فصول من كتاب “الأحزاب والقوى السياسية في سوريا”    الحلقة الرابعة

رجاء الناصر ـ مخلص الصيادي

الحلقة الرابعة: قراءة في المسار العام للتيار الناصري في سوريا /2

أولا: سوريا في مرحلة سياسية مختلفة

جاءت الحركة التصحيحية في أعقاب فترة تميزت بانغلاق الحكم السابق على نفسه: داخليا وعربيا، واتخذ ذريعته في هذا الانغلاق مجموعة الشعارات التي رفعها، والتي مثلت حالة هروب إلى الأمام، ومراهقة فكرية، فقد كانت شديدة القرب من الماركسية، يعادي كافة القوى التقدمية والوحدوية، ويملأ سجونه من أعضائها، وقياداتها، ويضيع جهد سوريا وإمكاناتها في صراعات جانبية مع العراق، وإذ نتذكر الجهد الذي بذله جمال عبد الناصر من أجل إحياء الجبهة الشرقية، وفشل هذا الجهد، ومبررات القيادة السورية آنذاك لعدم التجاوب مع جهد عبد الناصر  ندرك كم كانت تلك القيادة أسيرة أوهامها الخاصة.

وإذ رفعت “الحركة التصحيحية شعار الانفتاح على الجماهير، والخروج من إسار الانغلاق الذي حد من إمكانات هذا الإقليم، فإن أثر هذا الشعار ظهر مباشرة على الجماهير عموما، وأوجد جوا من الراحة والطمأنينة العامة، لكن هذا الجو لم يلبث أن تراجع على كافة المستويات، وكشف عن طبيعته خاصة على الصعيد الاقتصادي، وصعيد القوى الاجتماعية، ولم تكشف أبعاد هذه الطبيعة الخاصة إلا في أعقاب حرب أكتوبر / تشرين أول 1973، والارتفاع الهائل في أسعار البترول، وتفاعل النظام السوري مع هذا الوضع الجديد، تفاعلا جعله جزءا من النظام العربي العام، لا يختلف عنه في شيء، وإن اختلفت الشعارات والرايات المرفوعة.

وبشكل سريع وملفت للنظر تحالفت أعمدة هذا النظام مع الرأسمالية الطفيلية وشكلا معا طبقة واحدة، ومتماسكة، امتصت المساعدات والفوائض التي كانت تأتي سوريا عبر الدول العربية النفطية، أو القروض الخارجية، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وصار قطاع البناء والاستيراد والتجارة الداخلية هي القطاعات المتحركة والنشطة، وبآلية هذا التحالف الجديد بدأت عملية تجميع للثروة الوطنية وإعادة توزيعها بما يكفل أن يكون لهذا التحالف نصيب الأسد فيها، ولأن كل المؤسسات ومراكز التقرير الاقتصادية والسياسية بيد “حزب البعث” فإن هذه المواقع أصبحت “امتيازا “، وطرقا للثروة والكسب غير المشروع، وانتشرت الرشوة بشكل لم يسبق له مثيل في سوريا، وصارت بحكم المتعارف عليه واقعيا، وساهم الخلل الفاضح بين ارتفاع الأسعار وارتفاع الأجور في إشاعة ظاهرة الرشوة حتى غطت كل مستويات العمل.

وساعد على تضخم ثروات هذا التحالف الجديد اتساع حجم قوة العمل المهاجرة إلى دول النفط، وما كانت تحوله من عائدات إلى الوطن، ونتيجة الحاجة لمواجهة هذا التضخم انتشرت ظاهرة ” العمل الثاني الإضافي” عند عامة الناس.

من جراء هذا الوضع فإن القوى الأساسية في المجتمع انشغلت بمواجهة ظرف الغلاء، وباتت تهدر وقتها وطاقاتها في محاولة للهروب من “غول الأسعار”، ولم يعد العمل العام بما فيه العمل السياسي يجد لديها الوقت الكافي، وتسللت في البدء ثم شاعت أنماط المجتمع الاستهلاكي، وراحت هذه الأنماط تخرب في أخلاقيات الناس، وتهدم علاقاتهم التعاونية والتضامنية، التي كانت شائعة قبل هذه الفترة، والتي كانت تقدم الكثير من الدعم للروح النضالية.

لقد ضرب هذا الجو الروح الوطنية العامة، التي كانت تسبح فيها القوى الوطنية والتقدمية عموما، وساعد على ذلك حركة الارتداد التي سادت الحياة العربية عموما والتي كانت قمتها زيارة السادات للقدس الأسيرة، وتوقيع معاهدة كامب ديفيد، فشاع اليأس بين الناس.

إن الناظر إلى الحركة العامة للجماهير يلحظ في هذه المرحلة خفوتا شديدا في الاتجاه للعمل في الأحزاب والقوى الوطنية التقدمية والوحدوية، وازدياد الاتجاه نحو نوعين من الحركة السياسية  هما في الحقيقة وجهان لمسألة واحدة:

ـ الانضمام إلى حزب السلطة بما يضمنه هذا من مكاسب وامتيازات معاشية ووظيفية وأمنية، مع ما فيه من تخريب للضمير العام، ودخول في أبواب الرشوة والكسب غير المشروع.

ـ اللجوء إلى الجماعات الدينية طلبا للاستقرار النفسي في رحاب الدعوة إلى الله، وهربا من الفساد والإفساد للضمير العام، وتجاوزا لحالة اليأس التي خلفتها حركة الارتداد.

وإذ شهدت هذه المرحلة تضخما هائلا في عضوية الحزب الحاكم، فإنها شهدت أيضا ازديادا ضخما في الزوايا والتجمعات والجماعات الدينية، وحين حصل الصدام بين النظام و”الاخوان المسلمون”، كان هؤلاء هم الزاد الذي استقى منه “الإخوان المسلمون” بدون حدود، بنفس الوقت الذي تكشف لقيادة النظام هشاشة وضع الحزب وترديه رغم تلك العضوية المتخمة.

ثانيا: الاتحاد الاشتراكي والمرحلة الجديدة

على مستوى الاتحاد الاشتراكي ـ تنظيم التيار الناصري ـ فإن الانقسامات العديدة التي مر بها أثمرت تجانسا معتبرا في بنيته التنظيمية، ورؤية محكمة في خطه السياسي والفكري، وأدت إلى نتيجة أساسية في إطار العقل القيادي عنده، كان لها اثرا شديد السلبية في حركته وفاعليته تجسدت هذه النتيجة في أن قيادته اتخذت وضعية ومكانة ” القيادة التاريخية”، ثم هي تمثلت في شخص الدكتور جمال الأتاسي الأمين العام للتنظيم، أي أن العقل القيادي في الاتحاد الاشتراكي صار منطبقا على “الأمين العام” انطباقا تاما.

وإذا كان من قبيل الافتراض اعتقادنا أن الدكتور الأتاسي عمل من أجل الوصول إلى هذا الوضع، فإن من الحقائق المعاينة أن كوادر التنظيم الأساسية، وفي المقدمة منها أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، ” القيادة السياسية”، وأعضاء اللجنة المركزية، والمؤتمر العام، قد نظروا إلى الأمين العام من هذا المنظور، البعض يسمي هذه الوضعية “ديكتاتورية”، لكن حقيقة الأمر لا تشير إلى ذلك، وإن كانت لا تنفيها تماما، إنها تحمل بعضا من معاني الديكتاتورية، لكنها تنفرد عنها في معان أخرى رئيسية، ذلك أن إحساس كوادر التنظيم وقياداته بأهلية الأمين العام لهذه الوضعية الخاصة والقبول بها والدفاع عنها، كان من قبيل الاعتراف بأمر طبيعي قياسا على هذه الكوادر والقيادات.

إن الفارق كبير بين الأمين العام، وبين مختلف قيادات وكوادر التنظيم، في الوعي العام، وفي التاريخ السياسي، في الفكر، وفي الحس السياسي، تفرض له هذه المكانة الخاصة، وفي اللحظات الحاسمة فقد استخدم هو هذه المكانة في فرض رؤيته لطبيعة تلك اللحظات، وفي تحديد الإجراءات والقرارات لمواجهتها بعيدا عن رأي قيادة التنظيم، منفردا عنها، ومتصادما معها، ونستطيع أن نتتبع هذا الجانب في التجارب الحساسة التي اندفع إليها الاتحاد الاشتراكي.

بشكل أساسي ومؤثر خاض الاتحاد الاشتراكي تجربتين في العمل الجبهوي: الأولى في العام 1968، والثانية في العام 1971.

ـ الأولى في مواجهة السلطة بعد أن رفضت الانضمام إلى الجهد الشعبي لموجهة نكسة حزيران، ولتهيئة الظروف اللازمة لإزالة آثار تلك النكسة.

ـ والثانية: بتحالف مع “الحركة التصحيحية ” لإحداث نهوض وطني عام يهيئ للمرحلة مستلزماتها، ويدفع قدما على طريق المجابهة مع العدو الصهيوني.

وفي التجربتين فشل الاتحاد الاشتراكي في تحقيق أهدافه، أو بعض منها، فدخلت قياداته وكوادره السجن عقب الأولى، وانزوى التنظيم كله، وتمزق وارتكن على هامش العمل السياسي عقب الثانية.

ورغم خطورة وأهمية هاتين التجربتين، فإن خللا بينا تبدى حينما لم يستطع التنظيم أن يخرج بموقف نقدي لتجربتيه، يظهر مواضع الخلل فيهما، ويحدد المسؤوليات والنتائج التي آلت إليهما، وحين فعل ذلك بعد أكثر من عقد من الزمن مضى على تجربته الثانية جاء نقده يحمل طابع التبرير رغم احتوائه على أفكار نقدية هامة.

ولسوف نقف تباعا على هاتين التجربتين لنرى كيف تعاملت معهما قيادة الاتحاد الاشتراكي.

التجربة الأولى: تجربة جبهة 1968

بدءا من 9/10 جزيران 1967، تحدد الطريق لمواجهة نكسة حزيران، ففي هذين اليومين كشفت الجماهير العربية في مصر، وفي مختلف أرجاء الوطن العربي عن موقفها كاملا، بعيدا عن أي ضغط، متحررة من أي احتمال لتزوير إرادتها، أو تحوير مواقفها، وتحدد هذا الطريق في عنصرين اثنين:

ـ الصمود في مواجهة العدوان والاستعداد للبذل دون حدود من أجل التحرير.

ـ تجديد الثقة بقيادة جمال عبد الناصر وتفويضه في رسم الطريق المؤدي إلى هذا الهدف.

وحدد جمال عبد الناصر الطريق إلى ذلك، وارتفع شعار “إزالة آثار العدوان”، وإعادة بناء القوات المسلحة المصرية، وتجميع الجهد العربي خلف هذا الهدف، وتدعيم الجبهة الداخلية وتقويتها بمختلف الإجراءات والسبل.

وإذ تحمل جمال عبد الناصر مسؤولية النكسة كلها، فإن الجماهير في سوريا وقواها السياسية كانت تعيش عيانا، وترى بوضوح، مدى ما يتحمله النظام السوري من مسؤولية في هذه النكسة، ومدة الطفولية التي واجه بها حدث النكسة، فكأنه رسم استراتيجيته على أساس مشاركة عبد الناصر النصر، وإفراده وحده بمسؤولية الهزيمة، وذلك حسبما تسفر عنه نهايات الحدث، بل وبدت ملامح الارتياح ظاهرة على هذا النظام مما أصاب عبد الناصر نتيجة عدوان حزيران، إذ اعتبره الخصم الأول والأساسي له على الساحة العربية.

في هذا الظرف وتجاوبا مع توجه قيادة الثورة العربية ـ قيادة جمال عبد الناصر ـ انطلق الاتحاد يدعو إلى إعادة بناء الجبهة الداخلية في سوريا*، وذلك باستبدال سلطة القوى الوطنية التقدمية بحكومة الحزب الواحد لتقدر على تحقيق إجماع شعبي داخلي، وعلى تهيئة كل الإمكانات التي يحتاجها شعار ” إزالة آثار العدوان”، ثم وضع سوريا على الطريق نفسها التي وُضعت عليها مصر، أي السير على خط جمال عبد الناصر في مواجهة حالة النكسة.

ولم يكن في دعوته هذه يطرح شعار مواجهة السلطة أو إسقاطها، لكن حين رفضت هذه دعوة الوحدة الوطنية وراحت تقود حملة أساسها الإرهاب لمواجهة التجاوب الشعبي مع خط  عبد الناصر، لم يكن أمام الاتحاد الاشتراكي خاصة، والقوى الوطنية عامة، إلا أن تسعى لتحقيق هذا الهدف في مواجهة السلطة، وضدها، والتقت أطراف الجبهة على هدف مواجهة السلطة، وإقامة سلطة جبهة شعبية، وتحددت قيادة لهذه الجبهة، وأنيطت بها كل العمليات والإجراءات الخاصة بهذا الهدف، ولعب الاتحاد الاشتراكي على مستوى الحركة الشعبية، وقيادته وأمينه العام على مستوى قيادة الجبهة دورا بارزا ومحوريا، وتحدد الأول من أيار” عيد العمال” عام 1968، بداية التحرك الشعبي.

مع صدور بيان الجبهة الأول في هذه المناسبة وجهت السلطة ضربتها إلى كل عناصر وقيادات الجبهة، واكتظت السجون بالمعتقلين، وفي المعتقلات بدأت تتكشف حقائق مخجلة ومرعبة، في آن واحد، ولم يكن ما يجري خارج أسوار المعتقلات بأقل إيلاما مما تكشف داخلها.

إن أكثر الوقائع التي كشفت عن نفسها بوضوح أن الاتحاد الاشتراكي هو الوحيد بين كل أطراف الجبهة كان قاصدا بالفعل تحقيق أهداف العمل الجبهوي، أما باقي الأطراف فإن كلا منها كان يعد خططا عسكرية، وتحالفات مع نظم مجاورة من أجل تحقيق سيطرته على مقدرات هذا البلد، وكان من الصعب أن تجد فاصلا حقيقيا بين جزء من هذا الباقي وبين السلطة القائمة، والتي كان من المفترض أن الجبهة قامت لأجل مواجهتها…. لقد ظهر سريعا أن الجبهة لم تكن أكثر من وهم، واكتفت السلطة بالضربة الأولى حتى لا ترى هذه الجبهة النور بعد ذلك، مع العلم أن رد فعل السلطة كان معروفا ومتوقعا بأشد مما ظهر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*لقد مهدت قيادة الاتحاد الاشتراكي لهذه الدعوة بتعميم دراسة موسعة تحت عنوان ” في مواجهة النكسة”، على قواعد التنظيم، حملت فلسفته لهذه المرحلة، وكانت تهدف إلى إعادة تكوين العقل السياسي لقواعد التنظيم على ضوء هذه الفلسفة، وسيكون هذا الأسلوب هو المعتمد من القيادة في مواجهة الظروف الطارئة، ففي أواسط السبعينات مهدت لدعوتها في بناء جبهة ديموقراطية في سوريا لمواجهة ديكتاتورية السلطة القائمة بدراسة على حلقات تحت عنوان “الديموقراطية أولا”.

