يواجه الشقيقان التوأمان سورية ولبنان مجاعة شاملة تستعيد ذكريات 1915 المرعبة. أشباح الموت جوعًا تخيم على البلدين. وأنياب الفاقة والعوز تهدد الطبقتين الفقيرة والمتوسطة فيهما، وتسفح ما بقي من كرامة الناس لهاثًا وراء لقمة الخبز اليومية لأطفالهم.
والسؤال الذي يتبادر للذهن فورًا: لماذا وصلنا إلى هنا؟ وما أسباب المجاعة المحدقة بالبلدين؟ هل هي عقاب إلهي، أم عقاب امبريالي لمحور (المقاومة) جسده قانون قيصر الذي فرضه الأميركيون؟
وإذ نتصدى للإجابة نظن بقارئنا الظن الحسن، ونعلم أنه يعلم أن كلا البلدين حباه الله بالثروات الخضراء والسوداء، ووفرة المياه ما يكفيهما وزيادة، فعاش شعباهما على مر الزمان أقرب إلى الرفاه والنعيم. كما نعلم أن الجوع لم يكن يومًا عقابًا إلهيًا جماعيًا للخلق، وهو الذي (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وقدّر أقوات الناس وأرزاقهم في الأرض قبل أن يخلقهم بملايين الأعوام.
الجوع في التاريخ صناعة سياسية، أو بضاعة مزجاة، أي رديئة. وفي عام 1961 قال سكرتير عام الأمم المتحدة يوثانت إن استمرار الجوع في العالم عار على المجتمع الدولي. وتعهد باسم الأمم المتحدة بمكافحة الفقر والجوع الناتجين عن سياسات امبريالية، وتباين مستويات الدخل، وسوء توزيع الثروات بين الطبقات الاجتماعية، وخلال نصف قرن أوفت المنظمة الدولية والمجتمع الدولي بتعهدهما إلى حد كبير، فهما يقدمان الكثير من المساعدات الإنسانية والغذائية والصحية للمنكوبين حول العالم جراء الكوارث الطبيعية والحروب.
لا شك أن الأمم المتحدة ومن خلفها المجتمع الدولي قدما الكثير لسورية ولبنان في العقود الأخيرة. ويوم الثلاثاء الماضي 30 حزيران/يونيو جمعت الأمم المتحدة 7,7 مليار دولار من 60 حكومة في مؤتمر نظمته في بروكسيل للإنفاق خلال عام قادم على 11 مليون سوري في الداخل، و6 ملايين نازح في الخارج، ولكن ما جدوى هذه المليارات الهائلة بوجود حكومتين فاسدتين في البلدين، تخططان وتعملان باستمرار لا لنهب الناس فقط، بل لإبادتهم وقتلهم بكل الوسائل ؟؟.
اسألوا أهل الذكر والعلم ليقولوا لكم إن مجاعة الشعبين السوري واللبناني ما هي إلا حصيلة حتمية وطبيعية لسياسات نظامين تحكمهما عقلية واحدة، لا تكترث بمصالح الناس، ولا تهتم إلا بمخططات الزمرتين الحاكمتين الاجرامية والارهابية لتكريس السلطة في أيديهما ومواصلة الفساد والارهاب والابادة. وهما زمرتان من فصيلة أيدولوجية وسياسية واحدة، تتبعان نظام الملالي في طهران، حيث وكر الإرهاب الأول في الشرق الأوسط، وبؤرة الشر في العالم كله.
لقد شكلت الأنظمة الثلاث محورًا طائفيًا لا يقيم اعتبارًا للحياة والسلام والاستقرار والتنمية، ولا يفكر إلا بالمشاريع الأسطورية والخرافية التي تعشش في عقول ملالي طهران وحزب الشيطان ولصوص بغداد وسفاحي آل الأسد. لقد شكل هؤلاء محورًا لشن الحروب الأهلية، وسفك الدماء، وتكديس السلاح، وعقدوا حلفًا مع البوتينية الروسية التي تخصصت بحماية الأنظمة المارقة والمستبدة والمعادية للشعوب والديمقراطية في جنبات الأرض.
