تصادف اليوم الأحد الذكرى السنوية الخامسة والثلاثون لاغتيال القيادي الفلسطيني الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) داخل بيته في تونس، في عملية واسعة بمشاركة مئات الجنود والموظفين، ومصادقة رئيس حكومة الاحتلال الراحل إسحق شامير، بهدف محاولة إسكات الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت قبل عام من الاغتيال.
وكانت القناة العبرية 13 قد كشفت، قبل ثلاث سنوات، بعض التفاصيل الجديدة الخاصة بجريمة اغتيال الوزير، وشكّكت بجدواها بالنسبة لإسرائيل. وكشفت أن شامير ووزير الأمن، حينذاك، إسحق رابين، ووزير الخارجية شيمون بيريز في حينها، استجابوا لطلب الموساد باغتيال أبو جهاد، نائب الرئيس الراحل ياسر عرفات، بعدما نسبت له مسؤولية توجيه الانتفاضة الأولى، والتخطيط لعملية ضخمة في قلب تل أبيب، استناداً لتسجيل صوتي رصد مكالمة للراحل أبو جهاد مع فدائيين كان من المفترض أن ينفذوها.
وكشفت القناة 13 أن شامير تردد في المصادقة على العملية، بسبب خطورتها، وخشية فشلها، وكلفتها لبعدها الجغرافي، وكون أبو جهاد يقيم داخل بيت محاط بالحراس. وتوضح أن رئيس الاستخبارات العسكرية وقتها الجنرال الراحل أمنون ليبكين شاحك هو من حسم الموضوع، بعدما سُئِل من قبل شامير، فكان دعمه للعملية قاطعاً. ويستدل من البرنامج التلفزيوني أن إسرائيل كانت تعتقد أن اغتيال أبو جهاد من شأنه وقف الانتفاضة الأولى التي أشغلتها وأحرجتها في العالم.
في المقابل، فإن معد ومحرر المسلسل الوثائقي الصحافي الإسرائيلي ألون بن دافيد، محرر الشؤون العسكرية في القناة 13، تساءلَ عن منطق اغتيال أبو جهاد، منوهاً إلى دور سلمي محتمل له لم تهتم به إسرائيل، رغم حاجتها له. ألون بن دافيد الذي اكتفى بطرح أبو جهاد كمسؤول كبير في منظمة ” إرهابية ” أغفل طبعاً الإشارة لأصله كفلسطيني طرد من وطنه ومن مدينته الرملة مع عائلته في نكبة 1948، ولم يستحضر السياق التاريخي للصراع وللأذى البالغ الذي لحق بالشعب الفلسطيني بسبب جرائم الصهيونية وشكل خلفية لتأسيس المنظمات الفدائية الفلسطينية.
ثلاثة آلاف إسرائيلي شاركوا في عملية الاغتيال
في المقابل، وضمن تساؤله بالأساس عن جدوى العملية لا عن مدى أخلاقيتها، قال إن الولايات المتحدة كانت على صلة مع أبو جهاد وقتها، وإنه تم تداول أفكار معها لتسوية الصراع، لا سيما أنه كان رجلاً قوياً متنفذاً وقادراً على اتخاذ قرارات تاريخية إلى جانب الرئيس ياسر عرفات. كما تساءل بن دافيد عما إذا كان اغتيال الوزير عملية انتقامية إسرائيلية بسبب حالة الإحباط من الفشل في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عامها الثاني، أم أنها أعدت لدرء مخاطر مستقبلية؟
واعتبر المسلسل الوثائقي عملية اغتيال الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية أبو جهاد، في السادس عشر من نيسان/ إبريل 1988 أكبر عملية اغتيال نفذتها إسرائيل، الدولة الوحيدة التي حولت الاغتيالات لسياسة منهجية.
وجاء في التحقيق أن 3000 شخص شاركوا في عملية الاغتيال، بين التحضير والتنسيق والتنفيذ، إضافة الى خمس سفن حربية، وسفينة تحمل طائرات مروحية وتشكيلات من الكوماندوز ووحدات من الموساد ومن الوحدات الخاصة في الجيش والمخابرات. وحينما سئل رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك عن معنى تجنيد ثلاثة آلاف شخص لقتل شخص واحد، قال إن أبو جهاد ليس رجلاً عادياً. براك نفسه الذي قال مرة لو كنت فلسطينياً لصرت فدائياً.
يشار إلى أن تسريبات صحافية اسرائيلية سابقة كشفت، في الماضي، عن مساعدات معلوماتية قدمها أحد جيران أبو جهاد، وكذلك رجحت أن أحد موظفي بلدية تونس سلم الموساد خرائط بيته، مما ساعد في تخطيط اقتحامه. غير أن القناة 13 أوضحت أن الموساد حاز على معطيات وصور من داخل بيت الوزير من قبل أشخاص دخلوه كضيوف، يقال إن واحدة منهم انتحلت شخصية صحافية أجنبية، وهذا ما أشارت إليه أرملة الشهيد انتصار الوزير في واحدة من مقابلاتها الصحافية، وفي كتابها عن سيرتها وزوجها رفيق دربها قبل عامين.
المولد في الرملة
وحسب مؤسسة الدراسات الفلسطينية، التي استذكرته اليوم في تقرير خاص، ولد خليل الوزير في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 1935 في مدينة الرملة بفلسطين، والتي غادرها مع عائلته إلى مدينة غزة، عبر رام الله والخليل، وذلك بعد قيام القوات الصهيونية باحتلال مدينته وتهجير سكانها في تموز/ يوليو 1948. والده: إبراهيم محمود الوزير. والدته: فوزية خليل شيخو. إخوته: غالب، منذر، زهير. أخواته: زاهرة، نبيلة، زينب. زوجته: انتصار مصطفى محمود الوزير (ابنة عمه). أبناؤه: الدكتور جهاد، باسم، نضال. بناته: إيمان، الدكتوره حنان.
الدراسة والعمل
تلقى خليل الوزير تعليمه الابتدائي في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مدينة غزة، وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة فلسطين الثانوية سنة 1954. التحق بكلية الآداب قسم الصحافة في جامعة الإسكندرية سنة 1955، لكنه لم يكمل دراسته الجامعية، وانتقل في صيف سنة 1957 إلى السعودية للعمل مدرساً لمدة أشهر قليلة في مدينة القنفذة في منطقة عسير. غادر السعودية إلى الكويت، في خريف سنة 1957، ليعمل مدرساً، وبقي في الكويت حتى سنة 1963.
السيرة النضالية
التحق خليل الوزير سنة 1952 بـ “جماعة الإخوان المسلمين”، وكان أمين سر مكتبها الطلاّبي في غزة، لكنه ترك الجماعة بعد أن رفضت قيادتها مشروع كفاح مسلح تقدم به إليها، وبدأ بتنظيم خلايا عسكرية قامت بتنفيذ العديد من عمليات التفجير وزرع الألغام في الأراضي الفلسطينية المحتلة المتاخمة لقطاع غزة، من أهمها عملية تفجير خزان مياه “زوهر” قرب بيت حانون، في 25 شباط/ فبراير 1955. وكان من أهم رفاقه، في تلك الفترة، كلٌ من: كمال عدوان، وأبو يوسف النجار، وسعيد المزين، وعبد الفتاح الحمود، وغالب الوزير، وعبد الله صيام، ومحمد الإفرنجي، وحمد العايدي.
بعد اعتداء القوات الإسرائيلية على قطاع غزة في 28 شباط/ فبراير 1955، رداً على عملية “زوهر” الفدائية، والذي سقط نتيجته عشرات الشهداء والجرحى من المصريين والفلسطينيين، شارك الوزير في قيادة المظاهرة الحاشدة التي انطلقت من مدرسة “فلسطين” الثانوية في مدينة غزة، ورفع المتظاهرون خلالها شعارات “جنّدونا تنقذونا”، “درّبونا تسعفونا”، إلى جانب شعارات ترفض مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء.
وطبقاً لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، تركَ الجامعة أثناء العدوان على غزة في خريف سنة 1956، والتحق بمعسكر التدريب الذي أقامته “رابطة طلاب فلسطين” في مصر، والتقى مع ياسر عرفات، ثم تعددت اللقاءات بينهما. اتفق خليل الوزير، في خريف سنة 1957، مع ياسر عرفات في الكويت على تأسيس تنظيم سري بهدف تحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح. وشارك الاثنان، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1959، في اجتماع عقد في شقة بالكويت، بحضور عدد من الشبان الفلسطينيين، الذين قدموا من عدة بلدان عربية، أُعلن فيه عن تأسيس “حركة التحرير الوطني الفلسطيني” (فتح)، واختير عضواً في اللجنة المركزية الأولى للحركة، واستمر عضواً في هذه اللجنة حتى استشهاده. أشرف على إصدار نشرة ” نداء الحياة- فلسطيننا”، في تشرين الأول/ أكتوبر 1959 في بيروت، والتي صارت تعكس مواقف حركة فتح. وشارك الوزير، بين سنتي 1960 و1962، في تشكيل خلايا سريّة لحركة “فتح” في مدن الضفة الغربية لنهر الأردن، وساهم في شراء وتخزين السلاح لهذه الخلايا.
في الجزائر
غادر الكويت في تشرين الثاني/ نوفمبر 1963 إلى الجزائر، حيث تولّى، باسم حركة “فتح”، مسؤولية أول مكتب لفلسطين في الجزائر، وصار ينظّم دورات عسكرية لمتطوعين فلسطينيين في الكلية الحربية بالجزائر، كما أشرف على إصدار نشرتين، الأولى باسم “صرخة فلسطيننا”، والثانية باسم “أخبار فلسطيننا”. وفي آذار/ مارس 1964، توجهَ الوزير برفقة ياسر عرفات إلى الصين الشعبية، حيث وافق قادتها على “فتح” مكتب فلسطين في العاصمة بكين، وتعهدوا بدعم الثورة الفلسطينية فور انطلاق شرارتها، ثم توجه إلى فيتنام الشمالية وكوريا الشمالية، كما زار، بعد ذلك، يوغوسلافيا وألمانيا الديمقراطية. وشارك في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي عقد في مدينة القدس في نهاية أيار/ مايو 1964، وهو المؤتمر الذي أُعلن فيه تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وكان عضواً في اللجنة السياسية للمؤتمر.
عملية عيلبون
غادر الوزير الجزائر في سنة 1965 إلى دمشق، حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، خاصة بعد أن كان جناح حركة “فتح” العسكري، “قوات العاصفة”، نفّذَ، في ليلة 31 كانون الأول/ ديسمبر 1964، أول عملية فدائية رمزية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1948، في ممر مائي اصطناعي يحمل اسم “نفق عيلبون” (بنتْه إسرائيل لنقل مياه بحيرة طبرية لصحراء النقب) تم فيها تفجير شبكة مياه إسرائيلية وجرح جنديين إسرائيليين، واستشهد بنتيجتها أحد منفذي العملية، وهو أحمد موسى سلامة.
اعتقل خليل الوزير، مع ياسر عرفات وعشرة من رفاقهما، لفترة قصيرة في دمشق، في شباط/ فبراير 1966، بعد اتهامهم بالتسبب في مقتل الضابط الفلسطيني في الجيش السوري يوسف عرابي. وعند قيام إسرائيل بعدوانها على مصر وسوريا والأردن، واحتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء في حزيران/ يونيو 1967، نظّم خليل الوزير عدة عمليات عسكرية ضد القوات الإسرائيلية في الجليل الأعلى في شمال فلسطين.
أيلول الأسود
إثر الصدامات العنيفة التي وقعت بين الفدائيين والجيش الأردني، في أيلول/ سبتمبر 1970، والتي أسفرت عن خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن، انتقل خليل الوزير مع رفاقه إلى لبنان، وصار يتنقل ما بين بيروت ودمشق. تولّى مسؤولية التنظيم، ثم الإعلام في حركة “فتح”، وأصبح عضواً في القيادة العامة لقوات العاصفة، ثم صار يشرف على نشاط تنظيم “فتح” داخل فلسطين المحتلة، المعروف باسم “القطاع الغربي”، وذلك بعد استشهاد كمال عدوان، مسؤول هذا القطاع، على يد وحدة عسكرية إسرائيلية تسلّلت سراً إلى بيروت، في نيسان/ أبريل 1973.
نائباً لعرفات
انتُخب خليل الوزير نائباً للقائد العام، ياسر عرفات، في المؤتمر الرابع لحركة “فتح”، الذي عقد في دمشق في أيار/ مايو 1980، وكان له دور قيادي بارز في التصدي للعدوان الإسرائيلي على لبنان، في صيف سنة 1982، وفي معركة صمود القوات المشتركة الفلسطينية- اللبنانية في بيروت المحاصرة من قبل القوات الإسرائيلية. بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، انتقل خليل الوزير، مع ياسر عرفات، إلى تونس، ثم عُيّن، سنة 1984، رئيساً للجانب الفلسطيني في اللجنة الفلسطينية-الأردنية المشتركة لدعم صمود الأرض المحتلة، وعمل على دعم مؤسسات المجتمع المدني وبناء التنظيم وأسس حركة “الشبيبة” الطلابية و”لجان المرأة للعمل الاجتماعي” ونقابات العمال في الأراضي المحتلة، وقام بدعم صمود أبناء الشعب الفلسطيني في كافة المجالات. ترأس خليل الوزير وفد حركة “فتح” في جلسات الحوار الوطني الفلسطيني، التي عقدت في عدن والجزائر في صيف 1984، ثم انتقل إلى بغداد في صيف سنة 1986.
كان خليل الوزير أحد أبرز مهندسي الانتفاضة الشعبية الأولى، التي اندلعت في كانون الأول/ ديسمبر 1987، وشارك في توجيهها ودعمها حتى ساعة استشهاده. قامت وحدة النخبة التابعة لهيئة الأركان في جيش الاحتلال “سييرت متكال” العسكرية الإسرائيلية، بقيادة المقدم موشيه بوغي يعلون، الذي أصبح لاحقاً رئيس الأركان، ثم وزير الأمن، باغتياله في منزله في حي سيدي بو سعيد في تونس، في 16 نيسان/ أبريل 1988. نُقل جثمانه إلى مدينة دمشق حيث شيّعه عشرات الآلاف من الفلسطينيين والسوريين، ودفن في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك.
وتخلص مؤسسة الدراسات الفلسطينية للقول إن الوزير قد قد عُرف بهدوئه ودماثته، وكان مثالاً لنكران الذات والتواضع، ونجح في نسج علاقات صداقة وتضامن واسعة مع العديد من زعماء حركات التحرر الوطني في العالم.
المصدر: “القدس العربي”