خارج إطار المعتقلات كانت “القيادة المؤقتة” التي خلفت قيادة الاتحاد الاشتراكي المعتقلة، ضعيفة ومتهاونة، بل ومزورة على مختلف الصعد، عملت على إضعاف بنية التنظيم، وعلى إثارة الخلافات ضمن صفوفه، حينما عممت تقريرا فكريا وسياسيا ادعت أنه تقرير المؤتمر العام الرابع ـ وهو المؤتمر الذي انعقد قبيل تجربة الجبهة ـ وهو تقرير تشع منه روح ماركسية واضحة، كذلك كانت تقيم صلات مثيرة مع أطراف من السلطة، وتحتمي بقوى متحالفة مع السلطة، أما بالنسبة للقوى الأخرى التي شاركت بتجربة الجبهة فإن الأمر عندها كان أكثر سوءا.

لقد أظهرت هذه التجربة بعضا من الحقائق على مستويي العمل: الداخلي والجبهوي.

** فعلى المستوى الداخلي: تكشف الأمر عن نوعية من القيادات لا تستحق أن تكون في صفوف الاتحاد الاشتراكي، ولا في صفوف التيار الناصري، وليس لها أي صفة من الصفات النضالية، كان التنظيم عندها مجرد أداة رهان، وورقة ضغط ومساومة.

** وعلى المستوى الجبهوي: انكشفت الخديعة التي وقع فيها التنظيم حين تبين أن الأطراف المشاركة في الجبهة لم تأت بدافع تحقيق مستلزمات الوضع الوطني، وإنما هي تستغل هذا من أجل تحقيق الاستراتيجيات المحددة والذاتية لأحزابها المركزية، أو لحلفائها التقليديين، وهو نفس ما تكشف من سلوك النظم العربية تجاه عبد الناصر وهو يسعى لمواجهة النكسة.

وإذ أثبت الجسم التنظيمي للاتحاد الاشتراكي قدرته على تجاوز سلبيات هذا الوضع، فأوقف القيادة المؤقتة عند حدودها، وشد من بنائه التنظيمي، واستعاد المبادرة على مستوى الشارع السياسي، وخاض نضالات جدية ومؤثرة، وأثبتت قياداته المعتقلة صمودها وأهليتها النضالية، واتبع الحذر في التعامل مع مختلف القوى، وفرض العزلة على ذلك الصنف من القيادات في مؤتمره الخامس، إلا أن هذه الدورة الدافعة في جسم التنظيم لم تكتمل، فقد وقف الأمين العام إلى جانب تلك القيادات الساقطة، وأعاد لها اعتبارها، وجعلها أداته وذراعه في التعامل مع المرحلة الجديدة، وظهر عجز بين عن ممارسة الحياة الديموقراطية ضمن التنظيم، ومحدودية قدرات وإمكانات قيادة الاتحاد، وهذا ما جعل للأمين العام مسؤولية خاصة، وهو الذي يعتبر بحق رائد هذه السياسات .

التجربة الثانية: تجربة جبهة 1971

لم تكن هذه التجربة وليدة اليوم الذي أعلنت فيه “الحركة التصحيحية”، وإنما هي سابقة عليه، فالتهيئة لهذه الجبهة كانت تسير بشكل متزامن مع التحضيرات للحركة ذاتها، وللتوترات المتتالية التي أدت إليها، وبشكل مبكر قامت وجوه محددة من القيادات بعثية بإجراء اتصالات مع الاتحاد الاشتراكي، وكانت هذه الاتصالات تبغي وضع الناصريين في أجواء الصراع الجاري في الحزب، وتمهيد العلاقة معه حتى يكون إلى جانب الجناح العسكري المعارض للقيادة المهيمنة على الحزب والسلطة، والمتمثلة بالثلاثي” صلاح جديد، يوسف زعين، نور الدين الأتاسي”، واستفادت هذه الوجوه من الأجواء التي كان يعيشها الاتحاد الاشتراكي حيث أغلب قياداته ضمن المعتقلات، وحيث “القيادة المؤقتة” على ما عرف عنها من ضعف وخلل تقود العمل، وكان المهيمنون على الحزب والسلطة ـ الثلاثي الحاكم ـ يقودون هجوما ضاريا على القوى التي شكلت جبهة 1968، ويصفونها بأبشع الصفات.

بين الأيوبي والكيالي تكونت نقطة الاتصال الأهم في هذه المرحلة:

ـ محمود الأيوبي: باعتباره أبرز الوجوه السياسية البعثية التي وقفت تناهض ذلك الثلاثي الحاكم، وأمنت للقيادة العسكرية التي مثلها وزير الدفاع آنذاك، الرئيس الحالي حافظ الأسد الاتصالات مع جانب القوى السياسية المعارضة.

ـ فوزي الكيالي: باعتباره الوحيد من العناصر البارزة في الاتحاد الاشتراكي الذين لم يطالهم الاعتقال، بنفس الوقت الذي كان يشغل فيه موقع مسؤول القيادة المؤقتة للتنظيم. وأمَن العمل المشترك للشخصين في جهاز إداري حكومي واحد إمكانية اللقاء المستمر.

ما بين أواسط العام 1969، وأواخر العام 1970، تعززت هذه الاتصالات مع حملة الافراج المتتالية عن المعتقلين السياسيين، ومن ضمنهم قيادات الاتحاد الاشتراكي، وقد عكست هذه الافراجات تطور الصراع على السلطة ضمن حزب البعث، وتطور موازين القوة في هذا الصراع.

لقد وضح من الشعارات التي كانت تنقل إلى قيادة الاتحاد الاشتراكي أن الهدف من الصراع الدائر في السلطة هو تخليص البلد من حالة العزلة الداخلية التي يعيشها، وإشراك الجماهير في شؤون المجتمع، والانفتاح على القوى الوطنية والتقدمية، وضبط الاتجاه القومي ليتوحد الجهد مع ما كان يجري في مصر الناصرية آنذاك.

ولقيت هذه الشعارات تجاوبا من قيادة الاتحاد الاشتراكي، التي سعت إلى تعزيز هذه المفاهيم قاعديا، ولم يكن التنظيم في موقفه هذا منفردا، وإنما كان بهذا الموقف متجاوبا مع موقف شعبي أرهقته الطبيعة الديكتاتورية للقيادة المسيطرة على الحزب والدولة، وطفوليتها في الصراع السياسي، وفي الفكر الاجتماعي، على الرغم مما كانت تتمتع به تلك القيادة من نظافة يد.

في اللحظة التي حسمت فيها القيادة العسكرية في سوريا الوضع، واستولت على زمام السلطة، وبان الموقف المضاد والحاسم لقيادة الحزب وأجهزته، وتشكيلاته المساعدة “أتحاد الطلاب، اتحاد العمال ـ شبيبة الثورة ـ الاتحاد النسائي” من هذه القيادة العسكرية وحركتها التصحيحية، تحرك الاتحاد الاشتراكي ليجمد فاعلية هذا الموقف البعثي على المستوى الجماهيري، وليؤمن الدعم السياسي الجماهيري للقيادة العسكرية، واستشعرت القيادة الجديدة هذه القوة الجماهيرية، وتفاعلت في البداية معها، وانعقدت الصلات المباشرة بين الأمين العام للاتحاد الاشتراكي الدكتور جمال الأتاسي ، وبين قائد الحركة التصحيحية الفريق حافظ الأسد، وكانت متانة هذه الصلاة هي المدخل الأرحب للوهم الذي لف تكتيك قيادة الاتحاد الاشتراكي، وأدى بها إلى ما وصلت إليه، وكان فهم هذه الصلات، وتجسيدها في خطة عمل، هي نقطة خلاف أولى ضمن المؤسسات القيادية في الاتحاد الاشتراكي.

وقد تنازع العقل القيادي للاتحاد الاشتراكي في التعامل مع هذه الصلات والعلاقات مفهومين متناقضين:

** الأول : يقف معه ويجسده الأمين العام، ويقتضي بأن يكون دعم التنظيم  لهذه الحركة دون شروط فعلية، فيكون بمثابة دفعة على الحساب يقدمها التنظيم لقيادة الحركة، تتيح لها فرصة إعادة ترتيب بيتها الداخلي “حزب البعث”، وتمكنها من الوقوف في وجه واقع “رفض الحزب الكامل” للحركة التصحيحية، وكان وراء هذا الفكرة الرغبة في، وتوقع إمكانية، تعويم هذه القيادة، فلا تعود تجسيدا لقيادة حزب، وإنما تصبح تجسيدا لقيادة الحركة السياسية في سوريا، أي تكون فوق الأحزاب، وتبقى الأحزاب كلها بما فيها حزب البعث تتصارع ديموقراطيا، وعزز هذه الفكرة  الوزن الذي أعطته قيادة الاتحاد للموقف الأولي الذي اتخذه حزب البعث من الحركة التصحيحية، ولطبيعة تقدير قائد هذه الحركة لهذا الموقف.

