أصبحت إسرائيل على مفترق طرق مع تصاعد الاحتجاجات في الشارع ضد خطة “التعديلات القضائية” التي تقودها حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة والتي أحدثت انقساماً شاقولياً حاداً، وللمرة الأولى ظهرت أصوات علنية تدعو إلى تقسيم البلاد.
ومع استمرار المظاهرات الأسبوعية، التي دخلت أسبوعها الـ 29، وأرخت بظلالها على استقرار الجيش الذي يعتبر عماد الدولة في إسرائيل، ازداد النقاش حول التقسيم لا سيما أن الأزمة تأخذ بعداً إيديولوجياً بين تيار اليسار “الليبرالي” واليسار والوسط وبين اليمين المتطرف الديني والقومي.
منذ شباط/فبراير الماضي، أطلق ضابط مظلي إسرائيلي حملة تدعو إلى التقسيم إلى دولتين، الأولى شمالية تسمى “دولة إسرائيل الجديدة”، وجنوبية يطلق عليها اسم “مملكة يهوذا” لأنصار اليمين الذين يغلبون الدين على الدولة.
ويقول الضابط السابق ومؤسس “حركة الانفصال”، نيتسان عميت، الذي يروّج لخطة التقسيم، في مقابلة مع صحيفة “معاريف”، الأربعاء، “إننا نسير نحو الهاوية.. إذا بقينا على هذا الوضع سنهلك”.
وتشير الصحيفة إلى أن فكرة التقسيم بالنسبة لمعظم الإسرائيليين بعيدة كل البعد عن الواقع، ولكن بعد الاحتجاجات بات هناك من هو مقتنع بأنه لا مفر من تقسيم الأرض إلى “إسرائيل الجديدة” و “مملكة يهوذا”، سواء من خلال التقسيم إلى كانتونات أو فيدرالية، أو من خلال وسائل إبداعية أخرى.
في غضون ذلك، كشفت استطلاعات للرأي، حديثة، أن ثلث الإسرائيليين يفكرون بمغادرة إسرائيل، الأمر الذي يشكل استنزافا بشريا يدمر خطط “الوكالة اليهودية” الصهيونية التي عملت لعقود لاستجلاب اليهود إلى أرض فلسطين.
خطة التقسيم
يطرح عميت خطة تتضمن تصوراً لتقسيم إسرائيل بالتدريج وعلى مراحل، مع استبعاده في الوقت الحالي لحدوث ذلك، ولكن يرى أن الظروف نضجت للتفكير جدياً والمضي نحو التقسيم.
صاغ نيتسان عميت (33 عاماً)، وهو خريج المدرسة العسكرية الداخلية للقيادة وضابط في سلاح المظليين وناشط في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، خطته من خمس مراحل لترتيب الانفصال بالتوافق.
ويقول إنه أنشأ “حركة الانفصال” بعد أن توصل إلى نتيجة مفادها أن “دولة إسرائيل تسير نحو الهاوية” وبعد تفكير عميق.
ويقترح عميت تقسيم إسرائيل، نظراً إلى حالة التمزق التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، إلى دولتين، واحدة ليبرالية تفصل بين الدين والدولة، وأخرى ذات طبيعة أكثر محافظة – دينية.
وبحسب خطة التقسيم المطروحة للنقاش، فإن “إسرائيل الجديدة” (الشمالية) يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 5.5 ملايين (من أصل أكثر من 9.7 ملايين تعداد إسرائيل بمن فيهم عرب 48).
وتمتد الدولة الشمالية من مرتفعات الجولان والجليل الأعلى ومعظم مدن السهل الساحلي، بما في ذلك حيفا ونتانيا وتل أبيب وريشون لتسيون.
في حين تكون بقية إسرائيل، القسم الجنوبي منها، تحت اسم “مملكة يهوذا”، وتشمل القدس وبئر السبع وبني براك وأشدود وبيتاح تكفا وعسقلان.
كل من الدولتين لها ساحل على البحر الأبيض المتوسط، الشمالية جبلية خضراء والجنوبية صحراء شاسعة وأكبر مساحة من جارتها وأقل كثافة سكانية منها، بحيث تكون الشمالية مدنية والجنوبية “دولة هالاخا” (دولة الشريعة).
من الجدير ذكره، أن هذا التقسيم وفق هذا الشكل والحدود هو استدعاء للموروث اليهودي، عندما انقسمت مملكة إسرائيل في القرن التاسع قبل الميلاد إلى دولتي السامرة في الشمال ومملكة يهوذا.
تذكر المرويات التاريخية أن سكان شمال المملكة ثاروا في زمن الملك سليمان (النبي عليه السلام) وأسسوا بعد وفاته دولة لهم تدعى “إسرائيل” في حين تولى ابنه رحبعام القسم الجنوبي ملكا لمملكة يهوذا التي تبدأ حدودها من الشمال وباتجاه الجنوب.
مراحل التقسيم
تتضمن خطة التقسيم للحركة خمس مراحل:
إقامة تحالف المدن الليبرالية من أجل توحيد جميع المدن الليبرالية في إسرائيل تحت مظلة واحدة.
تتمثل الخطوات التالية في إنشاء هيئة إدارية وتشريعية تلزم أعضاء المنظمة بسياسة معينة.
اعتراف الكنيست القانوني بسلطة البرلمان للتنظيم الليبرالي كهيئة تشريعية ثانوية.
إنشاء كانتونات إقليمية مع برلمان محلي وحكومة إقليمية واستقلال شبه كامل في جميع الأمور المتعلقة بالسياسة الداخلية.
وأخيراً، التقسيم إلى دولتين.
وبحسب عميت، لن يكون الانفصال إلا عندما تكون كل منطقة قادرة على تحديد الدولة التي تنتمي إليها، حيث سيكون لكل منطقة دستورها الخاص وقوانينها الخاصة.
ويشير إلى أن الدولتين المقترحتين سيربطهما تحالف دفاعي مشترك، مع فتح الحدود على غرار النموذج الفيدرالي الأميركي بين الولايات في الولايات المتحدة.
ما مصير “عرب 48″؟
بخصوص الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، المعروفين باسم “عرب 48″، والذين يشكلون 21 بالمئة من سكان إسرائيل، يقول عميت بأنهم “سيكونون قادرين على تحديد البلد الذي يعيشون فيه كمواطنين يتمتعون بحقوق متساوية تماماً”.
ويشير مروّج الخطة، إلى أن دولة “إسرائيل الجيدة” ستكون فيدرالية وليست دولة مركزية، الأمر الذي يسمح للمدن ذات تركيز سكاني أعلى للعرب في منطقة الجليل بالحصول على نوع من الحكم الذاتي.
وعن عيوب ونقاط ضعف الخطة المقترحة، يقول عميت لا يخلو الأمر من أوجه قصور، ولكن من المهم جداً في المرحلة الأولى الحصول على اتفاق من الجانبين في هذا الشأن.
ويضيف هناك العديد من الأشخاص الذين لا يهتمون بحدوث التقسيم ويجدون صعوبة على المستوى العاطفي في هذا الأمر.
وفي الوقت نفسه، يشير إلى أن هناك إقبالا واسعا على صفحة الفيسبوك التي أنشأتها “حركة الانفصال”، وتضم الصفحة نحو 28 ألف عضو، إلى غاية كتابة هذه السطور.
وتعرف “حركة الانفصال” عن نفسها، بأنها مجموعة وليست حزباً سياسياً، على الأقل في الوقت الحالي، هدفها الترويج لفكرة أن دولة إسرائيل يجب أن تنقسم إلى فيدرالية أو إلى دولتين منفصلتين، بحيث يمكن لكل شريحة من السكان أن تعيش وفقاً لقيمها.
ويقول عميت، تلقيت مئات الرسائل من أشخاص يريدون التطوع والتبرع، معبرين عن أنهم كانوا ينتظرون مثل هذه الخطة، من بينهم قادة رأي ورجال أعمال.
ما هي خطة “التعديلات القضائية”؟
أثارت خطة “التعديلات القضائية” التي طرحتها الحكومة اليمينية المتشددة في كانون الثاني/ يناير الماضي موجة احتجاجات مستمرة، والأمر مرشح للخروج عن السيطرة.
أحدثت الخطة المثيرة للجدل تصدعات في الشارع الإسرائيلي ومؤسسات الدولة، ففي الأيام القليلة الماضية، هدد الآلاف من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي بالانسحاب من الخدمة التطوعية.
كما حذر مسؤولون كبار من ذهاب البلاد إلى “حرب أهلية”، أبرزهم رئيس الدولة إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء الذي يحمل نتنياهو مسؤولية تدهور الأوضاع إلى مراحل لا تحمد عقباها.
طرحت حكومة نتنياهو، التي توصف بأنها “الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل”، خطة التعديلات القضائية في كانون الثاني/يناير، بعد أيام من أدائها اليمين الدستورية.
تهدف التعديلات المقترحة إلى فرض بعض القيود على قرارات المحكمة العليا ومنح الحكومة سلطات حاسمة في تعيين القضاة.
وتتضمن الخطة الحكومية أربعة بنود هي: الحد من مراجعة القضاء لتشريعات الكنيست (المعروف باسم تشريع التغلب)، وسيطرة الحكومة على تعيينات القضاة، وإلغاء تدخل المحكمة العليا في الأوامر التنفيذية (إلغاء معيار المعقولية)، وتحويل المستشارين القانونيين للوزارات إلى معيَّنين سياسيين.
الإثنين الماضي، صوت الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون “الحد من المعقولية”، أي إتمام المرحلة الثانية والثالثة الأخيرة من التصويت وبذلك يتحول إلى قانون نافذ.
يقصد بتعديل “حجة المعقولية” الحد من قدرة المحكمة العليا على إبطال قرارات للحكومة والوزراء حال اعتبارها “غير معقولة”.
من التداعيات المباشرة لإقرار القانون الجديد، طرح حزب “يهودت هاتوراة”، أحد أهم الأحزاب الحريدية (الأرثوذكسية اليهودية)، قانون “دراسة التوراة” والذي يطالب بالمساواة بين الخدمة في الجيش وبين دراسة الكتاب المقدس، للاستفادة من كف يد “المحكمة العليا” في التدخل في سن القوانين.
ويطالب المتدينون بأن تكون دراسة التوراة ذات قيمة دستورية عليا الهدف منها إعفاء الشبان الحريديم من الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.
وتعد “المحكمة العليا” أعلى سلطة قضائية في إسرائيل، يقول أنصار اليمين المتطرف إن أعضاءها حكر على النخب اليسارية والسياسية وأصحاب الثروة، ولا يُسمح بدخول أبناء “الهوامش” والطبقات الدينية.
يبرر نتنياهو خطته بأن قضاة “المحكمة العليا” غير منتخبين من الشعب، لذا يحاول إعطاء صلاحيات أوسع للساسة في تعيين أعضائها.
في المقابل، ترى المعارضة أنها محاولة من نتنياهو للتهرب من قضايا الفساد الموجهة ضده عبر إدخال قضاة موالين له، وتصف حكومته بـ “الإرهابية”.
يواجه نتنياهو (73 عاماً)، ثلاث لوائح اتهام تتعلق بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، منذ عدة سنوات.
صراع على هوية إسرائيل
ترى المعارضة أن في إضعاف سلطة القضاء حرباً على “القيم الليبرالية”، وأن الحد من صلاحية “المحكمة العليا” يعني الحد من حقوق الأقليات ومجتمع الميم وسيطرة نظام ديكتاتوري يحاول صبغ إسرائيل بلون اليمين الديني المتشدد.
ويرى مراقبون أن الانقسام في الشارع الإسرائيلي يشكل صراعاً على هوية الدولة، بين “إسرائيل البيضاء” و”إسرائيل الهوامش”، وفقاً للعديد من التقارير التي اطلع عليها موقع “تلفزيون سوريا”.
ويذهب المحتجون على “التعديلات القضائية” إلى أن حكومة نتنياهو المؤلفة من أحزاب دينية وقومية فقدت التفويض الديمقراطي بسبب محاولتها الإخلال باستقلال القضاء، في حين ترد الحكومة بأن التعديلات ستؤدي إلى تحقيق التوازن بين مؤسسات السلطة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا