بينما تلج دولة الاحتلال الروسي عامها السادس في معظم الجغرافيا السورية، وحيث تتابع قوات المغول (البوتيني) بكل أدواتها الهمجية قتلًا وتدميرًا ونهبًا متلاحقًا لكل الثروات الباطنية السورية، وأيضًا عبر الصفقات الإذعانية التي يعطيها نظام الأسد المجرم غير دولة للاحتلال، ليس أولها روسيا، ولا آخرها إيران. يستمرئ الجيش الروسي وميليشياته ومرتزقته في الهيمنة على مقدرات السوريين وسط حالة من الهوان والذل، من قبل نظام باع عبرها جل السيادة الوطنية السورية، من أجل الحفاظ على سلطة عصابته الطائفية. ومن أجل أن يبقى متربعًا على رمل الوطن السوري المنهوب والمخطوف من آل الأسد ومن لف لفهم، منذ خمسين سنة أو يزيد. يوم انقلب حافظ الأسد على رفاقه البعثيين وزج بهم في سجونه ومعتقلاته، مستبيحًا خيرات الوطن كل خيراته، وناهبًا بصفة ممنهجة كل ما في سورية من منتجات أو ثروات.
اليوم وقد ورث بشار حافظ الأسد هذا الوطن كي يحافظ على حكم الطائفة وحكم العائلة. لم يجد أمامه (وقد كان آيلًا للسقوط) إلا أن يبيع، أو يؤجر موانئه ومصانعه ومؤسساته لهذا المحتل الروسي، الذي يبحث عن الوصول للمياه الدافئة، وعن الإمساك بما تبقى من إرث الاتحاد السوفياتي الغابر والآفل منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي. فقد جاء الروس ومعهم المرتزقة، ليعيدوا قيامة نظام العصابة الأسدية، بهدف تحقيق مصالحهم أولًا وتثبيت أركان الدولة الأمنية، دولة العصابة، التي بها وعبرها يمكن تأمين المصلحة البراغماتية للاتحاد الروسي، وهي السلطة التي كانت ومازالت على استعداد لأن تبيع كل شيء من أجل بقائها دون
أي اهتمام ببقاء أو استقلال أو سيادة وطنية سورية. ولعل إدراك الروس لهذه المسائل هو ما ساهم في تمسكهم في الوجود الاحتلالي الكولونيالي في سورية لسنوات خمس مضت، وهم الذين مازالوا يصرون (حسب تصريحات لافروف) على البقاء والإقامة الطويلة، بدعوى أن النظام السوري هو من دعاهم للمجيء. ومن ثم فإن المصالح المتحققة من نهب للخيرات وتمدد جيوسياسي، ووصول إلى المياه الدافئة، وحصولهم على ورقة الموافقة الأميركية والإسرائيلية ما يدعوهم إلى البقاء، والتأسيس على ذلك لعقود إذا لم تحصل تغيرات كبرى في المنطقة تحول دون هذا البقاء. وبالتأكيد فان أعينهم ماتزال شاخصة على حراك وثورة الشعب السوري ومعارضته الوطنية. من هنا فإنهم يحاولون باستمرار استمالتها أو الالتفاف عليها، مرة عبر لقاءات مع رجالات من الطائفة العلوية، وأخرى عبر لقاءات مع الشيخ معاذ الخطيب ومجموعته، ومؤخرًا عبر اللقاء التسسللي الذي جمع الروس في موسكو مع قدري جميل وإلهام أحمد وقسد ومسد. وبعدها مع أحمد الجربا وبعض ما يسمى تجمع (الحرية والسلام.).
كل ذلك من أجل اللعب السياسي بمحاذات العسكري، وصولًا إلى أن يستتب لهم الوضع في سورية، حتى لو سقط النظام، أو أُسقط، كما وعد بذلك (جيمس جيفري) المعارضة السورية خلال لقائه الأخير معها في اسطنبول. وهو الآخر والإدارة الأميركية بالضرورة، يحاولون العبث بالورقة الكردية، عبر لقاءات وصفقات يراد منها مناكفة الروس والترك على حد سواء.
لكن ومهما حاول الروس في احتلالهم لسورية (المشرعن) أسديًا، ومهما أعطوا من أوراق تفويضية أميركية، أو عربية، فلن يكون البقاء الطويل لهم. إنه البقاء المستحيل في وطن لم يعرف أبناءه الاستكانة على مر الأزمان. فكانت نضالات السوريين دائمًا وأبدًا منسجمة مع تطلعاتهم الوطنية الاستقلالية برفض دائم لكل أشكال الاحتلال والهيمنة، بكل تلاوينها، وكل ألاعيبها، من أجل وطن سوري حر وديمقراطي. يبني مداميكه من أجل الحرية والكرامة التي انهمرت الدماء غزيرة من أجلها. إذ لا عودة للسوريين أبدًا إلى الوراء. بل التطلع اليومي المفعم بالتضحيات في سياق بناءات وطنية سورية بملمح عربي بالضرورة، تضم كل أبناء سورية في دولة الحق والقانون. حيث لا سيادة إلا للشعب الحر، تحت مظلة دستور وطني سوري، يصنعه أبناء سورية، ونحو تعميق سيادة القانون حيث لا شيء فوق الدستور والقانون.
بالرغم من كل هذا الدمار والاستباحة الروسية الإيرانية مع عصابات أسدية، التي فاقت كل حد، حيث قدّر تقرير “الإسكوا” وجامعة سانت أندروز، خسائر سورية الاقتصادية مع حلول نهاية السنة الثامنة، من العدوان الروسي الايراني، بما يفوق 442 مليار دولار. وقال التقرير إن “هذا الرقم الهائل لا يعبّر وحده عن معاناة شعب أصبح 5.6 مليون منه على الأقل لاجئين، و6.4 مليون نازحين داخلياً، و6.5 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و11.7 مليون بحاجة إلى شكلٍ من أشكال المساعدة الإنسانية”. إذ ما يزال الشعب السوري أكثر تصميما رغم كل ذلك من أجل تحقيق الحرية والكرامة حيث خرج من أجلهما.