** الثاني : وكان اتجاه غالبية قيادة الاتحاد الاشتراكي، حيث الرأي أن الرئيس الأسد هو ابن هذا الحزب، وأيا كان الموقف الأولي للحزب منه، فإن غالبية الحزبيين سرعان ما سيعودون إلى تأييده بعد أن يستقر حسم الأمر، بدافع المصلحة التي أمنها لهم الحزب، وستعود القيادة الجديدة لبناء الحزب مجددا، فحزب البعث أصبح مؤسسة في المجتمع، تتجمع حوله مصالح عديدة، وقوى اجتماعية متعددة، لذلك فإن تصور بقاء الطرفين : الحزب والقيادة الجديدة في مواقع التناقض لا يتفق  وطبائع الأمور، لهذا السبب فإن ضرورة بالغة تفرض ـ في هذا الظرف بالذات ـ أن تكون العلاقة بين الاتحاد وبين القيادة الجديدة علاقة واضحة، مؤسسة على قواعد في العمل، وفي تحديد أطر المستقبل، لا تستبعد النوايا الطيبة ـ التي كثيرا ما كان يشار إليها ـ ولكن لا تكتفي بها حتى تؤطر فتعطي دلالاتها الحقيقية.

بين هذين المفهومين بدأت تظهر دلائل الخلل في الحركة والتعامل، وعزز هذه الدلائل أن أدوات الاتصال بين قيادة الاتحاد وقيادة الحركة لم تكن أدوات حزبية، وإنما أدوات شخصية، مثلها من جانب الاتحاد كل من الأمين العام الدكتور جمال الاتاسي، وفوزي الكيالي، وإذا كان الفارق بين الأداة الحزبية والشخصية يتمثل في قرار التنظيم وإرادته، فإن بعض الأمثلة كفيلة بأن تكشف طبيعتها الشخصية:

** لقد قررت اللجنة التنفيذية العليا، واللجنة المركزية،  تشكيل ” لجنة اتصال”، تقوم بدور التفاوض وتحديد أوجه التعاون مع قيادة الحركة، ومع القيادة المؤقتة لحزب البعث، لكن هذا القرار تطبيقيا لم ير النور، ذلك أن الأمين العام اعتبر أن هذه اللجنة كأنها غير موجودة، ورفض أن يكون هناك من أداة اتصال غير من يحدده هو، ثم قام بتحديد ممثل التنظيم في الوزارة المشكلة عقب الحركة التصحيحية دون العودة إلى قيادة التنظيم، ودون التوقف عند رأي التنظيم كله من هذا “الشخص”، وكان المؤتمر الخامس حمل هذا  الشخص المسؤولية الأولى فيما أصاب التنظيم اثناء تجربة الجبهة الأولى، ودوره في القيادة المؤقتة، وكان موقف التنظيم منه حاسما إلى درجة دفعته إلى التغيب عن المؤتمر الخامس، ودفعت القيادة الجديدة إلى إبعاده عن أي وضع تنظيمي جديد، حتى أنه لم يكن له مستوى يجتمع به، أي لم تكن عضويته منسقة ضمن هياكل ومراتب التنظيم.

** وتكرر الأمر نفسه حينما تم بحث المشاركة في مجلس الشعب المؤقت، والمحدد بالتعيين، واستمر التصرف على هذا النحو حتى تم طرح ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية، وقوبل هذا الميثاق برفض شديد من قبل كوادر للتنظيم وأغلبية أعضاء مؤسساته القيادية، وإذ وضح في نصوص الميثاق استمرار النهج البعثي السابق في التعامل مع القوى السياسية، ذلك النهج الرافض للاعتراف القانوني بوجود هذه القوى، والاكتفاء بالاعتراف الواقعي، أي الاعتراف الذي يدل عليه تعاملهم هم مع هذه القوى، فليس جائزا لأي من القوى المتعاونة أن تقيم مراكز لها، أو تكون لها صحفها، أو تكون لها حركة علنية، فإن الرفض انصب على عدة نقاط كان أهمها:

** حصر قيادة الجبهة والدولة والمجتمع بحزب البعث العربي الاشتراكي.

** حصر العمل السياسي في قطاعي الجيش والطلاب بهذا الحزب.

ورافق هذا الرفض إحساس عام في التنظيم بأن طريقة التعامل بين السلطة الجديدة والتنظيم تنم عن رؤية شخصية أكثر منها رؤية تنظيمية، مما استدعى تشبثا أقوى بالاعتراض على ميثاق الجبهة، وازداد هذا الموقف واتسع مداه داخل الاتحاد حينما أمسكت القيادة المفاوضة وفي المقدمة منها الأمين العام عن تعميم مشروع ميثاق الجبهة ـ قبل إقراره ـ على قيادة التنظيم، خشية بروز المعارضة، وتجمعها مما قد يمنع إقرار المؤسسات القيادية في الاتحاد لها، في وقت كان هذا المشروع بين يدي القوى الأخرى، وكانت هذه القوى هي مصدر معرفة كوادر الاتحاد بمحتويات المشروع.

هذا الشكل من التعامل مع الجهاز التنظيمي يكمن وراءه شعور بالاستخفاف نابع عن إدراك مساحة الهوة بين “قيادة التنظيم التاريخية”، وبين مختلف مستويات التنظيم الأخرى، لقد تأكد هذا الاستنتاج في كل مرة حدث فيها صدام بين اللجنة التنفيذية العليا وبين الأمين العام، أو بينه وبين اللجنة المركزية، إذ لا تلبث هذه المستويات أن تتراجع عن قراراتها أمام إصرار الأمين العام، ليس قناعة بما يطرح، وإنما خشية من أن يتخذ موقفا سلبيا من هذه المستويات، أو حتى من التنظيم كله.

هذا التأرجح في التعامل مع القيادة السياسية الجديدة في سوريا، وهذا المسار في العمل الجبهوي المترافق مع ضعف مؤسسات التنظيم أمام الأمين العام، ولد ظاهرة خطيرة في الجسم التنظيمي، كانت هي بذاتها، وطريقة تعامل قيادة التنظيم معها في ظل افرازات تلك المرحلة، المدخل إلى الضعف الشديد الذي أصاب جسم الاتحاد الاشتراكي لاحقا.

لقد ولدت في هذه الأجواء ظاهرة “تكتل” ضمن التنظيم، وصار واضحا أمام قيادته أن هذه الظاهرة عامة، وممتدة على المستويين الأفقي والعامودي، في كل المراتب، وفي كل المستويات، من اللجنة التنفيذية العليا إلى اللجنة المركزية، فالمؤتمر، إلى أجهزة التنظيم في الفروع.

ويبدو أن نشوء هذا التكتل جاء كرد فعل طبيعي على ظاهرتين متضامنتين: تفرد الأمين العام، وحالة التضاؤل التي كانت تظهر بها غالبية قياداته، فتشل قدرة مؤسساته القيادية على انفاذ رأيها وخططها.

وقد اتخذ هذا التكتل فيما بعد اسم ” الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي”، وواضح أنه لم يبغ إيجاد تنظيم مستقل، أو إحداث انقسام وشطر جسم التنظيم، وإنما كان يستهدف تكتيل القوى الطليعية فيه لإحداث قوة ضغط تحافظ من خلال مؤتمرات التنظيم ومؤسساته على الاتجاه الصحيح له، لكنه عمليا تحول إلى جسم تنظيمي داخل الاتحاد الاشتراكي، وبدأ يسرب توجيهاته، وبياناته ضمن الاتحاد الاشتراكي ويلقى تجاوبا متزايدا.

في مواجهة هذا الوضع تحركت قيادة الاتحاد الاشتراكي” لتنظيفه” من هذه الظاهرة، فقامت بفصل ثلث أعضاء اللجنة المركزية، وعدد متزايد من كوادر وقياديي العمل، ولم تتبع في عملها هذا الأصول التنظيمية، والمحاكمات، ولم تستند إلى معرفة صحيحة وجادة، وإنما اكتفت برصد الأشخاص الذين يقفون وراء رفض موقف قيادة الاتحاد من الجبهة، ورفض الطريقة المتبعة في التعامل مع السلطة، ومعارضة الدعم الذي لقيته بعض العناصر الساقطة من جسم التنظيم، وعملت على محاصرة هؤلاء الرافضين وفصلهم دون التأكد من انتمائهم ل ” الجهاز السياسي”.

وكان موقف الاتحاد الاشتراكي هذا هو بداية الانهيار الكبير في جسم التنظيم، إذ في الوقت الذي كانت فيه قيادة التنظيم تقوم بعمليات الفصل هذه، وتولي الثقة والمسؤولية إلى نوع جديد من القيادات تتوافق مع مفهومها في التعاون، كانت أجهزة السلطة تمد خيوطها مع هذه القيادات، وتبصرها بالمصالح المتأتية لها من وجودها في السلطة، وبالدور الذي يمكن أن تقوم تلعبه في إبقاء الاتحاد على موقف التعاون معها.

والمشكلة التي وقعت فيها قيادة الاتحاد أنها بعد فترة من ممارستها العمل الجبهوي وفق الميثاق الذي وقعت عليه، اكتشفت صحة المنطق الذي كان يرفض التعاون على أساس هذا الميثاق، واكتشفت فداحة الثمن الذي ستدفعه إن هي استمرت في موقع التعاون، لكن هذا الاكتشاف جاء متأخرا جدا، إذ حين دعت قيادة الاتحاد إلى مؤتمر عام من أجل مناقشة الموقف من السلطة، ومن قضية التعاون، ظهر ان هذا المؤتمر هو “مؤتمر انقسام”، فقد رفض أغلب ممثلي الاتحاد في القيادة المركزية للجبهة وفروعها، وبعض وزرائه، تنفيذ قرار الانسحاب، والتقوا فيما بينهم ليشكلوا ” اتحادا اشتراكيا جديدا”، وهذا بدوره بدأ يفرخ عددا من الاتحادات هي ما وضعناه تحت عنوان ” الايجابيين” في العرض المقدم عن المسيرة التنظيمية للحركة الناصرية، ولم يكن هذا التفريخ إلا انعكاسا لطبائع وتوجهات أجهزة السلطة المختلفة المتصلة بهؤلاء ” الايجابيين”.

هذا الواقع الذي وصل إليه الاتحاد في مؤتمره هذا،  كان مطابقا لما توقعه أصحاب تكتل “الجهاز السياسي”، وما سطروه برسالة وجهوها إلى ذلك المؤتمر.

يبدو أن قضية ” الجهاز السياسي” خلفت أثرا عميقا في جسم الاتحاد الاشتراكي، وفي فكره القيادي، دفع قيادته بعد مضي أكثر من عشر سنوات على هذا الحدث أن تخصص في تقرير المؤتمر السابع صفحة كاملة للحديث عن هذه الظاهرة، وأن تعرضها ـ دفعا للحرج ـ بشكل لا يتطابق تاريخيا مع ولادتها، حيث يستفاد من التقرير أن التكتل كان ظاهرة سابقة أو مرافقة لبداية العلاقة الإيجابية مع السلطة في سوريا عام 1969، وأن الموقف من التعاون مع الحركة التصحيحية على النحو الذي حدث لم يكن أكثر من غطاء تدثر به أصحاب هذا التكتل، والحقيقة الواضحة سواء من خلال موضوعات النشرات التي صدرت باسم هذا التكتل، أو من حيث تواريخها تظهر خطأ هذا العرض.

ويبدو أن قوة هذا الاتجاه ـ اتجاه الجهاز السياسي ـ كانت مؤثرة جدا إلى درجة دفعت بالمؤتمر السابع أن يصف المؤتمر الخامس ـ وهو مؤتمر لم يكن قد ظهر فيه بعد ما يدعى بالجهاز السياسي ـ بأوصاف سلبية ويعتبر أن محصلته ( لم تكن شيئا يذكر في حياة حزبنا، وقد أدت دورا سلبيا فيه مناورة إحدى تلك الشلل التي تسربت إليه، وحاولت أن تقيم تكتلا من حولها للوصول إلى المواقع القيادية، تلك الشلة التي أخذت تسمي نفسها فيما بعد ب “الجهاز السياسي”، والتي انكشفت فيما بعد أنها تشكل تكتلا وتنظيما خاصا بها داخل الحزب، كما كانت لها صلاتها بعناصر من خارج الحزب، ومن المنشقين عنه، والتي امتدت بعد ذلك إلى خارج القطر).

ومن مقارنة ما صدر عن هذا التكتل وما ورد في تقرير المؤتمر السابع من رؤية نقدية متماسكة للمرحلة السابقة يظهر أن ذلك الأثر العميق ليس وليد ما أحدثته هذه المجموعة في جسم التنظيم من تحرك، ومن خلل، وإنما أيضا نتيجة صحة المواقف والتحليلات التي قدمتها، حيث جاء تقرير المؤتمر السابع بعد أكثر من عشر سنوات ليتبناها تقريبا بالحرف الواحد.

في تجربة الجبهة الأولى ظهر تماما مقدار البساطة التي عالجت بها قيادة الاتحاد الاشتراكي مفهوم العمل الجبهوي، والمرحلة التي تكونت خلالها، وطبيعة القوى المشاركة فيها، والاعداد الذي تم لإنجاحها.

وفي تجربة الجبهة الثانية خسر الاتحاد وجوده الشعبي، وكوادر رئيسية فيه، وتجاوزت قياداته قواعد العمل التنظيمي، وأدخلت مفاهيم في العمل السياسي والتنظيمي بانت خطورتها في الانقسام الذي حدث، والذي مر عليه المؤتمر السابع مرورا سريعا دون أن يعطيه حقه، وفي الضعف الشديد الذي أعقب هذه التجربة.

وفي التجربتين لم يستطع الاتحاد أن يقف وقفة تقييم ونقد يستطلع من خلالها مواطن الخلل، ومواقع الضعف، وبدت الديموقراطية التي جسدها الاتحاد من خلال تتابع مؤتمراته وكأنها شكل قد خوى من محتواه، لذلك بقي باستمرار في وضعية “الطرد” للكوادر، والعناصر القيادية، والخسارة المستمرة للجماهير المحيطة به، في حين كان يفترض أن يمثل تجانس بنائه، وتحوله إلى حزب، حالة “جذب” مستمرة لهذه العناصر ولتلك الجماهير.

فقط في مؤتمره السابع وقف وقفة نقد فعلية للمرحلة السابقة، وكشف مقدار الوهم الذي وقعت به قيادته في تعاملها مع الأحداث، وإذ شاب هذه الوقفة العديد من الثغرات، والمواقف التي لا تمت لطبيعة المرحلة بصلة، فإن ظاهرة النقد هذه إيجابية بقدر ما ينتج عنها من قواعد ومفاهيم تضبط عمل التنظيم في المراحل اللاحقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى