اغتيال العاروري: أبعد من صورة انتصار

أمير مخول

الصورة المرتسمة من اغتيال القائد العسكري الفلسطيني صالح العاروري ومرافقيه هي صورة انتصار إسرائيلية في نظر ذاتها، باعتبارها عملية محكمة ونوعية نظرا لطبيعة وموقع تنفيذها والشخصية المستهدفة.

فمن حيث الشخصية يجدر التنويه الى ان سياسة الاغتيالات ليست مجرد استغلال فرص عملياتية بل هناك عقيدة جرى تطويرها منذ سبعينات القرن الماضي وهناك ادبيات وتحليلات جدية في هذا الصدد، وقد كتب عنها في الثمانينيات يهوشفاط هركابي رئيس شعبة الاستخبارات سابقا، والذي اجتهد في البحث عن طبيعة حركة التحرر الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير ومفهوم حرب العصابات (الغوريلا) فلسطينيا، وتلت مرحلة هركابي اجتهادات بحثية عدة جرى تطوير المفهوم في تحليل المسببات وراء اغتيال خليل الوزير (ابو جهاد) في نيسان ابريل 1988، وفي ابحاث معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي ومجلة “معرخوت” المعنية بالشؤون العسكرية والامنية.

تقوم سياسة الاغتيالات واستهداف الشخصيات القيادية على مكانة الشخصية في منظومة العمل العسكري والسياسي والأثر برؤية آنية ومستقبلية على السواء، وهي ليست قائمة على استغلال فرصة عملياتية لاغتيال أية شخصية، وذلك باعتبار ان عملية اغتيال الشخصية الاهم للتخلص منها تصبح أكثر تعقيدا او غير ممكنة بعد حدوث اغتيال سابق نتيجة لتوفر فرصة. فالعملية انتقائية بامتياز، وإذ تعتبر تكتيكية لكن الاخفاق بها قد يحولها الى ورطة استراتيجية كما حدث في محاولة اغتيال خالد مشعل في العاصمة الاردنية عمان، ولاحقا في عملية اغتيال محمود المبحوح عام 2010 في الامارات. وسبقها جميعا في العام 1973 عملية ليلهامر (النرويجية) الفاشلة حين سعى الموساد لاغتيال علي حسن سلامة فقتل نادلا شبيها مغربيا له (احمد البوشيكي).

تبلور في سياسة التصفيات مفهوم “مُضاعِف القوة” وهو أحد اهم المواصفات في تحديد هوية الشخصية المستهدفة، اذ لا بد ان يكون مسؤولا محوريا في عدة تقاطعات، ومن دونه تختلف الامور عما كانت عليه. الشخصية مضاعفة القوة لا تعني الشخصية الاولى في التنظيم ولا رئيسه ولا الشخصية الرمزية على المستوى الشعبي او السياسي، بل الاكثر أثرا في حال التخلص منها.

فإن كانت الغاية مثلا هي الدفع نحو اقتتال داخلي فلسطيني فيتم استهداف الشخصية المحورية او الشخصيات الوحدوية ذات الأثر الأكبر، وإن كان الهدف الترويع معنويا فقد يكون عنوان الاغتيال هو الشخصية الرمزية وهكذا.

لماذا اغتيال العاروري؟

– جمع العاروري في شخصيته ودوره القيادي المعنوي الجانب الوحدوي باعتراف كل القوى السياسية الفلسطينية وكل تياراتها وحصريا دوره في السعي لتجاوز الانقسام الفلسطيني ومحوره بين فتح وحماس؛ وجمع في رؤيته ما أطلق عليه لاحقا “وحدة الساحات” الفلسطينية والعربية والاقليمية بصفتها استراتيجية عليا؛ سعى الى الدمج بين الاستراتيجيات الفلسطينية المتعددة فاعتمد دور الدبلوماسية الفلسطينية ودور السلطة الفلسطينية مقابل العمل العسكري والمقاومة الذي راهن عليه؛ واعتمد نقل حركة حماس من ورطتها في سوريا خلال الأزمة السورية الى إعادة الاعتبار لعدة محاور عربية واقليمية ومنها الدور المصري والدور القطري وإعادة حماس الى المحور الايراني السوري وحزب الله، كلها معا وبالتزامن. كما واسهم في السعي الى استقلالية القرار الفلسطيني بما فيه قرار حماس. ثم انه راهن على البعدين العسكري في غزة والشعبي ايضا في الضفة.

– هناك استهداف كل ما يمثله تقاطع ادوار العاروري، باعتبار ان الاغتيال قد يدفع مستقبلا نحو فك الارتباط بين الضفة وغزة والابقاء على حالة الانقسام ومنع التفاهمات بين فتح وحماس، والى استهداف معظم فكرة ما يطلق عليه “طوق النار” و”وحدة الساحات”.

– وفقا للتقديرات السياسية والامنية التي عبّر عنها الاعلام الإسرائيلي فإن اغتيال العاروري هو رسالة ترويع للسنوار في غزة، كي يشعر بالقلق على حياته ويسرّع عملية تبادل محتجزين وأسرى لحماية نفسه وفقا لذات المصادر. بينما نقطة ضعف هذه التصورات هو انها تعكس نظرة شبه ثابتة في إسرائيل، بأنها دولة منظومات دمقراطية متطورة، بينما لا توجد منظومات فلسطينية حسب نفس النظرة، بل هناك افراد وإن ذهبوا غابت فلسطين.

– الرسالة الاساسية الاخرى مرتبطة بالموقع واستهداف العاروري في الضاحية الجنوبية في بيروت، وهي رسالة رأت بها حكومة لبنان عدوانا على البلد وتوريطه في حرب اسرائيلية مفتعلة يسعى لاستبعادها، ورفع شكوى الى مجلس الامن، كما رأى بها انها ترمي حتى للتعطيل على الدور الامريكي غير المعني بحرب شاملة على الجبهة مع لبنان ولا بحرب اقليمية بأي شكل كان. وترى بها حكومة نتنياهو رسالة ردع ويرى بها المؤسسة الامنية استعادة للردع الذي تآكل في العام الاخير في نظر العرب والفلسطينيين.

– تراهن اسرائيل وفقا لتصريحات الناطق باسم الجيش على ان العملية لن تؤدي بحد ذاتها الى حرب شاملة، بل انها تحسّن من وضعية اسرائيل. فقد أكد الناطق باسم الجيش مساء الثاني من كانون ثان يناير على ان اسرائيل تستهدف حركة حماس، وحربها متمحورة بحماس، واضاف ان الجيش على جهوزية عالية جدا وعلى اتم الاستعداد لاي طارئ وتصعيد او رد فعل من لبنان. ووفقا للتقديرات الاسرائيلية فإن حزب الله قد فقد القدرة على المباغتة بعد عملية حماس في السابع من اكتوبر، كما تشير التقديرات الى امكانية لتصعيد متدحرج، لكن التقدير الاساس هو ان يبقى ما دون الحرب الشاملة.

– يشكل هذا التقدير حلا وسطا سياسيا داخل حكومة الحرب والحكومة الموسعة، اذ يعتبر وزير الامن غالنت الاكثر دفعا نحو التصعيد الحربي نحو حرب على الجبهة اللبنانية مدعوما بموقفه برغبة الجيش، وفي مواجهة الضغط الامريكي المعني بشكل جليّ بعدم اشتعال الجبهة المذكورة مدعوما بموقف غانتس بينما نتنياهو يعتبر مترددا في هذا الصدد، كما أنه بصفته الرسمية سيحصد سياسيا وشعبيا التأييد الشعبي للعملية معتبرا اياها أهم صورة انتصار وانجاز معنوي ملموس، مع العلم انه لم يعترف بمسؤولية اسرائيل عن عملية الاغتيال وهو نهج متكرر.

– عبّر الاعلام الاسرائيلي عن حالة من النشوة في صباح اليوم التالي شابها القلق من عدم ملاحظة اي رد فعل لا على الحدود اللبنانية ولا الحدود مع غزة، ودلالات ذلك هي احتمالية رد فعل مخطط ومدروس ونوعي مما ادى الى القلق.

قبيل عملية الاغتيال التي لا يمكن ان تحدث دون إقرار عملياتي من القيادة السياسية، كانت نتنياهو في لقاء مع ممثلي عائلات الرهائن الاسرائيليين المحتجزين في غزة، وأكد وجود مؤشرات لاستعداد حماس لعقد صفقة بينما الخلاف على الشروط التي سوف تتبلور نتيجة لجهود الوساطة المصرية والقطرية والامريكية. الا ان عملية الاغتيال قد وضعت حدا لأجواء التفاؤل النسبي، وشكلت ضربة معنوية لهم خوفا على افراد عائلاتهم. بينما قد تدفع حالة الترقب والقلق الإسرائيلي من رد فعل نوعي مسنودا بحالة غضب شعبي فلسطيني شامل في الضفة الغربية، اضافة الى تعليق مصر لوساطتها مؤقتا، الى تسريع اسرائيلي نحو صفقة تبادل قد تكون نهايتها بداية نهاية الحرب، وذلك في مسعى لامتصاص الغضب الشعبي، والرسمي فلسطينيا، ولبنانيا، وعربيا.

الخلاصة:

تشكل عملية اغتيال العاروري صورة انتصار اسرائيلي وضربة جدية فلسطينيا ورسالة الى لبنان، الا انها لن تغير للمدى القريب من المعادلات القائمة، بل قد تدفع نحو تسريع جهود ترتيب البيت الفلسطيني وتجاوز حالة الانقسام.

 

المصدر: مركز التقدم العربي للسياسات

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سياسة الاغتيلات متبعة ومبرمجة ضمن اجندة الكيان الصهيوني منذ إعلان دويلته وما قبلها ، وتطورت ضمن مراحل متعددة ، لذلك كان إغتيال القائد العسكري الفلسطيني صالح العاروري ومرافقيه إعتبرته إنتصار عسكري ، ولكنه لن يحقق تطلعاتهم لأن شعبنا الفلسطيني ولاد للقيادات المميزة ، قراءة لدور العاروري والتوقعات المنعكسة للإغتيال موضوعية .

زر الذهاب إلى الأعلى