خليل صويلح روائي سوري، له العديد من الروايات، هذه الرواية الأولى التي نقرأها له.
تبدأ الرواية على لسان الكاتب نفسه، فهو الراوي وحول حياته وعلاقاته والظروف المحيطة به تدور أحداث الرواية. الروائي يعيش في دمشق، والزمان بعد مضي حوالي الخمس سنوات على الربيع السوري في ٢٠١١م، في دمشق يعايش ما وصلت إليه الثورة السورية، هو في عرين السلطة السورية دمشق، يعرف ما وصلت إليه الثورة، التي بدأت سلمية وتطالب بأهداف مشروعة، حرية وكرامة وعدالة وديمقراطية، يعرف ان مسار مواجهة النظام للثورة، من قتل وتدمير للبيوت وتهجير، أن هذا العنف الاعمى، قد دفع الشباب الثائر الى طريق المواجهة العنيفة مع النظام، وأن دوامة العنف أخذت الكثير من الشعب ظلما، قتلى واعتقالات وخطف لأجل الفدية، وسرعان ما تشكلت القوى الظلامية من القاعدة وداعش، وما صاحبها من أعمال وحشية كما يفعل النظام، والشعب هم الضحايا. الرواية لا تفصّل في واقع السوريين، ولكن تترك القارئ يدرك خلفية ما يعيشه الروائي كل يوم، دمشق الممتلئة حواجز، والناس المرعوبين، أصوات الطائرات والقذائف، الضخ الإعلامي الهائل، وكيف ينقل واقع الحال، وكيف تحولت الثورة إلى حرب اهلية، كيف برزت الطائفية، وكيف هرب أكثر الشعب السوري، حفاظا على الحياة، وكيف أصبح الإنسان أرخص شيء في معادلة السياسة والصراع في سورية. لا نعلم عن حياة صاحبنا الخاصة شيء مهم مسبقا، فهو يكتب الرواية، كان له حبيبة سابقة “هنادي عاصي” تركته وهاجرت إلى أوروبا، تركت في نفسه غصة، ما زال يحلم بها، يحاول وسط هذا الواقع بكل قسوته ان يصنع ورشة كتابة سيناريو لفيلم ما مستفيدا مما يحصل في الواقع السوري من مآسي فردية و جماعية. تعرف من خلال الفيس على فتاة باسم مستعار، ثم تعرف عليها واقعيا، انها “اسمهان” من الجنوب السوري، يبدوا انها من جبل العرب، لأن منطقتها، لم تصل إليها الثورة السورية، وخاصة تداعياتها العنفية، قصف وقتل وتدمير، تعيش وجدانيات روحية وصوفية ، كان يرى بها واحة تفاعل نفسي يتعايش معها في مواجهة حياته المضطربة بحكم الواقع، كانت علاقتهم أقرب للجانب النفسي العاطفي، وحصلت بينهما بعض المؤشرات عن تجاذب جسدي، كاد يصل إلى علاقة جسدية لكنها لم تفلح. في ذات الوقت كان قد شكل ورشة من كتاب شباب للتدريب على كتابة سيناريو لفيلم أو رواية ، تقترب من تصوير ما يحصل معنا نحن السوريون، طلب من كل من شباب الورشة أن يعود بحكاية تكون نواة لسيناريو أو رواية، جاءته مقترحات مختلفة، عن إهمال بيت أول رئيس للجمهورية السورية، وكيف أصبح أشبه للخرابة، أو عن حارس مسرح أبي خليل القباني، سميح عطا، وكيف اهتمت به فتاة تدعى “نارنج عبد الحميد” التي ستتابع حياة ذلك الحارس الذي يعمل في المسرح منذ عقود، وانه من ريف دمشق، وان بلدته دمرها النظام وعائلته قتلت، وبيته هدم، وأنه اصبح يسكن في المسرح نفسه. نارنج نفسها تنجذب للروائي وينجذب لها، سيهتم في قصتها، فهي من اوائل الشباب الذين شاركوا بالثورة، كانت ترافق المظاهرات وتصورها، وترسلها لوسائل الاعلان، حدثته عن جرحها النفسي العميق، عن اعتقالها، وكيف أن حبيبها كان يدعي أنه مع الثورة، لكنه كان مخبرا، ووشى بها للأمن الذي اعتقلها، هو هرب أوروبا وهناك أصبح يتحدث باسم الثورة، أما نارنج فقد عٌذّبت كثيرا، قاومت لم تقدم معلومات، اغتصبها المحقق ، هي قاومته، وهو قطع لها بعضا من اذنها بأسنانه، خرجت من المعتقل حاقدة اكثر، ولا تعرف كيف تنتقم من المحقق المجرم، أو النظام القاتل، كان الروائي طوق نجاة لها، بدأت تحبه، أرادت بحبها له ان تمسح عنها عار الاغتصاب، واستمرت علاقتهما تتطور. العلاقة بين الروائي واسمهان ابنة الجنوب بقيت تنوس على حالها، تعرّف من خلالها، على المصورة الصحفية جمانة سلوم ، التي اشتهاها جسديا، لكنه لم يعرف كيف تنظر هي للموضوع، كيف يفاتحها، كانت تمر عليه بين حين وآخر وتريه ما تصوّر، و كيف تصنع من هذه اللقطات معنى ما وقصص حميمية. علم الراوي بقصة نايا مروان، التي هربت إلى أوروبا، وكيف انتحرت هناك، وكيف حاولت الانتحار قبل ذلك ولم تنجح، حاول أن يبحث في قصتها، وتبين له أن وراء ماعاشته قصة حب مع معلم لها، لم يعطي لحبها الاهتمام والتجاوب. لماذا يعيش السوريون مأساة في حياتهم سواء في داخل سورية، أو من تمكن من الخروج والهروب والاستقرار في أوروبا ؟!، استمرت ورشة كتابة سيناريوهات فلميّة تعمل، أتت نارنج بحكاية امرأة تدعى ريم صابوني، وانها تريد ان تتابع قصتها، هي من بلدة هاجمها المسلحين قتلوا اهلها وعائلتها وأغلب سكان البلده وهربت، التزمت أن تتحدث بداية، ثم أصبحت تغير إفادتنا عما حصل معها، انها مشوشة نفسيا، ثم اختفت تماما. للروائي صديق من ريف دمشق، دمرت بلدته ،هرب بروحه، كان لدية مكتبة كبيرة، يذهب كل يوم إلى أسفل جسر الرئيس باحثا عن كتبه لعل شبيحة ما أخذها وباعها هناك، ليعود هو لشرائها، كان هناك منتظرا، مات وهو ينتظر. أما نارنج صديقته التي بدأت تتحرر نسبيا من تجربة اغتصابها، وبدأت تبادل الروائي قصة حب ينمو رويدا رويدا، وتتوج بعلاقة جسدية في بيته تارة، وفي بيتها مرة اخرى، لكن نارنج سرعان ما تهاجر أيضا إلى اوربا، دون علمه، تتواصل معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما زالت تحبه، وتنتظره، وهو ما زال يعيش في دمشق مسجلا حكاية مآسي السوريين، والموت المجاني المحتمل على حاجز أو عبر قذيفة عشوائيه، وسط اضطراب مشاعري كبير.
هنا تنتهي الرواية، وفي تحليلها نقول: إننا أما رواية ترتكز بالكامل على الجانب المشاعري في أشخاصها، خلفية حياتهم المجتمعية والسياسية العامة غير حاضرة إلا بشكل جزئي. نحن أمام حدث سوري لن يتكرر في التاريخ، شعب ثار، نظام قاتل مستبد وحشي، مليون شهيد ومثلهم مصابين، ١٢ مليون مشرّد داخلا وخارجا، الشعب جرب كل مآسي الموت في البر والبحروالجو، والرواية تتابع حالات نساء ورجال مأزومين، منهم من عايش الأزمة العامة، الروائي يحاول أن يصنع روايته الخاصة في بحر المأساة العامة، لم يقترب من حياة الناس في المناطق المحررة أو المحاصرة أو المدمرة، لم يقترب من حياة عائلات الشهداء أو المصابين، أو الهاربين بروحهم، اكتفى بحياته ،وكيف يعيش التداخل بين الجسدي والوجداني، وكيف يشبع حاجته الجسدية ، وأن حالته الوجدانية مضطربة دوما، هل كان من الممكن أن يكون هو ومن بقي في مناطق سيطرة النظام وخاصة دمشق أن يعيشوا أسوياء ؟!، ناهيك عن احرار، ام مهمشين في مجتمع أصبح كله ضحية، الان أو بعد حين.
الرواية حاصلة على جائزة الشيخ زايد للكتاب عام ٢٠١٨م.