كان يمكن للخلاف الأخير الذي اندلع داخل حركة أحرار الشام الإسلامية مساء الإثنين الماضي أن يلقى اهتماماً شعبياً كبيراً لو أنه حدث قبل عامين على الأقل، لكن اليوم يمر هذا الحدث على الجمهور دون أن يبدي أي مبالاة.
فسنوات من الحروب الفكرية والقتال الدامي بين الفصائل، وتحديداً الإسلامية منها، أتت على معظم ما تبقى لهذه الفصائل من مكانة واهتمام من جانب حاضنة الثورة التي باتت تعتبر أن احتراب وخلافات هذه القوى كان السبب الرئيس، ليس فقط بالفشل في إسقاط النظام، بل وفي خسارة المكاسب التي كانت قد تحققت في العامين ٢٠١٢ و٢٠١٣.
والواقع فإن قراءة وتحليل أسباب المشكلة الأخيرة داخل أحرار الشام لا تخرج عن الإطار الشخصي لأطراف الخلاف، وخاصة بالنسبة لرئيس الحركة السابق الشيخ حسن صوفان، الذي يقود اليوم ما وُصف (بالتمرد) الذي ينفذه الجناح العسكري في الحركة على قيادتها العامة، وبلا شك ستتعدد التأويلات والدوافع المتوقعة لهذا التمرد، وغالباً ما سيتم وضعه في إطار فكري، ومؤكداً سيربط الكثيرون بين تحرك صوفان وقادة الجناح العسكري وبين هيئة تحرير الشام، بالنظر إلى اتهامات سابقة كانت توجه لصوفان بالميل إلى فكر الهيئة، وهي الاتهامات التي توجه حالياً للقائد العسكري في الحركة النقيب (أبو المنذر)، وستتعزز وجهة النظر هذه مع تحرك قوات من الهيئة لمؤازرة (حركة التمرد)، إلا أن كل ما سبق من معطيات لا يعني صحة الاستنتاج الذي يقول بأن ما يحصل هو انقلاب داخل أحرار الشام بتوجيه أو لصالح هيئة تحرير الشام.
هذه النقطة كانت على رأس اهتمامات الشيخ صوفان في بيانه الذي أصدره مساء الثلاثاء تعليقاً على هذه التطورات، حيث نفى أي تنسيق مع تحرير الشام فيما حصل، لكنه ورغم تأكيده
المتتبع لمسيرة حسن صوفان الفكرية والسياسية، والذين يعرفون شخصيته عن قرب، يدركون تماماً أنه لا يمكن أن يكون في ركاب أي قائد بسهولة على أنه من أشد الحريصين على وحدة صف أحرار الشام إلا أن عدم رضاه عن قيادة الحركة لم يكن خافياً في البيان المطول الذي كان صريحاً في بعض النقاط بالفعل.
فالمتتبع لمسيرة حسن صوفان الفكرية والسياسية، والذين يعرفون شخصيته عن قرب، يدركون تماماً أنه لا يمكن أن يكون في ركاب أي قائد بسهولة، وأنه لا يقبل إلا أن يكون الرجل الأول في أي مكان يوجد فيه، وهو يمتلك الكاريزما والمواصفات التي تؤهله للعب هذا الدور، ولعل نجاحه في قيادة فريق التفاوض عن نزلاء الجناح الاسلامي في سجن صيدنايا خلال الاستعصاء الشهير عام ٢٠٠٨ كان بداية بروزه، رغم صغر سنه وقصر تجربته في الحركة الإسلامية.
فصوفان المولود في اللاذقية عام 1979، لعائلة سلفية عريقة في المدينة، والذي درس الاقتصاد في جامعة تشرين، كان قد التحق بجامعة الملك عبد العزيز في السعودية لتحصيل العلوم الشرعية، وعاد إلى سوريا عام 2004، بعد عام ونصف العام قضاها في سجون المملكة بتهمة التواصل مع تنظيم “القاعدة”، حيث تسلمته سلطات النظام وحكمت عليه عام 2009 بالمؤبد، كان من الوجوه السلفية التي رفض النظام إطلاق سراحها كما فعل مع المئات من هذا التيار، وغالباً أن ذلك حصل ليقين النظام بأنه لن يحقق مع صوفان (غير المتشدد وصاحب النفس الطويل) الهدف الذي يرجو تحقيقه من إطلاق سراح الآخرين الذين يغلب على أكثرهم التشدد والانفعال والتهور.
وعليه أُمل أعضاء وأنصار “أحرار الشام” في أن ينقذ الشيخ حسن الحركة من الانهيار مع خروجه من المعتقل بداية العام ٢٠١٧ بعد صفقة تبادل بين النظام والأحرار، في وقت كانت تعاني فيه الحركة ثاني أكبر أزماتها حتى تلك اللحظة.
كانت الأزمة الأكبر مقتل مجلس قيادتها ومؤسسيها الخمسين في أيلول عام ٢٠١٤، الحادثة الشهيرة التي ما تزال غامضة حتى الآن، والتي تركت فراغاً قيادياً لم يستطع أحد سده بعد ذلك، بمن فيهم صوفان نفسه، الذي تسلم قيادة الحركة أواخر العام ٢٠١٧، ولكنه فشل أولاً في وضع حد للخلافات بين الأجنحة المتصارعة داخلها، فغادرها أبو صالح الطحان وفريقه إلى هيئة تحرير الشام، بينما عزل هو ذاته المكتب السياسي للحركة والذي كان يبلي بشكل جيد وقتها، إلا أن الضربة القاصمة حدثت لاحقاً مع الهجومين الثاني والثالث اللذين شنتهما هيئة تحرير الشام على الحركة حتى كادت تسحقها تماماً.
وبينما كان الجميع يعتقد أن أحرار الشام انتهت تماماً، استطاعت الحركة لملمة صفوفها ونفض غبار الهزيمة والنهوض مجدداً من تحت الرماد، لكن بجسد متعب وقوى منهكة وضعف في الإمكانات وقلة في الأعداد، إلا أنه كان نهوضاً كافياً لإبقاء الحركة على خريطة الفصائل حتى وإن كان بعيداً عن الأضواء.
لكن العودة إلى الأضواء اليوم كانت من باب الخلافات، مع دور بارز فيها للشيخ حسن صوفان ذاته الذي انتهت فترة ولايته كزعيم للحركة منذ عامين، وهو الأمر الذي لا يعتقد خصومه أنه لا يرضي طموحاته، أو كما يعتقد ربما، لا يتناسب وإمكاناته التي بالتأكيد يرى أنها تؤهله لإعادة إحياء الحركة وعودتها كرقم صعب لا يمكن للقيادة الحالية برئاسة جابر علي باشا أن تحققه، ولذا فقد عمل، حسب المعلومات المتوفرة، على التحالف مع قيادة الجناح العسكري في الحركة للانقلاب على قيادتها رغم نفيه ذلك في البيان.
ورغم نفيه أيضاً، إلا أن اللافت هنا هو الدعم الذي حصل عليه صوفان من جانب هيئة تحرير الشام، وهو أمر فسره كثيرون كما قلنا بأنه تأكيد للشكوك التي طالما أثيرت حول تحالف خفي بين صوفان وأبو محمد الجولاني، إلا أن هذه النظرية لا تبدو واردة إطلاقاً بالنظر إلى تباين فكر الرجلين وامتلاك كل منهما الطموحات والشخصية القيادية التي لا تقبل المشاركة، إلى حد يشبّه كثيرون معه صوفان بالجولاني فيما يتعلق بالتمرد على القادة الذين كان يتبع لهم، ومن ثم تجاوزهم والسيطرة على الجماعة التي ينتمي إليها، الأمر الذي يرجح بالفعل أن ما جرى خلال اليومين الماضيين لا يعدو أن يكون اتفاق مصالح وتحالف تكتيكي بهدف السيطرة على المجلس العسكري لإدلب على حساب الجبهة الوطنية للتحرير، خاصة أن كلا من الجولاني وصوفان من أشد المتحمسين لمشروع المجلس، وهو ما أكده الأخير في بيانه أيضاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا