدو اسرائيل ) الاول , وتحسب حسابه اكثر من مصر وعبد الناصر وتريد اسقاطه .

والمضحك المبكي أنه بينما كان مراهقو دمشق يسعون عبر خطاباتهم الاذاعية وبكل حيلهم لاشعال الحرب مع اسرائيل وتوريط عبد الناصر فيها زاعمين انهم يريدون تحرير فلسطين ولا يقبلون تأجيله لأي سبب , كانوا يكلفون سفيرهم في باريس الكاتب والاديب الشهير سامي الجندي الاتصال باسرائيل والاجتماع سرا بوزير خارجيتها أبا إيبان للتفاهم معه على ترتيبات الأمن بينهما !

 ويروي شاهد آخر من قيادة البعث آنذاك (سليم حاطوم) أن القيادتين القومية والقطرية ومجلس قيادة الثورة اجتمعوا صباح الخامس من حزيران وناقشوا الموقف العسكري الذي نشأ عن حسم العدو للمعركة مع مصر بشكل مبكر , إذ لم يكونوا يتوقعونه ولم يستعدوا له , وهو هزيمة مصر منذ الساعة الاولى , وبالتالي انهيار كل ترتيباتهم , ولذلك قرروا تحاشي الحرب بأي ثمن لأن انخراطهم في القتال قد يتسبب بسقوط النظام ووصول القوات الاسرائيلية الى دمشق , ولذلك كان تحاشيها هو الخيار الاسلم حتى ولو تطلب تسليم الجولان للعدو بلا قتال (؟!) ويبدو أن القرار لم يتخذ في الاجتماع الموسع بل اتخذ في اجتماع ضيق شارك فيه اركان النظام الاربعة وأوكل الى وزير الدفاع حافظ الأسد تنفيذه .

وتشير مصادر اخرى الى أن اسرائيل ارسلت الى (الرفاق) مذكرة عبر الخارجية الفرنسية مفادها (عليكم تسليم القنيطرة والجولان سلما وإلا فإننا سنأخذها بالقوة كما اخذنا سيناء والضفة الغربية) , وبالنسبة للرفاق انطوى خيار الرفض على حتمية الحرب, وهذا يعني عمليا المخاطرة بسقوط النظام !

 صباح الجمعة التاسع من يونيو وبينما كان عبد الناصر يعلن استقالته وتحمله مسؤولية الهزيمة بشجاعة انعقد في مكتب رئيس الوزراء السوري يوسف زعين اجتماع ضم وزير الدفاع حافظ الاسد وسفير فرنسا هدفه ابلاغ رسالة اسرائيل لدمشق ومفادها: تسليم الجولان مقابل عدم مهاجمة دمشق !

 أكد الواقعة العقيد في المخابرات العسكرية ومسؤولها في الجولان يومئذ المقدم خليل مصطفى بريز في كنابه المعنون (سقوط الجولان) ويقول إن المترجم في ذلك الاجتماع كان ضابطا برتبة ملازما أول نقل له ما دار في الاجتماع , ويقول إن زعين والاسد وافقا على (الصفقة) وانتقل الثلاثة لبحث خطة الانسحاب من الجولان فأخرج السفير الفرنسي خريطة عسكرية مفصلة تبين مواقع الانسحاب كما حددتها اسرائيل وسلمها للأسد . وفي اليوم التالي صباح السبت 10 حزيران / يونيوفوجىء الشعب السوري بصدور بيان عسكري من الاذاعة رقمه 66 ( وهو الوحيد بين جميع البيانات حمل توقيع وزير الدفاع شخصيا ) ويعلن سقوط القنيطرة والجولان نتيجة هجوم غير متكافىء من العدو رغم بسالة القوات السورية في الدفاع عن مواقعهم . ويأمر البيان جميع الوحدات بالانسحاب ( كيفيا ) الى خط الدفاع الثاني قرب العاصمة . ويقول رئيس الاركان يومها احمد سويداني أنه سمع بالبيان من الاذاعة , وكان في الجبهة ولم يكن هناك أي هجوم اسرائيلي أو قتال . وأكد ذلك العقيد خليل مصطفى في كتابه المذكور , كما أكده مئات الجنود والضباط في شهاداتهم بعد عودتهم عما حدث في ذلك اليوم . وأكده وزير الصحة يومها د . عبد الرحمن اكتع الذي اتصل بزميله وزير الدفاع مستنكرا البيان وقال له إنه الآن في الجبهة ولا وجود لهجوم اسرائيلي فشتمه الاسد وطالبه بعدم التدخل فيما لا يعنيه , فعاد الوزير الى دمشق وقدم استقالته فورا وعاد الى بيته في حلب والتزم بالصمت !

ما يؤكد اندراج كل ما حصل في (مؤامرة) معدة سلفا, أن اجمالي قتلى الجيش السوري في تلك الحرب لم يزيدوا عن 250 عسكريا , وأن من بقوا في مواقعهم ورفضوا الانسحاب وقاتلوا قوات العدو بعد أن بدأت تحتل الجولان عوقبوا لاحقا بجريمة مخالفة الاوامر العسكرية !ويقال إن قائد الجبهة أحمد المير هرب الى دمشق يومها ممتطيا حمارا, وأن بعض القتلى المذكورين قتلوا وهم يفرون عبر البراري مشيا على الاقدام ونتيجة الجوع والتعب وحوادث الطريق لا في القتال .

  من الجولان الى لبنان :

============

 ما حدث في حرب 1982 شيء قريب أيضا مما سبق .

في يوم الجمعة الرابع من حزيران / يونيو بدأت اسرائيل بضربات جوية على مواقع فلسطينية ولبنانية , ولم يكن ثمة ما يشير الى احتمال حصول اجتياح بري واسع للبنان يصل الى بيروت , لأن الغارات الاسرائيلية كانت معتادة دائما . وفي اليوم الثاني الخامس من حزيران / يونيو واصلت اسرائيل غاراتها على اهداف منتقاة ,ولكن القوات السورية التي كانت منتشرة على طريق الجنوب اللبناني حتى صيدا بدأت في ذلك اليوم انسحابا شاملا من مواقعها باتجاه بيروت , ثم ما لبثت قواتها في بيروت بالانسحاب تجاه البقاع شرق لبنان !

كان هذا التطور في حينه دراماتيكيا ومحيرا ولا معنى له سوى أن العاصمة السورية “تعلم” أن هناك اجتياحا اسرائيليا واسع النطاق للبنان, وأنه سيصل الى بيروت, ولا بد أنها تريد اخلاء مواقعها لكيلا يقع صدام بين قواتها وقوات العدو. وكان هذا كله بالغ الاثارة في حينه لأنه يدل أيضا على وجود صفقة أو اتفاق سري بين الطرفين الاسرائيلي والسوري بهذا الشأن, لأنه لا يعقل أن تعرف القوات السورية المدى الذي ستبلغه القوات الغازية بواسطة التنجيم . فهي لم تنسحب الا من المواقع التي تمدد اليها الاسرائيليون بين صيدا وبيروت , وبقيت في البقاع والهرمل وبعلبك وطرابلس .

وفيما بعد اتضح أن دمشق كانت احدى خمس عواصم عربية ابلغتها اسرائيل سلفا بالاجتياح ووافقت عليه , واختارت – دمشق – الوقوف على الحياد وعدم التدخل , بل ولم تسرب للفلسطينيين نبأه ! بينما قام رئيس النظام المصري الذي يرتبط بمعاهدة سلام مع العدو بإرسال مندوب رفيع في طائرة خاصة الى بيروت قبل ايام من العدوان لابلاغ القيادة الفلسطينية بما سيحدث !

كانت علاقات الاسد بعرفات دائما مشوبة بالتوتر والشكوك والخلافات , ولم يكن لدى الاسد مانع أن تغزو اسرائيل لبنان لاقتلاع عدوه ومنافسه منه ليبقى وحده مسيطرا على البلد الصغير الذي حكمت عليه الجغرافيا بأن يظل دائما تحت رحمة حكام سوريا . ومن أجل هذا الهدف لا مانع من التواطؤ مع العدو الاسرائيلي كما فعل حكام دمشق عام 1967 للتخلص من خصمهم اللدود جمال عبد الناصر !

انسحبت القوات السورية من بيروت ولكن لواء واحدا فقط ( اللواء 90 ) بقيادة العميد عمر حلال تأخر ولم يسعفه الوقت للانسحاب فاضطر للبقاء في بيروت ويعيش مع الفصائل الفلسطينية واللبنانية التجربة القاسية لمدة ثلاثة شهور. وللأسف أظهر العميد حلال وجنوده الضعف والجبن خلال القتال , وتصرفت قيادتهم وكأنها تخلت عنهم ولم تقدم لهم أي مساعدات طوال فترة الحصار والحرب .

 ورغم وجود صفقة بين نظام الاسد واسرائيل عام 1982 فإن الاسرائيليين كعادتهم خدعوا السوريين وقاموا بضرب قواعد الصواريخ في البقاع ودمروها , فأرسل حافظ الاسد احدى الفرق المدرعة الى شرق لبنان ليعزز قواته, فتصدت لها القوات الاسرائيلية وأبادتها في مجزرة دبابات مروعة ! ولم يجرؤ الاسد على استخدام سلاحه الجوي , وتحاشى توسيع القتال , فانكفأ الى مواقعه في شرق وشمال لبنان تاركا الجنوب وبيروت والسواحل للعدو يتحرك فيها بحرية ويجهز على قوات المقاومة الفلسطينية واللبنانية طوال ثلاثة شهور بكل أمان .

ولم تعد القوات السورية الى بيروت إلا في نهاية عام 1983 لتواصل مهمتها في اخضاع البلد الشقيق ونخره والتدخل في كل تفاصيله وشؤون تركيبته السياسية والاجتماعية والاقتصادية . ولكن على اسس جديدة فقد ظهر حليف جديد للسوريين بدلا عن الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية , هو حزب الله الذي اصبح الحليف الاول للاسد برعاية وشراكة ايرانية بالكامل .. وتلك حكاية اخرى من محنة لبنان ومعاناته وضموره !

====== 

المقال منشور في مجلة الشراع اللبنانية العدد 331 الصادر بتاريخ 10_ 06_ 2016.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الكاتب والمناضل الراحل محمد خليفة بقراءة دقيقة للدور الوظيفي الذي انيط بطاغية السام الاب منذ عام 1966 وليستكمه الإبن بتنسيق وحماية لكرسي حكمه من الكيان الصهيوني ،ليستكشف لماذا لم يسقط طاغية الشام بالربيع العربي وثورة شعبنا 2011 لأنه بحمايه الدور الوطيفي

زر الذهاب إلى الأعلى