التطرف الصهيوني وسلاح المقاومة

محمود سمير الرنتيسي

في مطلع شهر أغسطس/ آب الحالي قام ستيف ويتكوف المبعوث الأميركي الخاص للرئيس ترمب بإبلاغ عائلات الأسرى الإسرائيليين أن حركة حماس مستعدة لنزع سلاحها، وقد رفضت حركة حماس هذه التقارير التي تحدثت عن استعدادها لنزع سلاحها خلال مفاوضات وقف إطلاق النار مؤكدة على الحق الوطني والقانوني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

ومؤخرا قام بنيامين نتنياهو بالإعلان عن شروط جديدة تتعلق بتسليم سلاح حماس وتطهير قطاع غزة من السلاح في إطار خطة لدى الاحتلال لمستقبل قطاع غزة والتي ترتبط بعملية عربات جدعون 2 التي دار النقاش حول شكلها وجدواها في الأيام الأخيرة بين المستوى السياسي والعسكري في دولة الاحتلال الإسرائيلي وحسم المستوى السياسي فيها القرار لصالحه بعد أن أبدى قادة جيش الاحتلال معارضة أولية لها.

بداية فقد كفلت كل المواثيق الدولية وخاصة القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الحق للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال الحق بمقاومة الاحتلال بما يشمل استخدام السلاح لتحرير أراضيهم والسعي لممارسة حق تقرير المصير ولم تعتبر الاتفاقيات الدولية المقاومة المسلحة جريمة في حال لم تقم باستهداف المدنيين بشكل متعمد.

وفي هذا السياق فإن الحديث عن نزع السلاح أو التوقيع على مبادرات دولية أو إقليمية تتبنى نزع سلاح مقاومة شعب تحت الاحتلال هي أمر يتناقض مع المواثيق والقوانين الدولية وفي الوقت الذي يعربد فيه الاحتلال الإسرائيلي ويقوم بحرب إبادة جماعية لسكان قطاع غزة ويرتكب أفظع جرائم الحرب لا يمكن القبول بالتواجد في مكان يخدم أهداف الاحتلال والتي يبدو أن نزع سلاح المقاومة في غزة هو أحد أهدافه الأساسية التي لم يستطع الوصول إليها منذ أكثر من 22 شهرا من الحرب.

أما فيما يتعلق باستهداف المدنيين فقد كشفت وثائق استخباراتية سرية من مايو/ أيار أن إسرائيل توصلت أنها قضت على نحو 8900 مسلح خلال هجماتها على غزّة، ما يعكس أن نسبة قتل المدنيين قد تعتبر الأعلى في تاريخ الحروب الحديثة حيث كشف تحقيق مشترك لمجلة +972 و”لوكال كول” و”الغارديان” أن بيانات من قاعدة استخباراتية داخلية يديرها الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن ما لا يقل عن 83 في المئة من الفلسطينيين الذين قُتلوا في هجوم إسرائيل على غزّة كانوا مدنيين.

وكان الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي قد ادعى في نهاية الشهر الخامس للعدوان على غزة بعد 7تشرين الأول/أكتوبر أن إسرائيل قتلت 13 ألف مقاتل من حماس وحدها ثم تراجع العدد المعلن إلى 12 ألف وفي آب/أغسطس 2024 قال الجيش الإسرائيلي أنه قتل 17 ألفا من مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024 صرح نتنياهو أن عدد المقاتلين الذين تم القضاء عليهم يقترب من 20 ألفا ولكن الحقائق والتسريبات الإسرائيلية أيضا تشير أنه بعد قرابة سنتين على الحرب لم تستطع دولة الاحتلال الإسرائيلي سوى قتل 8900 مقاتل وبالتالي فإن 50 ألفاً آخرين ممن قتلتهم اسرائيل من الرجال والنساء والأطفال لم يكونوا مقاتلين بل مدنيين عزل.

وعلى سبيل المثال قتل الجيش الإسرائيلي في رفح قبل عام تقريبا في يوم واحد نحو 100 فلسطيني وأعلن أنه قتل 100 إرهابي مسلح ولكن ضابطا في الكتيبة الإسرائيلية المهاجمة قال إن الضحايا كانوا غير مسلحين باستثناء حالتين فقط، وهناك حالات أخرى يمكن الاستدلال بها.

تقوم دولة الاحتلال عن سبق إصرار وتعمد بقتل المدنيين وتقول للمقاومة بشكل مباشر وغير مباشر سنقتلكم إن سلمتم سلاحكم وسنقتلكم وندمركم إن لم تسلموا سلاحكم.

إن الذي يعطل تحقق أهداف الاحتلال الإسرائيلي في غزة وفي المنطقة هو عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على تحقيق نصر حاسم في غزة والسبب الأساسي هو سلاح المقاومة وحاضنة المقاومة الشعبية وبالتالي فإن التقليل من أهمية سلاح المقاومة في المعركة لا يخدم سوى أهداف الاحتلال.

من زاوية أخرى يعد نزع سلاح غزة بمنزلة كشف أوسع لغزة أمام أدوات البطش والإبادة الإسرائيلية. إن أي مجتمع تحت الاحتلال يتخلى عن فقدان أدوات الحماية الذاتية يصبح مكشوفا أمام العدو من دون أي رادع وهناك نماذج في التاريخ العالمي وفي التاريخ الفلسطيني نفسه وأبرزها مذبحة صبرا وشاتيلا التي وقعت بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت بموجب اتفاق والتي تعتبر من أبشع المجازر والمذابح التي ارتكبها الاحتلال الفلسطيني بحق المدنيين الفلسطينيين.

إن النظرية الواقعية التي تحكم سلوك الدول اليوم تؤكد أن فكرة الضمانات الدولية لا تشكل أي قوة حقيقية راسخة يمكن أن تردع الأطراف الغاشمة من تنفيذ مخططاتها الخبيثة وبالتالي فإن ضمانات الحماية الدولية لا تعوض تسليم السلاح حيث سيجعل الطرف الذي يسلم سلاحه عاجزا تماما عن الدفاع عن نفسه تماما.

إن ما يجري في الضفة الغربية من زيادة عنف المستوطنين وإجرامهم بحق الفلسطينيين وعدم قدرة الفلسطينيين عن الدفاع عن أنفسهم سواء كمؤسسات أو كأفراد بسبب عدم وجود سلاح مقاوم كاف دليل آخر على أن كل الاتفاقيات الموقعة وكل الضمانات الدولية والخطابات في الأمم المتحدة والنداءات للمؤسسات الدولية والمجتمع الدولي لم تقدم أي دعم ملموس أو ضغط لازم على الاحتلال لوقف اعتداءاته.

من جانب آخر نحن أمام حقيقة أخرى وهي تحول المجتمع الصهيوني نحو التطرف الأيديولوجي ونحو العنف بشكل كبير فهذا المجتمع هو اليوم مجتمع إبادة جماعية يشجع الحرب ويدعمها وإذا كان ثمة خلافات فهو على كيفية إخراج هذه الحرب وبعبارة أدق يمكن القول أن زيادة التطرف في المجتمع الصهيوني هو الجديد ولكن ظاهرة التطرف والعنف متأصل ومتجذر في الفكر والممارسة الصهيونية منذ بدايات الصهيونية فالصهيونية قائمة على العنصرية والكراهية وفوقية شعب الله المختار وعندما تحالفت الصهيونية كفكرة مع الاستعمار الإنكليزي وتحولت لاستعمار إحلالي فإن مشروعها قائم على اقتلاع وتصفية الوجود الفلسطيني بالقوة وبشتى السبل.

الخطير أيضا في الآونة الأخيرة هو مأسسة العنف وتجذره في المجتمع والحكومة فعندما يصبح مجرم إرهابي مثل إيتمار بن غفير ومجرم آخر مثل سموتريتش وزراء في حكومة الاحتلال يقودون مشاريع الاستيطان والتهويد والتهجير فهو يؤكد تحول هذه العقلية والأفكار إلى موضع التطبيق ليس الفردي بل كسلطة مطلقة للدولة في القتل والتدمير وهو ما ظهر في الأشهر الأخيرة بشكل جلي.

أمام تصاعد هذا العنف والإجرام يصبح سلاح المقاومة أكثر أهمية ويصبح ضرورة وجودية وليس مجرد أداة دفاع بل هو صنو الكرامة والشرف والعزة والسلاح هنا هو آخر حائط صد لردع الآلة الإجرامية التي تريد تكريس واقع استعباد.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى