أكدت خلاصات تقرير أكاديمي صادر حديثًا، أن المغرب والجزائر يوجدان في مأزق جيوسياسي ودبلوماسي ذي عواقب وخيمة على اقتصادات البلدين واستقرار منطقة المغرب العربي. ويُفسَّر ذلك بزيادة الإنفاق العسكري، حيث تحتل الجزائر المرتبة الثالثة في هذا المجال على الصعيد الإفريقي بعد مصر ونيجيريا، بينما يأتي المغرب في المرتبة الرابعة.
وذهب التقرير الحامل لاسم “أطلس” إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار العلاقات المتوترة والعوامل المهددة للاستقرار على كلا الجانبين، وكذلك التنافس بين البلدين على مركز القوة الإقليمية، فإن اندلاع حرب تقليدية هو اليوم أحد أكثر السيناريوهات كارثية، والتي ستكون ذات تأثيرات سلبية على طموح المغرب في أن يصبح قوة إقليمية.
وتوقع فريق التقرير أن يستعين المغرب بحلفائه الرئيسيين لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات إذا وجد نفسه مدفوعًا، بدون رغبة منه، إلى الحرب مع الجزائر.
التقرير الذي تلقت “القدس العربي” نسخة منه، صدر باللغة الفرنسية عن “مدرسة الحرب الاقتصادية” في الرباط، بعنوان “المغرب، القوة الإقليمية: التحديات وعوامل النجاح الرئيسية والخيارات الاستراتيجية لعام 2040″؛ وأشار إلى أن “سيناريو الحرب مع الجزائر” يدفع المغرب إلى تعزيز وتحديث أجهزته العسكرية بهدف حماية جاذبيته ومشاريعه الاستراتيجية.
ويتجلى ذلك في الزيادة المستمرة في الموازنة العامة للدفاع الوطني التي ارتفعت من 35.1 مليار درهم مغربي (3.457.136.241 دولار أمريكي) عام 2019 إلى 45.4 مليار درهم (4.471.623.514 دولار) عام 2020 و47.4 مليار درهم (4.668.611.334 دولار) عام 2021 لتستقر عند 45.1 مليار درهم (4.442.075.341 دولار) عام 2022.
وأوضح التقرير أنه في حالة قيام الجزائر بإثارة حرب مع المغرب، فإن هذا الأخير رغم استثماراته العسكرية والدعم الذي يمكن أن يقدمه حلفاؤه، ولا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات على وجه الخصوص، فإنه يخاطر بخسارة سنوات من التقدم من حيث البنية التحتية والمشاريع الاستراتيجية (ميناء طنجة المتوسط، المطارات، الطرق السريعة…) وسيجد صعوبة في التعافي لتحقيق الطموح في أن يصبح قوة إقليمية.
كما أن المغرب سيواجه إنفاقًا عسكريًا باهظًا، مما قد يؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة، ويؤدي إلى اللجوء إلى الدين العام للتعامل مع العجز العام، وفي ظل ضعف الموارد العامة، سيلجأ المغرب إلى المديونية. وبالتالي، فإن العجز العام (غير المستدام) والدين العام سيرهنان مستقبل الأجيال المستقبلية، وفق توقعات التقرير المذكور الذي أضاف إلى ذلك المخاطر المرتبطة بالتطرف العنيف والإرهاب، حيث يلعب المغرب دورًا محوريًا في مكافحة الإرهاب.
وتابع فريق البحث الخاص بالتقرير أن الجزائر من جانبها يمكن أن تعتمد على مساعدة روسيا (شراء السلاح) وإيران، لكنها ستكون في موقف سيء تجاه المجتمع الدولي. كما أن العواقب سوف تكون وخيمة أيضًا على السكان، وستكون الحاجة إلى الهجرة أكثر حدة من أي وقت مضى، خاصة نحو بلدان أوروبا.
وسجّل أن المغرب يحتل المرتبة 55 من بين 140 دولة في العالم، وفق بيانات Global Firepower لعام 2022، وهو أيضًا القوة العسكرية الأفريقية الرابعة بعد مصر والجزائر ونيجيريا. وأفاد أن الجزائر تخصص استثمارات من حيث الإنفاق العسكري أكثر بكثير من المغرب: 90 مليار دولار بين 2010 و2020 للجزائر، في حين خصص المغرب 35.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها.
وأوضح أن الصراع حول الصحراء هو أحد الأسباب الرئيسية لـ”سباق التسلح”، رغم أن الجزائر تفسر ذلك بالأسباب المرتبطة بالصراعات في منطقة الساحل.
“الاستياء التاريخي والمنافسات الإقليمية”، تلك هي السمة الرئيسية للعلاقات بين البلدين المتجاورين في المغرب العربي، بحسب تحليل فريق البحث الذي يشير إلى أن جذور التوترات بين المغرب والجزائر تعود إلى عدة عوامل: التاريخ من خلال الموقف من قضية الصحراء، فمباشرة بعد إعلان استقلال الجزائر طالب المغرب بالصحراء الشرقية عام 1963. ومن ثم، كانت المواجهات العسكرية الأولى التي أطلق عليها “حرب الرمال” بمثابة بداية حرب مفتوحة على جميع الجبهات: السياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية (حرب العصابات).
تلت ذلك عدة أحداث غيرت العلاقات بين البلدين، وتحديدًا “المسيرة الخضراء” التي أطلقها العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، الذي استطاع حشد أكثر من 350 ألف مواطن مغربي في مسيرة سلمية، ما أسفر عن قطيعة دبلوماسية بين الرباط وجارتها الشرقية، لاسيما بعد المساندة التي حظيت بها جبهة “البوليساريو” من لدن الجزائر وليبيا.
بعث إنشاء “اتحاد المغرب العربي” عام 1989 الأمل في التقارب بين البلدين، لكن هذا الاتحاد المكون من الجزائر والمغرب وليبيا وتونس وموريتانيا، لم يتمكن من تحقيق الأهداف المتوقعة المتمثلة في توطيد العلاقات الأخوية بين الدول الأعضاء وبين شعوبها وتحقيق التقدم والرفاهية لمجتمعاتهم.
تدهورت العلاقات بين البلدين في أعقاب الهجمات الإرهابية في مراكش عام 1994. وقرر المغرب طرد المواطنين الجزائريين الذين لا يملكون تصريح إقامة، وفرض تأشيرات لدخول أراضيه. ردًّا على ذلك، أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب.
جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وكان اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء خلال الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس دونالد ترامب بمثابة “انتصار” للرباط، فقد كان هذا الاعتراف الأمريكي مشروطًا بتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل على شكل “اتفاقات إبراهيم” الموقعة في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2020.
وترى الجزائر هذا الإعلان وهذا التحالف بين تل أبيب وواشنطن والرباط بمثابة استراتيجية لزعزعة الاستقرار موجهة ضدها.
وبعد أشهر من التوترات المتصاعدة بين هذين البلدين المغاربيين اللذين تربطهما علاقات تقليدية صعبة، قررت الجزائر في آب/ أغسطس 2021 قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، متهمة جارتها بـ”الأعمال العدائية” تجاهها. إن هذا القرار “الأحادي” الذي استنكرته الرباط ووصفته بأنه “غير مبرر” هو دليل على تدهور العلاقات. من جهتها، اتهمت الجزائر المغرب بالمناورة لزعزعة استقرارها، مدعية أنه يستخدم أموال المخدرات لمهاجمتها، وأنها يشعل الحرائق ويدعم انفصال “القبائل” وما إلى ذلك.
اقتصاديًا، على الرغم من الإمكانات الهائلة من حيث التجارة الثنائية، فليس هناك أي إمكانية حاليا لتطوير التعاون الاقتصادي، نظرا للعلاقات الغامضة بين الجارين المتصارعين وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية.
على صعيد آخر، يجدر التذكير بخط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي الرئيسي الذي شاركت فيه إسبانيا والمغرب والجزائر والبرتغال لضمان إمداد شبه الجزيرة الأيبيرية بالغاز الطبيعي، وبالتالي أوروبا.
واعتبر التقرير أن قرار الجزائر بإغلاق خط أنابيب الغاز وإجهاض مشروع التعاون الإقليمي يبرز أزمة الطاقة في المغرب وأوروبا في سياق جيوسياسي وجغرافي اقتصادي تغذيه الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا.
المصدر: “القدس العربي”