ولا يبدو أن هذه الأنظمة مستعدة لمراجعة حساباتها وسياساتها في ضوء النتائج والانعكاسات المدمرة والكارثية والمأساوية التي ترتبت عليها، بل تبدو كل يوم أشد إمعانًا في إجرامها ونهبها وفسادها، ولو على جثث القتلى والموتى والجوعى. ولذلك فإن السبيل الوحيد لإنقاذ شعوبنا من مخالب وأنياب (محور الشر الايراني الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق) هو المزيد من العمل الدولي لمحاصرتها، بالعقوبات الاقتصادية والسياسية، كقانون قيصر، أو تجديد قرار مجلس الأمن الدولي حظر السلاح على إيران ومنعها من امتلاك السلاح النووي.
إن التطورات التي شهدتها بلداننا في السنوات الأخيرة تثبت أن هذه الانظمة أشد خطرًا على شعوبها، وعلى المنطقة، وعلى العالم كله، من أي شيء آخر، لا سيما وهي تمضي قدمًا في مشاريع حيازة أسلحة الإبادة الكيماوية والجرثومية والنووية والباليستية لتستعملها ضد شعوبها في الداخل وضد معارضيها المطالبين بالعدالة والحرية، وتبدي استعدادها لإبادة شعوبها كافة لتظل في السلطة. وآخر هذه التطورات الكارثية هي المجاعات التي سببتها، لا العقوبات الأميركية كما تزعم لتتهرب من مسؤولياتها عن هلاك رعاياها، وتقلب الحقائق.
هذه المجاعات هي فاتورة السياسات القاتلة، المتسترة بشعارات المقاومة، وتصدير الثورة والأيديولوجيات الطائفية والارهابية والتوسعية لهذا المحور الارهابي. إنها محصلة إفلاس أيديولوجي وسياسي وأخلاقي كامل، لا حل له بمعونات مالية دولية، بل حله الوحيد هو التخلص من هذه الأنظمة ومشاريعها وأيديولوجياتها المفلسة ولو بالقوة.
لقد ربطت الزمر والطغم المالية والطائفية اللبنانية والسورية مصيرها بمصير إيران، وقررت أن تذهب معها الى الجحيم، فلتذهب، غير مأسوف على (مقاومتها الزائفة) وعلى شعاراتها الطائفية المثيرة للغثيان، وشعوبيتها المقززة، التي شوهت أجمل وأعرق بلدين عربيين لبنان وسورية، فضلًا عن العراق.
إن قانون قيصر الأميركي الذي يحملونه زورًا وبهتانًا مسؤولية المجاعة لم يبدأ سريانه إلا منذ أسبوعين بينما المجاعة في البلدين عمرها من عمر الطغمة الأسدية، وحزب الشيطان، ونظام الملالي. إن العقوبات في قانون قيصر ليست موجهة إلى الشعوب، بل الى السلطتين الفاسدتين في بيروت ودمشق، وهي الحد الأدنى من رد الفعل الدولي المطلوب ضد هذا النوع من الأنظمة المارقة، لإنقاذ الشعبين الواقعين بين مخالب وبراثن الوحشين الإيراني، والروسي، بل إن هذين الشعبين طالبا ويطالبان منذ 2011 بتدخل دولي حازم تحت علم الأمم المتحدة لحماية المدنيين، وإسقاط العصابة الأسدية التي فقدت الشرعية منذ ذلك الوقت، والتخلص من حزب الشيطان الذي لعب دور حصان طروادة الفارسي لاستعمار لبنان ومساعدة عصابة الأسد.
ولكي تتكلل الجهود الدولية بالنجاح لا بد من تشديد الحصار الشامل على طهران، قاعدة الشر في العالم، وفرض العقوبات العادلة على موسكو بسبب جرائمها في سورية وغير سورية.