حول احتمالات المواجهة بين سورية وإسرائيل

معقل زهور عدي

لايوحي المشهد العام بأن أيا من سورية أو اسرائيل بصدد مواجهة شاملة , لكن ذلك لايمنع التفكير في الحقائق التي تقف خلف ذلك المشهد والتي تقيد نزعة اليمين الاسرائيلي الحربية والتوسعية أو تدفعه نحو التصعيد على الجبهة السورية . إذا أخذنا بالاعتبار أن الدولة السورية الجديدة قد حسمت أمرها منذ البداية واختارت الابتعاد عن أي مواجهة مع اسرائيل والانشغال بإعادة البناء بعد خروج سورية مدمرة ومفلسة من حكم بشار الأسد .
تكمن المشكلة الرئيسية بهذا الصدد في الحكومة اليمينية في اسرائيل وعلى رأسها بنيامين نتنياهو , وفي حين يتحدث الجميع داخل اسرائيل وخارجها عن محاولات نتنياهو الافلات من مصيره السياسي الشخصي بالجري وراء الحروب , فإن الولايات المتحدة تظهر ميلا متزايدا لكبح جماح نتنياهو وتقييد أعماله العسكرية التي أصبحت تهدد مشروع الولايات المتحدة في المنطقة والذي يرتكز على التهدئة ومحاولة التوصل إلى اتفاقيات سلام بين الدول العربية واسرائيل .
وإذا ابتعدنا قليلا عن نزعة نتنياهو العدوانية الحربية , نحو مصلحة اسرائيل في أي مواجهة محتملة مع الدولة السورية الجديدة يمكن رؤية اتجاهين في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية .
أما الاتجاه الأول فيرى خطورة ترك الدولة السورية الجديدة تنهض وتعيد تأسيس الجيش السوري ضمن عقيدة قتالية مختلفة تماما عن جيش بشار الفاسد والمتهالك , وبالتالي ربما يفكر في إجهاض ذلك السياق قبل أن يخرج عن السيطرة ويصبح إجهاضه صعبا أو عالي الكلفة في حين لم تعد اسرائيل تتمتع بالدعم الغربي الذي كانت تتمتع به قبل حرب غزة .
يعني التفكير في إجهاض سياق نهوض الدولة السورية إضعاف سورية أو إيجاد الأسباب والمبررات لاستمرار وتوسيع احتلال الأراضي المحاذية لخطوط الهدنة المتفق عليها في معاهدة فصل القوات العائدة للعام 1974وبقاء الأعمال العسكرية في الجنوب وتشجيع الحركات الانفصالية داخل سورية وربما شن حرب محدودة تتسبب في اسقاط النظام السوري الجديد .
وفي الواقع فهو التفكير الأقرب لعقلية الحكومة الاسرائيلية اليمينية الحالية وينبغي أخذ ذلك بالاعتبار منذ الآن وحتى الانتخابات الاسرائيلية في تشرين الأول / اكتوبر 2026 .
يعتمد انتصار ذلك الاتجاه وخياراته التصعيدية إلى حد ما على تحييد المعارضة الأمريكية الناشئة من تضارب الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة العربية مع مثل ذلك التوجه الاسرائيلي .
لكن انتصاره يرتبط أيضا بوضع الدولة الاسرائيلية والمجتمع الاسرائيلي وتقبله لمثل ذلك التوجه بما يحمله من مخاطر قد لاتكون الدولة الاسرائيلية مستعدة لتحملها في ظل وجود خيارات سلمية تحفظ أمن اسرائيل .
أما الاتجاه الآخر فربما يكون مبنيا على تفكير أكثر عقلانية ينظر في أن ابرام معاهدة أمنية مع سورية هو الخيار الأقل خطورة , والأكثر انسجاما مع رؤية الولايات المتحدة للمنطقة , وقد يفتح الطريق نحو سلام شامل ودائم يصب في مصلحة اسرائيل على المدى المتوسط والبعيد .
ويدعم وجهة نظرهذا الاتجاه تفوق الجيش الاسرائيلي والضمانات التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة في أية اتفاقية أمنية مع سورية .
وفي المقابل يرى ذلك الاتجاه أن السياسية العدوانية للحكومة الحالية قد تدفع سورية نحو انتهاج سياسة مواجهة مع اسرائيل تتصاعد فيها التوجهات العسكرية . وربما تصبح أمرا مفروضا على الحكومة السورية من قبل رأي عام داخلي خارج عن السيطرة .
وهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أن الرأي العام السوري أكثر تشددا تجاه اسرائيل من الحكومة السورية الحالية وربما يمارس ضبط النفس من خلال دعمه لحكومة الشرع .
ويعني إضعاف الدولة السورية مساعدة القوى الأكثر تطرفا في سورية , كما يعني سقوط الدولة السورية أن سورية قد تصبح ساحة مفتوحة لمواجهة اسرائيل يمكن أن تعود عبرها ايران والقوى الاسلامية المتشددة وجميع من يتطلع لقتال اسرائيل في المنطقة والعالم .
ومنذ الآن يظهر التناقض جليا بين طلب اسرائيل أن يكون الجنوب منطقة خالية من الجيش السوري وبين ضمان أن لاتتسلل للجنوب قوى مقاتلة ضد اسرائيل خارج نطاق سيطرة الحكومة السورية وذلك ما أشار إليه الرئيس السوري أيضا .
أخيرا من الصعب تصور تخلي الاتجاه الحاكم في اسرائيل عن نظرته العدوانية تجاه سورية . لكن خياراته سوف تبقى مادون المواجهة الشاملة وما يمكن له تمريره دون معارضة أمريكية جادة , لكن اتفاقا أمنيا محتملا بين سورية واسرائيل قد يحسم الأمور قبل أن تحسمها الانتخابات الاسرائيلية القادمة والتي قد تحمل انعطافا هاما في السياسة الاسرائيلية يضعف اليمين في ظل فتح الباب أمام مراجعة شاملة لسياسات نتنياهو والأخطاء التي ارتكبتها خاصة ما يتعلق منها بالمسؤولية عن طوفان الأقصى ومسار الحرب في غزة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى