ما حدث في إدلب يقلب المعادلة هناك رأساً على عقب وينهي كل التفاهمات السياسية والأحاديث الدبلوماسية ما بين روسيا وتركيا خصوصاً بعد العدد الكبير من الضحايا الأتراك نتيجة القصف على إدلب بغض النظر عن الذي قام بهذا الهجوم إن كان روسيا أو النظام فإن ما حدث يضع الجميع على المحك، روسيا من جهة والناتو من جهة أخرى فتركيا لن تسطيع الوقوف مكتوفة الأيدي أمام ما حصل فهذا العدد الكبير من القتلى يضع هيبة تركيا وجيشها في مهب الريح لأنه يصنف كواحد من أقوى عشر جيوش في العالم كما أن السكوت وعدم الرد يعطي النظام وروسيا دفعا للذهاب بعيداً وإلى ما هو أكثر من إدلب لأن الطرفين كررا في الفترة الأخيرة الكلام عن استعادة السيادة على كامل الأراضي السورية وهذا يعني أن تركيا ستخرج من الشمال السوري مع ما يجلبه هذا الخروج من تداعيات على الداخل التركي.
كما أن روسيا لا تستطيع التنصل من المسؤولية تجاه ما حدث حتى وإن كانت ليست هي من قامت بالعمل لأن الجميع يعلم أنه لا النظام ولا المليشيات التابعة له يستطيعون القيام بأي عمل إن لم يكن هناك ضوءً أخضر روسي فهم أضعف من أن يجابهوا فصائل المعارضة لا ان يقوموا بمجابهة الجيش التركي وقد لاحظنا جميعنا مؤخرا أن النظام وكل المليشيات والمرتزقة الذين معه بما فيهم (الفاغنر) الروس لا يصمدون أمام الفصائل عندما يتوقف الطيران الروسي وقد خسروا اليوم الكثير من المناطق وتم قطع طريق حلب دمشق باستعادة سراقب وما حولها.
كذلك فإن ما حدث يضع الناتو أمام مسؤولياته تجاه تركيا كحليف بسبب عدد القتلى الكبير ولا يمكن للناتو أن يتخلى عن عضو أساسي وعمود من أعمدة الحلف بهذه السهولة أمام هول الذي حدث للجنود الأتراك فقد أصبحت دوله على المحك أمام حليف هم في أمس الحاجة إليه نظراً لموقع تركيا الاستراتيجي ومساحتها الكبيرة وقوتها العسكرية والاقتصادية.
أمام هذه المعضلة التي وضعت الجميع على المحك وتجاوزت كل الخطوط الحمراء وربما حتى حافة الهاوية التي كان الطرفان يسيران عليها فقد ذهبت روسيا بعيداً في دعمها للنظام الذي تمادى أكثر مما ينبغي وعليه فمن المتوقع ان تكون سيناريوهات الحل على الشكل التالي:
1- أن تتابع روسيا دعمها للنظام في مواجهة تركيا ولكن هذا ربما يتطور وتنزلق الدولتان إلى حرب مباشرة لن تعرف نتيجتها وسيخسر الطرفان وقد تدخل أطراف أخرى هذه الحرب.
2- أن تترك روسيا النظام يواجه تركيا ولا تتدخل في الأيام الأولى لترضي الأتراك ثم تتدخل للتهدئة بين الطرفين بسحب النظام إلى ما قبل نقاط المراقبة وفق سوتشي.
3- أن تقوم روسيا بالإيعاز للنظام بالانسحاب فوراً لكي لا يخسر عسكرياً ولا تتعرض مصداقية الروس وحفظاً لماء وجوههم عندما يظهروا في موقف الخاسر عسكرياً أو الذي يتخلى عن حليفه في أحلك اللحظات وفق السيناريو الثاني.
قد ينطبق على ما حدث المثل القائل اشتدي أزمة تنفرجي، رغم أن هذه الشدة كانت مأساوية وباهظة الثمن على الجيش التركي لكن هذا هو الواقع وعلى الجميع قبوله ولا يمكن العودة عنه كما أن المهلة التي تنتهي آخر الشهر حسب ما قال الأتراك قد تعتبر منتهية اليوم على الأغلب لأنه لم تبق جدوى منها فقد انتهت كل المراهنات التركية على الحل الدبلوماسي الذي رفضه الروس وربما يدفعون ثمن الرفض بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الهجوم اﻷخير ويطبق سوتشي كاملاً لكي تكون أكبر الخسائر فهم لا يستطيعون تحمل أعباء الحرب مع تركيا أو الناتو خصوصاً من الناحية الاقتصادية.