مع فشل الطرفين التركي والروسي في نسج تفاهمات جديدة يمكن أن تفضي إلى تهدئة في الشمال الغربي من سورية، بدا أن موسكو أطلقت يد النظام السوري للبدء بعمل عسكري جديد واسع النطاق باتجاه منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، وهي منطقة تُعتبر الخاصرة الأقوى للطريق الدولي “ام 4” الذي يربط مدينة حلب باللاذقية على الساحل السوري، والذي يسعى النظام للسيطرة عليه، وسط معلومات أمس عن إصابات جديدة في صفوف القوات التركية جراء استهدافها بالقصف من النظام. ترافق ذلك مع هجوم روسي مباشر على تركيا واتهامها بعدم الوفاء بالتزاماتها بشأن اتفاق سوتشي، مع التشديد على أن هذه الخلافات لن تؤدي إلى تباعد أكبر بين الطرفين.
وفي مؤشر جديد على فشل التفاهم بين أنقرة وموسكو حول الملف السوري، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن أنقرة لم تف بالتزاماتها بشأن اتفاق سوتشي حول إدلب. وأضاف في تصريح صحافي أمس أن ما سماهم بـ”الإرهابيين” في إدلب يحصلون على “معدات عسكرية خطيرة جداً”. في المقابل، دعا بيسكوف إلى تجنّب بناء سيناريوهات سلبية بخصوص تطور العلاقات الروسية-التركية، بسبب توتر الأوضاع في إدلب. وأكد أن العسكريين الروس والأتراك “على اتصال دائم”، مضيفاً “إذا لزم الأمر، يناقش الرئيسان (الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان) هذا الموضوع”، موضحاً أن الرئيس الروسي يدعم فكرة عقد القمة الرباعية حول سورية.
وكانت فصائل المعارضة المدعومة من تركيا قد أسقطت طائرتين مروحيتين للنظام السوري، بصاروخين محمولين على الكتف، خلال المعارك التي دارت في الأسبوعين الماضيين، ما يعني أن تركيا زودت المعارضة بهذا النوع من الأسلحة الذكية والنوعية، بضوء أخضر غربي، إثر التقدّم السريع لقوات النظام وحلفائه في أرياف حلب وإدلب، وارتكاب مجازر وعمليات تهجير بحق المدنيين.
ميدانياً، وبعد أن سيطر النظام السوري على مناطق واسعة خلال الشهر الحالي في أرياف إدلب وحلب، وعلى الطريق الدولي “ام 5” الذي يربط دمشق بمدينة حلب، بدا أن أنظاره تتجه إلى الطريق الدولي الآخر “ام 4” الذي يربط مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، بمدينة اللاذقية على الساحل السوري غربي البلاد.
وبرزت أمس مؤشرات على نيّة النظام القيام بعمل عسكري واسع النطاق باتجاه منطقة جبل الزاوية، على الرغم من أن المنطقة ليس من السهل اقتحامها والسيطرة عليها، إلا أن قوات النظام لا يمكنها تأمين طريق “ام 4″، الذي يعد الهدف المقبل للنظام والروس، إلا بالسيطرة على بلدات وقرى هذا الجبل الخارج عن سيطرة النظام منذ عام 2012.
وذكرت وسائل إعلام روسية مساء أمس أن قوات النظام وتحت غطاء جوي روسي كثيف سيطرت على بلدتي الشيخ دامس وحنتوتين على محور جبل الزاوية بعد اشتباكات عنيفة مع الفصائل المسلحة التي تنتشر في المنطقة.
وشنّت طائرات النظام الحربية وطائرات روسية طوال يوم أمس غارات على مناطق متفرقة من جبل الزاوية جنوب إدلب. وطاول القصف الجوي كلاً من كفرنبل وحزارين وبسقلا وتل النار وكفرسجنة وكنصفرة واحسم، تزامناً مع قصف صاروخي مكثف استهدف المنطقة من قبل قوات النظام، بالإضافة إلى قصف صاروخي طاول مناطق في ريف حلب الغربي. كذلك قتل مدني وأصيب آخرون إثر قصف صاروخي استهدف مدينة دارة عزة غربي حلب، مصدره مدفعية قوات النظام، داخل القرى التي سيطرت عليها أخيراً غربي حلب.
وذكر مراسل “العربي الجديد” في إدلب أن مواجهات دارت على محور عابدين بالقرب من الشيخ دامس، حيث قنص مقاتلو الفصائل عناصر لقوات النظام حاولوا التقدّم باتجاه المناطق التي تسيطر عليها الفصائل بريف إدلب الجنوبي. ووفق مصادر محلية، قتل عدد من عناصر قوات النظام وأصيب آخرون ودُمرت آليات، أمس، جراء استهداف رتل عسكري لهم من قبل الفصائل المسلحة بعدد من قذائف المدفعية الثقيلة على محور مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي.
كما أفاد مراسل “العربي الجديد” أن قوات النظام نقلت مجموعات تابعة لها من ريفي حلب وحماة إلى محور مدايا وحيش وعابدين. وأشار إلى أن هذه القوات استكملت الحشد وبدأت بتمهيد مدفعي على قرى في جبل الزاوية، مع ترجيحات بمحاولة قوات النظام السيطرة على بلدتي حاس وكفرنبل.
وقال القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد الطيار مصطفى البكور، لـ”العربي الجديد”، إن النظام “جادّ جداً في فتح معركة في جبل الزاوية وقد نقل قوات من حلب لهذه الغاية، وهناك تحركات كبيرة من قبل قوات النظام”. وأكد البكور أن مهمة قوات النظام ستكون “أصعب من المناطق السابقة التي سيطر عليها”، مضيفاً: “تضاريس جبل الزاوية صعبة وهناك مجموعات من أبناء المنطقة تدافع عن المنطقة لا تنتمي إلى فصائل المعارضة السورية”. وعن هدف النظام من التقدّم باتجاه منطقة جبل الزاوية، أوضح البكور أن هدفه الوصول إلى الطريق الدولي الذي يصل الساحل السوري بمدينة حلب.
وفي تطور لافت، استهدف قصف من قوات النظام محيط مرور رتل للقوات التركية في منطقة جبل الزاوية. وكان الرتل قد دخل صباح أمس من نقطة كفرلوسين على الحدود السورية التركية، متجهاً إلى جبل الزاوية حيث تعرض محيط مروره في قرية احسم للقصف، إلا أنه أكمل طريقه باتجاه بلدة البارة متجاوزاً إياها إلى كفرنبل، التي لم يتمكن من الوصول إليها بسبب شدة القصف ما دفعه إلى العودة نحو احسم. ويعتقد أن وجهة الرتل الرئيسية هي مدينة كفرنبل، بنيّة إنشاء نقطة جديدة هناك، بعد المخاوف من تقدّم النظام نحو المدينة التي تعتبر أولى المدن في جبل الزاوية من جهة الجنوب، والتي يحاول النظام التقدم إليها انطلاقاً من ثلاثة محاور في محيط بلدة كفرسجنة.
من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدداً من الجنود الأتراك أصيب أمس في استهداف قوات موالية للنظام لهذا الرتل العسكري بالمدفعية الثقيلة. وأضاف المرصد أن نحو 2765 مركبة عسكرية تركية و7600 جندي تركي وصلوا إلى شمال سورية منذ الثاني من فبراير/ شباط الحالي.
وفي السياق، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن قصفاً مدفعياً نفذته القوات التركية المتمركزة في محيط سراقب استهدف مواقع النظام في النيرب شرق إدلب.
وكان النظام قد رفع سقف التحدي للجانب التركي، إذ هددت قواته باستهداف الطيران التركي، مشيرة في بيان إلى أن “أي طيران يخترق الأجواء السورية، سيتم التعامل معه على أنه هدف عسكري معادٍ لن يُسمح له بالتحليق فوق أجوائنا، وستتم ملاحقته لحظة اكتشافه والعمل على تدميره فور اختراقه مجالنا الجوي”. من جهتها، زعمت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام أن أردوغان “خائف من الثمن الباهظ في سورية”، وفق تعبيرها. وكان أردوغان قد أمهل قوات النظام حتى نهاية فبراير الحالي للتراجع إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية في شمال سورية، مشدداً في أكثر من مناسبة على أن جيش بلاده سيقوم بكل ما يلزم على الأرض وفي الجو من دون تردد لإجبار النظام على ذلك.
وتنبع أهمية منطقة جبل الزاوية التي تضم نحو 35 بلدة وقرية، كلها تحت سيطرة فصائل المعارضة منذ عام 2012، من كونها منطقة جبلية وعرة، والخاصرة الأقوى للطريق الدولي “ام 4″. ولفتت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إلى أن اقتحام جبل الزاوية “صعب”، موضحة أنه يضم عدة نقاط جبلية مهمة، منها تل النبي أيوب قرب قرية جوزف، ومشيرة إلى أن هذا التل يطل على سهل الغاب وسهل الروج، ومضيفة: “منطقة جبل الزاوية بيئة ملائمة للمقاومة والاشتباكات بمجموعة قتال صغيرة”. كما أوضحت أن جبل الأربعين الشهير الذي تقع مدينة أريحا على سفحه، يقع على الشمال من منطقة جبل الزاوية. وأشارت إلى أن خطوط الإمداد حالياً لمنطقة جبل الزاوية من مدينة أريحا شمالاً ومن الغرب مدينة جسر الشغور وسهل الروج، موضحة أن بلدات الرامي وكفرشلايا ومحمبل هي بوابة جبل الزاوية من الجهة الغربية. ولا تقف قوات النظام بعيداً عن جبل الزاوية من الجنوب والشرق عقب سيطرتها أخيراً على مدينتي معرة النعمان وسراقب وقرى في محيطهما.
وطيلة سنوات الصراع لم يتوقف القصف الجوي العنيف على قرى بلدات جبل الزاوية، ومن أهمها: احسم والبارة وكنصفرة وكفر عويد وديرسنبل وسرجة، وبنين، وابلين. وتعد منطقة جبل الزاوية معقلاً بارزاً لفصائل المعارضة، ومن أبرزها فصيل “صقور الشام” المنضوي تحت راية “الجبهة الوطنية للتحرير”، والذي يعد من أقدم فصائل المعارضة السورية، إذ تشكّل أوائل عام 2012. وفي حال مضت قوات النظام ومليشيات تساندها باتجاه منطقة جبل الزاوية، يُفتح الباب مجدداً أمام اتساع نطاق الصراع في الشمال الغربي من سورية، وهو ما يدل على عدم اكتراث النظام بالوعيد التركي.
المصدر: العربي الجديد